
مجلة وفاء wafaamagazine
كتب إبراهيم الأمين في “الأخبار” :
لم يكن الوقت فسيحاً لإنجاز مراجعة كاملة للحدث السوري. لا في مرحلة انطلاقة الأزمة عامَ 2011، ولا عند اكتمال المشهد الأكبر بعد سقوط الرئيس بشار الأسد.
ذلك أن كل ما حصل ويحصل، يُبقي الباب مفتوحاً أمام أسئلة لا يبدو أنه يوجد من يريد الاستماع إليها بهدوء، ولا حتى مناقشتها بهدوء، ولا حتى الوصول إلى نتائج مُقنِعة لأهل العقل والمنطق.
وإذا كان التصحّر السياسي الذي أصاب دولنا العربية خلال عقود، قد تسبّب في مسيرة من الاستبداد وتراجع التنمية، فإن القوى التي كانت تقاوم هذا الواقع، لم تحسن مغادرة عقلية الثأر.
وهي عقلية لا تستوي مع المنطق، فيصبح أهلها، مجرّد عشيرة تحترف الانتقام والغُنم. وفكرة الاضطهاد التي خلقت أنماطاً مختلفة من المقاومة، لم تكن يوماً، ولا يمكن أن تكون، حجة للاستعانة بالشيطان في وجه الظالم. والخطير في أمر من قاد الحراك السوري، أنه ارتضى لنفسه هزيمة مُستدامة، حتى يبرّر الاستعانة بشياطين الأرض.
ما يجري اليوم في سوريا، ليس أول اختبار للقوى الإسلامية الصاعدة في منطقتنا. بل هو تكرار لتجارب سابقة، كانت من بينها تجربة «الإخوان المسلمين» في مصر.
صحيح، أن الدولة العميقة هناك، ممثّلة بالجيش، وطبقة من المتنفّعين، نجحت في استغلال سوء إدارة الرئيس الراحل محمد مرسي للحكم، من أجل إطاحته، إلا أن المشكلة التي يرفض «الليبراليون» الإقرار بها، تظل في نظرة هذه القوى إلى الخصم الحقيقي، وإلى العدو الحقيقي.
حتى عندما قرّر هؤلاء، أن عدوهم الأول هو النظام، ظلوا على استراتيجيتهم حتى بعد إسقاطه. وفكرة الاستيلاء على الدولة، تحوّلت إلى برنامج لتدمير الدولة ومؤسساتها، بحجة أنها قامت على يد النظام الظالم. أليس هذا ما حاول الإخوان فعله في مصر بعد سقوط حسني مبارك، أو أن الناس ينسون كيف تصرفت المعارضة الشيعية العراقية لنظام صدام حسين، عندما وافقت على مشروع أميركا بحلّ الجيش والدولة وإطاحة كل من كان فيهما، ثم جاء الدور على سوريا، عندما أطلق البلهاء فكرة اجتثاث النظام فكان الأمر تدميراً وخلق فوضى لا أحد يعرف كيف تنتهي؟
ينسخ الشرع تجارب مصر والعراق وليبيا، في هدم الدولة وتعزيز الانقسام الأهلي، بحثاً عن سلطة مركزية يدعمها الاحتلال الأميركي والإسرائيلي
لكنّ بعض التدقيق في التمييز بين المحلّي والوطني، يتيح لنا، التوجّه إلى ما هو أكثر حساسية، أي ما يتعلق بالسيادة التي تحتاج إليها كل دولة تريد المحافظة على نفسها، وتكوين هُوية وطنية فعلية. وما حصل في مصر وليبيا والعراق والآن في سوريا، هو أن القوى التي أُتيح لها الوصول إلى الحكم، ظلّت رهينة ما تريده القوى الدولية التي ساعدتها على تحقيق هدفها الأوّلي. وهي بذلك، فقدت الركن الأبرز في بناء الهوية الوطنية.
في سوريا اليوم، يعتقد أحمد الشرع وفريقه، أنه يمكن الاحتيال على الكرة الأرضية باسم التمكين. يتصرّف الرجل وفريقه، على أنه يمكن اللعب على الحبال بين تركيا وقطر والسعودية والإمارات، وبين أميركا وإسرائيل. وكل ما يظهر أنه مهتمّ به، ليس تحصيل استقرار فعلي لسوريا، بل تحصيل عناصر دعم لسلطته، حتى ينقضّ على مكوّنات أخرى من الشعب السوري، باسم مركزية الدولة وحصرية السلاح ووحدة البلاد.
ما يفعله أحمد الشرع، ليس سوى صنف من أصناف التشاطر الذي لا ينفع مع قوى تريد بلع كل شيء. وهذا ما تفعله أميركا وإسرائيل. وعندما تنظر إلى كيفية تعامل دونالد ترامب وبنيامين نتنياهو مع ملفات المنطقة، تفهم أن الاستراتيجية الوحيدة لديهما، هي الإخضاع، أي إنهما يريدان إخضاع الجميع، بالقوة والمال والإعلام وكل وسائل القهر. وهما ليسا في حالة مرونة أو تسامح مع أحد. وما يحصل الآن مع أحمد الشرع، هو أنه ممنوع عليه، أن يقول للأميركيين وللإسرائيليين، بأنه يقبل الخضوع، لكنه يطلب منهم أن يدعوه يختار شكل الخضوع، معتقداً، أن بمقدوره فعل ذلك…
من يعتقد أن مواجهة أميركا وإسرائيل، ترف لا حاجة إليه، وأن هناك إمكانية لبناء دول مستقلة برعايتهما، هو نفسه المجنون الذي ينتهي به الأمر، قاهراً متنقّلاً بين أبناء شعبه منكّلاً بهم، وحاصداً لما تبقّى من إمكانات. ومشكلة أحمد الشرع، لم تبقَ محصورة في خصوم محليين له، بل في كونه صرف، وسريعاً، جزءاً كبيراً من رصيد من كانت لديه الفرصة لبناء دولة!