الرئيسية / سياسة / بشرّي الضنيّة: الطوائف “ترسّم” حدودها في اللادولة

بشرّي الضنيّة: الطوائف “ترسّم” حدودها في اللادولة

الاثنين 23 أيلول 2019

مجلة وفاء wafaamagazine

ليس النزاع العقاري بين قضاءي بشرّي والضنيّة الأوّل في لبنان ولن يكون الأخير، فالأراضي غير الممسوحة كثيرة ‏ومنها ما بات يمسح على أسماء نافذين وأحزاب وفق المناطق التي يُسيطرون عليها بأكثريّة مذهبيّة وسياسيّة، ‏ويتحكّمون بالدوائر والموظّفين‎.‎
‎ ‎
العمل في البحيرة في أعالي بقاعصفرين توقّف بقرار قضائي بعد شكوى من بلدة بشرّي من الاعتداء على نطاقها ‏الجغرافي (الطائفي – المذهبي) في الوقت الذي كانت النائبة ستريدا جعجع تزور عين التينة لتطلب من الرئيس نبيه ‏برّي التدخّل عبر وزير المال، الوصيّ على الدوائر العقاريّة، والبدء بتحديد الحدود بين المنطقتين منعاً لفتنة طائفيّة ‏تمتدّ على مساحة الوطن‎.‎
‎ ‎
في المقابل، وبعد مؤتمر صحافي للنائب فيصل كرامي ردّ فيه على جعجع واعتبر ما يجري “حملة شعواء تشنّنها ‏القوّات اللبنانيّة، وأنّنا لن نتنازل عن حقّنا في الحصول على المياه، وكل الوسائل متاحة من أجل الوصول لمبتغانا”، ‏توجّه نحو 100 شاب من مختلف قرى الضنيّة وبلداتها نحو القرنة السوداء، في تحرّك رمزي للتأكيد أنّ القرنة ‏السوداء تتبع للضنيّة، ورفع السائقون على سياراتهم أعلاماً لبنانيّة كُتبن عليها عبارة “القرنة السوداء ضنّاويّة”. ‏وعندما بلغوا المكان رفعوا لافتات وشعارات وأدّوا الصلاة وسط إجراءات احترازيّة اتّخذها الجيش اللبناني على ‏الطرق المؤدّية إلى المكان‎.‎
‎ ‎
وتبدو الدولة عاجزة عن توفير حلّ جذري لمشكلة المسح العقاري، والتحديد والتسجيل، في أكثر من منطقة، ذلك أن ‏الخلاف بين أهالي العاقورة واليمّونة لم يسوَّ إلى اليوم، وإنّما جرت “ضبضبته” بمسعى من مديريّة المخابرات في ‏الجيش اللبناني سعياً إلى إطفاء بذور فتنة مسيحيّة – شيعيّة في العقارات المتنازع عليها. ولا يمكن أن ينسى اللبنانيّون ‏مشكلة عقارات لاسا في منطقة جبيل، حيث عقدت تسوية لا تُشبه التسويات لأنّها قضت أيضاً بتأليف لجان لمتابعة ‏درس الملف، واللجان في كل الملفّات تُشبه المقابر كما كانت تُسمّى لجان مجلس النوّاب في زمن مضى، إذ جرى تفعيل ‏الكثير من اللجان النيابيّة أخيراً‎.‎
‎ ‎
وقد بلغ التجاذب والتوّتر بين بلديّتي بشرّي وبقاعصفرين (الضنيّة) ذروة في النزاع على إنشاء بركة مياه في منطقة ‏سمارة، في أعالي جرود بقاعصفرين (والنزاع حول القرنة السوداء)، عقب سجال حاد نشب بين الطرفين وتأكيد كل ‏طرف وجود موقع البركة والقرنة السوداء ضمن نطاقه الإداري، وحاولت اللجنة المشتركة لوزارتي الزراعة والبيئة ‏التدخّل لحسم الأمر وإنهاء الجدل الذي اتّخذ طابعاً طائفيّاً خطيراً‎.‎
‎ ‎
ورافقت الاعتراضات حملات تحريض عبر وسائل التواصل الاجتماعي خرجت عن الأصول، وقفزت فوق علاقات ‏حسن الجوار والأخلاقيّات والأعراف‎.‎
‎ ‎
