الرئيسية / سياسة / الحكومة «مكهربة» قبل الثقة.. وبرِّي للمصــارف: لعدم إذلال الناس

الحكومة «مكهربة» قبل الثقة.. وبرِّي للمصــارف: لعدم إذلال الناس

مجلة وفاء wafaamagazine 

لبنان يهوي نزولًا، وسرعة انحداره تتزايد أكثر فأكثر، على مدار الساعة، وبينه وبين الإرتطام بالدِرك السفلي حيث الكارثة الأكبر، مسافة قصيرة يُخشى أنّها باتت تُقاس ببضعة اسابيع. هذه الصورة السوداوية، تلتقي على رسمها مقاربات الخبراء الاقتصاديّين لما بلغته الأزمة الاقتصادية والمالية، وتتقاطع عند ملاحظة بالغة الدلالة، خلاصتها أنّ لبنان متروك لمصيره، يصارع أزمته وحيداً، فلا الخارج الغربي؛ الأوروبي والاميركي، مهتم بمدّه بما يمكن أن يكبح انحداره، ما خلا نصائح له بأن يساعد نفسه، ولا الباب العربي، والخليجي على وجه التحديد، مفتوح على مبادرات إغاثية تساهم في إنعاشه، أو تؤخّر سقوطه ولو موقتاً.

 

في الموازاة، تبقى المشكلة الكبرى، في الداخل اللبناني، الذي أكّدت الأزمة أنّ الطبقة الحاكمة أصبحت عالة على البلد، لا تتقن سوى الثرثرة السياسية فوق أطلال الازمة، متعامية، او متشاركة مع العقل الشيطاني للمصارف، التي تبتدع كل يوم، بالتكافل والتضامن مع من يُفترض أنّه الأمين على مالية الدولة، إجراءً عقابيًّا جديداً ضد المودِعين ورواتب الموظَّفين.

 

تقارير مقلقة

ما يزيد الصورة سواداً، هي التقارير الرَسمية وغير الرسمية التي ترد من الخارج الأوروبي والاميركي بشكل خاص، بمضامين من شأنها ان تزيد من عوامل القلق لدى اللبنانيين، وتتقاطع عند التأكيد بأنّ باب المساعدات للبنان مقفل تماماً، وان ما يشهده لبنان من ضائقة خانقة في هذه المرحلة، هو أخف بكثير مما قد يتهدّده في المرحلة المقبلة، ولاسيما لناحية دخوله في مرحلة الحاجة الملحة الى الاساسيات الحياتية والغذائية والدوائية والاستشفائية.

 

هذه الصورة يفاقمها تعتيم داخلي مريب على حجم الأزمة، وحجبها بتطمينات محلية لا اساس لها، وهو الامر الذي تسلّح به الخارج للتشكيك بصدقية الدولة اللبنانية. إذ انّه في الوقت الذي تبدو فيه حكومة حسان دياب، انّها تحاول السير بين النقاط السياسية والاقتصادية والمالية الداخلية، على طريق نيلها الثقة من مجلس النواب، تلقّى لبنان صفعة في صدقيته المالية، عبر التشكيك الاميركي بها، وفق ما نُقل عن مُساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شينكر، عن انّ الاقتصاد اللبناني في وضع أسوأ مما يظن البعض، «حيث نعتقد أنّ الاحتياطات من العملات الاجنبية أقل بكثير مما تمّ الإبلاغ عنه علناً»، مشيراً الى انّ «الارقام الحقيقية تملكها الادارة الاميركية».

 

المريب حيال هذا الأمر، انّ كلام شينكر، مرّ مرور الكرام في لبنان، فلا الجهات السياسية حرّكت ساكناً، ولا الجهات المالية، وفي مقدّمها مصرف لبنان، قدّمت توضيحاً او نفياً للكلام الاميركي، او اي تأكيد للأرقام اللبنانية المعلنة، ما خلا كلام جديد قديم، قيل في بعض المجالس المغلقة، يؤكّد انّ الاحتياطي اللبناني من العملات الاجنبية الموجود لدى مصرف لبنان ليس سلبياً.

 

النفط مهدّد

واذا كان لبنان، وامام الحائط المسدود الذي بلغه، يعوّل على ثروته البحرية من النفط والغاز، كعامل إنقاذ له من أزمته التي يتخبّط بها، فإنّ الاخبار التي نقلتها شخصيات لبنانية من الولايات المتحدة الاميركية الى بيروت، لا تبشّر بخير في هذا المجال، إذ تُنذر بأنّ هذه الثروة ستبقى بعيدة جداً عن متناول لبنان. الّا اذا وافق على بعض الشروط التي يطرحها الاميركيون في هذا المجال. وربطت مصادر معنية بالملف النفطي عبر «الجمهورية»، هذه الأخبار الأميركية بمسألة ترسيم الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل، والتي يجري التفاوض حولها بينهما عبر الولايات المتحدة الاميركية، والتي تتبنّى بالكامل الموقف الاسرائيلي حول المنطقة البحرية المتنازع عليها بينهما.

