الرئيسية / آخر الأخبار / مفاجأة انتخابات أرمينيا: موسكو «تُجدِّد» لباشينيان

مفاجأة انتخابات أرمينيا: موسكو «تُجدِّد» لباشينيان

مجلة وفاء wafaamagazine

بعد مضيّ نحو تسعة أشهر على هزيمة أرمينيا أمام آذربيجان وفقدانها إقليم ناغورنو قره باغ، والأراضي المحيطة به، وبعد ثلاث سنوات على ما سُمّي بـ«الثورة المخملية»، عام 2018، توجّه الأرمن إلى صناديق الاقتراع، وسط اعتراض على ما آلت إليه حرب الـ44 يوماً، وما سبّبته من إحراج لرئيس الوزراء، نيكول باشينيان، الذي وجد نفسه محاصراً بخيبة أملٍ، أجبرته، أخيراً، على الرضوخ للمطالب الشعبية، وإعلان استقالته، تمهيداً لإجراء انتخابات نيابية مبكرة. وكان الموعد مع هذا الاستحقاق، أوّل من أمس، في ظلّ توقّعات من جانب المعارضة التي يتزعّمها الرئيس السابق، روبرت قوتشاريان، بتحقيق نتائج إيجابية.

لكن الأرمن الذين توجّه نصفهم إلى صناديق الاقتراع، قرّروا مجدّداً تأييد رئيس وزرائهم الحالي، باشينيان، الذي يتزعّم حزب «الاتفاق الوطني»، وبنسبة تُعتبر جيّدة لِمَن خرج للتوّ من هزيمة عسكرية تاريخية. وحصل باشينيان على نحو 54% من الأصوات (71 مقعداً من مجموع 105 مقاعد، أربعة منها للأقليات الإيزيدية والكردية والروسية والسريانية)، فيما حصل حزب قوتشاريان، «تحالف أرمينيا»، على نحو 22% من الأصوات (29 مقعداً)، وهو فارق كبير يعطي أفضلية وازنة لصالح باشينيان. ونال الحزب الذي يترأّسه سيرج طور سركيسيان خمسة مقاعد، قد تزيد إلى سبعة حال صدور النتائج النهائية.
وإذا كان من أسباب لفوز باشينيان، فيمكن اختصارها في الآتي:
– الأوّل هو الخلاف الجذري بين باشينيان وأنصار القومية الأرمينية التي يمثّلها قوتشاريان والدياسبورا الأرمينية التي يشكّل حزب «الطاشناق» عصبها الرئيس. وعلى ما يظهر، فإن الخلافات بين هذا التيار و«التيار الإصلاحي» بقيادة باشينيان، لم تتأثّر كثيراً بالسياسات الخارجية، ومنها الصراع مع آذربيجان، فمالت الكفّة لمصلحة باشينيان.
– السبب الثاني – وربّما الأكثر أهميّة – هو أن موسكو التي كانت منزعجة جداً من سياسات باشينيان المؤيّدة لواشنطن، نجحت، عبر موقفها المحايد من حرب جنوب القوقاز، في أن تتقدَّم اللعبة، وتكون اللاعب الأوّل في مرحلة إنهاء الحرب وما بعدها. فقد سلّم باشينيان بدور الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بصفته الضامن لوقف إطلاق النار بين البلدين، وذلك بعد خسارة أرمينيا كل الأراضي التي كانت تقع تحت سيطرتها، وكانت سابقاً تابعة لآذربيجان، وبعدما كاد الأرمن يخسرون سيطرتهم على كامل ناغورنو قره باغ لولا التدخّل الروسي وإقناع باكو بالسيطرة على نصف الإقليم، ومنه مدينة شوشة، وبقاء النصف الثاني، بما يشمل العاصمة ستيباناكيرد، تحت سيطرة القوات الروسية، وفتح ممرّ لاتشين بين أرمينيا وما تبقّى من قره باغ.