وبينما يقول رئيس بلديّة بشرّي فريدي كيروز إن في حوزته وثائق ومستندات تُثبت ملكيّة الأرض وأن موقع سهل ‏سمارة هو جزء لا يتجزّأ من مشاع بلدية بشريّ، يستند أهالي الضنيّة إلى قرار أمين السجل العقاري في الشمال الذي ‏رفعه إلى محافظة الشمال في 12 آب 2014، وجاء فيه أن “موقع القرنة السوداء وجوارها هو ضمن النطاق العقاري ‏لبلدية بقاعصفرين‎”.‎
‎ ‎
ورافقت الانقسام الشعبي انقسام سياسي، فنوّاب المنية – الضنيّة جهاد الصمد وسامي فتفت وعثمان علم الدين قصدوا ‏وزير البيئة للتوسّط، فيما توجّه نائبا “القوّات” ستريدا جعجع وجوزف طوق إلى عين التينة للغاية نفسها‎.‎
‎ ‎
العاقورة – اليمّونة
‎ ‎
على خط آخر، لا تزال قضيّة العاقورة – اليمّونة عالقة، فأهالي اليمّونة يرفضون الاعتراف بالحكم القضائي المُبرم ‏الصادر عام 1936 عن اللجنة التحكيميّة المشاعيّة برئاسة القاضي عبدو أبو خير، ويعتبرون أنّ قرارات عهد الانتداب ‏‏”ألغيت مفاعيلها عام 1952. وأن ذاك القرار صدر في عصر “الغالب والمغلوب”. ويؤكّد أهالي اليمّونة أن هذا القرار ‏لم يُطبّق يوماً، بل أنّ محاولات تطبيقه أدّت إلى أحداث دامية في الأعوام 1938 و1950 و1952 و1954 و1967 ‏ذهب ضحيّتها أكثر من 40 بريئاً بين قتيل وجريح من الطرفين. ويصرّون على اعتماد طريق الوسط، أي قمم الجبال ‏حيث مقلب المياه كحدّ طبيعي، وهو الحدّ الذي اعتمد حتّى العام 1993، وهذا التقسيم يُعطي العاقورة نحو 60 في ‏المئة من المشاعات المتنازع عليها واليمّونة نحو 40 في المئة‎.‎
‎ ‎
في المقابل، يتمسّك أهالي العاقورة بترسيم حدود يعود إلى زمن الانتداب الفرنسي ويرفضون منطق إلغاء كل ما سبق ‏الاستقلال، إذ أنّ معظم القوانين المرعيّة الإجراء في لبنان تعود إلى الزمن العثماني، أو إلى الزمن الفرنسي، فقانون ‏الجمعيّات والأحزاب عائد إلى الزمن العثماني، والإحصاء الذي تعتمد عليه الدولة في سجلّاتها يعود إلى العام 1932 ‏فلماذا تُلغى مفاعيل مرسوم لم يلغَ بشكل صريح؟
‎ ‎
في العام 2012، عمل وزير الداخليّة في حينه مروان شربل على توفير حل ينهي النزاع القائم، واقترح بعد لقاءات ‏عدّة عقدها مع المعنيّين في العاقورة واليمّونة، أن تبادر الدولة اللبنانيّة إلى شراء تلك المساحة الجغرافيّة المُتنازع ‏عليها، وتؤجّرها للبلديّات والأهالي مقابل بدل سنوي للريّ والزراعة، أو أن تضمّنها سنة بعد أخرى مداورة لأهالي ‏العاقورة واليمّونة. واعتبر شربل أن الدولة قادرة على أن تلغي مرسوماً بمرسوم، وأن تُعيد رسم الحدود، أو أن تستملك ‏وهو الحلّ الأفضل. وأعدّ مشروعاً حمله إلى مجلس الوزراء الذي لم يتخذ أي خطوة، بل حفظه في أدراج الأمانة ‏العامة لمجلس الوزراء، ووصل شربل إلى اقتناع مفاده أنّ الدولة غير جديّة في التوصّل إلى حل يُنهي هذا النزاع‎.‎
‎ ‎
وقد تخوّف آنذاك، وكرّر ذلك، من دخول طابور خامس على الخطّ، يعمد إلى قتل أحد الرعيان، من هذه البلدة أو تلك، ‏فتنشب خلافات وتنشأ عمليّات انتقام تؤدّي إلى فتنة طائفيّة يصير معها الحل مستحيلاً وتُصبح تلك المساحة إمّا أرضاً ‏يستبيحها الأقوى وإمّا أرضاً محظورة بسبب وجود مسلّحين أو ما شابه ذلك. ويحمل شربل الدولة المسؤوليّة، وهو ‏يراهن على سعي رئيس الجمهوريّة ميشال عون إلى توفير حل عادل، إذ لا يجوز لأهالي اليمّونة الاعتداء على أرض ‏ليست لهم، ولا يجوز أيضاً أن تمتدّ أراضي العاقورة إلى المنازل في اليمّونة‎.‎
‎ ‎
ورفض مسؤول في الدوائر العقاريّة سابقاً، استشير بصفته خبيراً، اقتراح الوزير السابق مروان شربل وفي اعتقاده أنّ ‏الحل غير القانوني سيُصبح عُرفاً يتمّ بعده نقض كل المراسيم العائدة إلى تلك المرحلة، والعمل من دونها يعني الفوضى ‏الكاملة في العقارات وفي الجغرافيا اللبنانيّة، ويُحمّل الدولة مسؤوليّة حل كل النزاعات المماثلة في عدد كبير من القرى ‏والبلدات، بشراء العقارات وتأجيرها، وهو ما لا قُدرة للدولة على تحمّله. ونصح الخبير باللجوء إلى القضاء القادر ‏وحده على بتّ هذه المسائل، وعلى الدولة بعد ذلك أن تنفّذ القرارات القضائيّة العادلة وتفرض التنفيذ بالقوّة لكي تكون ‏دولة حقيقيّة‎.‎
‎ ‎
ويرى المُتابعون أنّ الذين دخلوا أخيراً على الخطّ، وفق مُتابع مع كل من أهالي البلدتين، لم “يتركوا للصلح مطرح”. ‏فالنائب جميل السيّد حاول لعب دور المُصلح لكنّه انحاز إلى أهالي اليمّونة الشيعة، فيما العميد بول مطر الذي أوكل ‏إليه رئيس الجمهوريّة مُتابعة الملف، استند إلى المرسوم الذي يُعطي الحقّ لأهالي العاقورة، ما أدّى إلى انقسام طائفيّ ‏بغطاء رسمي‎.‎
‎ ‎
لاسا
‎ ‎
وملفّا العاقورة – اليمّونة ولاسا أثارهما قبل أشهر النائب زياد حواط الذي تحدّث في مجلس النواب معتبراً أن ‏‏”اعتراضات أهالي اليمونة يجب أن تبتّ من خلال المسلك القضائي‎”.‎
‎ ‎
وقد دخل ملف لاسا في “الصمت السريري” منذ أيلول 2018 عندما عقد النائب السابق فارس سعيد مؤتمراً صحافيّاً ‏أسف فيه لاستعمال بيان صادر عن نوّاب جبيل التقوا في البطريركية المارونيّة توصيف “أرض مُتنازل عليها في ‏لاسا” والاعلان أن الملف صار في مُتابعة المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى‎.‎
‎ ‎
وقال إن “وضع المسألة في عهدة جهة هي غير القانون والقضاء، أي غير الدولة، خطأ جسيم، يمكن أن تترتّب عليه ‏عواقب وخيمة يستطيع أي عاقل وحريص على الانتظام العام والعيش المشترك أن يتصوّرها. وتساءل بأسف منذ متى ‏تلجأ الكنيسة المارونيّة للاحتكام إلى غير الدولة والقانون والقضاء؟
‎ ‎
وأضاف: “هناك ما يُثير توجّسنا أكثر، إذ علمنا أن الرأي في أروقة أصحاب الحل والعقد إنّما يدور حول اقتراح وهب ‏الأراضي المعتدى عليها للمعتدين وهي تُمثّل حوالى 400 ألف متر مربّع من الأرض بحجّة “الأمر الواقع”، مقابل ‏‏”تسهيل” استكمال أعمال المساحة والتحديد في لاسا، بحيث تحصل الكنيسة على ما تبقّى من أرضها، غير المعتدى ‏عليها حتّى الآن، وتبلغ حوالى 5 ملايين متر مربّع. أي إذا عرضنا الموضوع ببساطة القروي نقول إنّ هناك “أمراً ‏واقعاً” يُسمّى اعتداءات على أرض الكنيسة، نُعطي 400 ألف متر للمعتدين ونخلّص 5 ملايين متر‎”.‎

المصدر: النهار

عن WB