أرادت كل من آذربيجان وتركيا بقاء باشينيان في السلطة لتنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار

وفي حين توقّع كثيرون انسحاب باشينيان من الحياة السياسية بعد انتهاء الحرب والهزيمة التي تعرّضت لها بلاده، عارضت روسيا الاستقالة، ذلك أن الرجل الذي وقّع اتفاق وقف إطلاق النار، وكان شريكاً في ترتيب الوضع بين أرمينيا وآذربيجان، يجب أن يبقى في السلطة حتى ينفّذ الاتفاق كاملاً، ومن بعدها لكل حادث حديث. من جهتها، انتقدت المعارضة الأرمينية الاتفاق، ووصفت باشينيان بالخائن الذي فرّط بما كسبه الأرمن منذ مطلع التسعينيات. لذا، فإن أيّ عودة للمعارضة إلى السلطة، كان سيعني تعريض الاتفاق برمّته للخطر، وربّما عودة التوتّر والحرب. وهو ما يتعارض مع مصالح روسيا التي حقّقت – عبر رعايتها لاتفاق الهدنة – إنجازاً سياسياً وعسكرياً كبيراً، أعاد النفوذ الروسي إلى منطقة جنوب القوقاز بأقلّ الخسائر الممكنة.
– السبب الثالث هو الدعم الأميركي لباشينيان، إذ ينتمي رئيس الوزراء في الأساس إلى «مدرسة» الثورات الأميركية الملوّنة، وهو جاء إلى السلطة، في عام 2018، بفضلها. وإذا كانت نتائج الحرب قد أرغمته على الرضوخ لإملاءات موسكو والسير بما تريده حتى لا يخسر ما تبقّى من قره باغ، فإنه لم يغادر المعسكر الأميركي، بل حافظ على تلك العلاقة «المبدئية».
ويتبيّن أن آذربيجان نفسها وتركيا التي دعمت حليفتها في الحرب، كانتا أيضاً من أنصار بقاء باشينيان في السلطة، باعتباره الشخصية الأرمينية التي وافقت على التخلّي عن نصف قره باغ، وعن جميع الأراضي التي كانت أرمينيا احتلتها في أعقاب تفكّك الاتحاد السوفياتي؛ مع العلم بأن باكو تهدّد يريفان بأن عدم تنفيذ الاتفاق الجديد يعني مواصلة الحرب والسيطرة على «النصف الروسي» من قره باغ. ومع ذلك، فإن آذربيجان، ومعها تركيا، تريدان ترسيخ اتفاق وقف النار نظراً إلى المكاسب الجمّة التي حقّقتاها من ورائه. وبصرف النظر عن هذه الحرب ونتائجها، أمكن رئيس آذربيجان، إلهام علييف، أن يتحوّل إلى بطل قومي في ما سمّي في باكو بـ«الحرب الوطنية الكبرى»، و«الولادة الجديدة لآذربيجان». من جانبها، حقّقت تركيا عبر الممرّ البري من نخجوان إلى باكو والمار عبر الأراضي الأرمينية، إنجازاً تاريخياً، إذ إنه، وللمرّة الأولى في التاريخ، يتمّ وصل تركيا بالعالم التركي عبر ممرّ برّي يتضمّن طريقاً للسيارات وخط سكة حديد، تحت إشراف القوات الروسية. ويتذرّع باشينيان أن في مقابل قبوله بهذا الممرّ، وافقت آذربيجان، وللمرّة الأولى رسمياً، على فتح ممرّ بري بين أرمينيا وناغورنو قره باغ، هو ممرّ لاتشين.
تحمل ترتيبات اتفاق وقف النار وما تلاه من تطورات على الاعتقاد بأن روسيا ومعها أذربيجان وتركيا، تحاول ترسيخ الوضع المستجدّ وربط المنطقة كلها باتفاقات اقتصادية تشكّل معاً رابطة تُولِي المصالح الاقتصادية الأولوية على الأعمال الحربية. وفي هذا الإطار، جاء اقتراح الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، قبل أسبوع، في إقامة منظمة أو منتدى من ستّ دول، تضمّ روسيا وتركيا وأرمينيا وآذربيجان وإيران وجورجيا، في محاولة من جانبه لإغراء يريفان بفتح الحدود.
كانت الانتخابات النيابية المبكرة مطلباً للمعارضة، لكن باشينيان نجح في المحافظة على وجوده في السلطة، وإنْ بتأييد شعبي أقلّ، ناهز الـ54%. لذا، ليس مستغرباً أن يقول، وبادعاء: «إذا كانت الثورة الماضية وُصفت بالمخملية، فإن الحالية هي ثورة الفولاذ». قد يخلق اعتراض قوتشاريان على النتائج والتشكيك بها بعض المشكلات لباشينيان، لكن على ما يبدو، فإن الرغبة الداخلية، كما الخارجية، هي أن يقود باشينيان المرحلة الجديدة الانتقالية.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الاخبار

عن Z H