 

معركة صعبة

وقال مرجع معني بهذا الملف لـ«الجمهورية»: «لدينا معلومات بأنّ المسؤول الاميركي المعني بملف ترسيم الحدود بين لبنان واسرائيل دايفيد شينكر، سيزور لبنان بعد نيل الحكومة الثقة، ولكن لا شيء رسمياً حتى الآن لناحية موعد الزيارة. وفي اي حال نحن ننتظر وصوله، وما يمكن ان يحمله من جديد على هذا الصعيد، علماً اننا في زيارته الاخيرة كنا حلّينا 90% من التعقيدات التي كانت تعتري هذا الملف، ويبقى التفاوض على الـ10% المتبقية».

 

ورداً على سؤال قال المرجع: «خلافاً لكل ما يُقال، لبنان ليس في موقع الضعيف على حلبة مفاوضات ترسيم الحدود، وهو ثابت على موقفه بأنّه لن يتخلّى عن قطرة ماء من حدوده البحرية، وبالتالي لن يقبل بأي شكل من الاشكال التنازل عن سيادته على حدوده البحرية».

 

وحول ما يُقال انّ لبنان سيُمنع من الاستفادة من ثروته البحرية من النفط والغاز، قال المرجع: «كما انّ لبنان بحاجة الى نفطه وغازه، اسرائيل بحاجة اكثر الى النفط والغاز، وإن مُنع لبنان من نفطه وغازه، فلن يكون منعٌ في مكان واحد، بل انّ هذا المنع سينسحب على الآخرين، بمعنى لا نفط وغاز للبنان، يعني لا نفط ولا غاز لاسرائيل. ولبنان ليس مكبّل اليدين في هذا المجال».

 

وكشف المرجع، «اننا من البداية نشعر بأنّ أمراً ما يُعدّ، وبأنّ هناك حلفاً جديداً يُحَضَّر، او تمّ تحضيره، للهيمنة على نفط وغاز ساحل البحر المتوسط، ومن ضمنه لبنان. وانّ من يرعى هذا الحلف قد يحاول ان يحمل لبنان على التوقيع على ترسيم حدوده البحرية وفق ما يريده هذا الحلف. وتبعاً لذلك، قد يشهد لبنان في المرحلة المقبلة حركة اميركية مكثّفة في اتجاهه. اما لبنان فهو يُدرك انّه امام معركة صعبة، وفي موازاة الضغط الذي قد يتعرّض له، لا يملك سوى التمسّك بموقفه وعدم تنازله عن سيادته، حتى ولو بقي النفط والغاز غارقين في البحر الى أبد الآبدين».

 

ثقة مهشّمة

سياسياً، يُفترض ان تبت الحكومة اليوم ببيانها الوزاري، وتعدّ نفسها لما تبدو انّها جلسة محاكمة لها في مجلس النواب الاسبوع المقبل. وكما تؤشر الاجواء عشية هذه الجلسة، فإنّ الشهيّة النيابية مفتوحة للتناوب على الحكومة بالانتقاد والجَلد. حيث انّ عدد طالبي الكلام من النواب، وقبل تحديد موعد الجلسة رسمياً، تجاوز العشرين نائباً.

 

الصيغة المسرّبة عن البيان الوزاري لحكومة حسان دياب، والتي قامت على مضمون وصف بأنّه مربك وقاصر ودون مستوى الازمة ومخيّب لآمال المشاركين في الحكومة قبل المعارضين لها، تدفع الى الافتراض انّ هذه الحكومة لن تكون في وضع تُحسد عليه في مجلس النواب، برغم انّها ستنال الثقة في نهاية المطاف ربطاً بعدد «المكلّفين» الـ69، الّا انّها ستكون ثقة مهشّمة بالاعتراضات والانتقادات، وبنسبة اقل من 69 صوتاً، تبعاً لمواقف بعض «المكلِّفين»، الذين استُبعدوا عن الجنّة الحكومية، وصدمتهم الطريقة التي تشكّلت فيها الحكومة، وبالتالي قرّروا حجب الثقة، إما بالتصويت المباشر ضد الحكومة واما بالامتناع عن التصويت، واما بالغياب لحظة التصويت.

 

ومع إقرار البيان الوزاري في جلسة مجلس الوزراء المقرّرة صباح اليوم في القصر الجمهوري، سيأخذ هذا البيان مساره نحو المجلس النيابي، الذي سيتناوله في جلسة مناقشة عامة محدّد موعدها مبدئياً ابتداء من يوم الثلثاء المقبل، بجولات نهارية ومسائية. الّا اذا تعثّر مجلس الوزراء في إقرار البيان الوزاري في جلسة اليوم، وفرضت الثغرات الموجودة في البيان الوزاري، وما زالت محل خلاف جدّي ضمن فريق اللون الواحد الذي شكّل الحكومة، عقد جلسة ثانية، ما يعني إجراء تعديل في موعد الجلسة النيابية العامة وتأخيره الى الاربعاء، وربما الخميس.

 

حذر

واللافت في هذا السياق، هو انّ كل المعنيين بجلسة المناقشة العامة للبيان الوزاري، يقاربونها بحذر شديد، ولاسيما من الزاوية الامنية والاجراءات المشددة التي يُفترض ان تواكبها من قِبل الجيش وسائر القوى الامنية، ولاسيما لجهة الامساك الكامل بمنطقة وسط بيروت وصولًا حتى ساحة النجمة، وبالتالي تمكين النواب من الوصول الى المجلس. ومرد هذا الحذر هي الاشارات التي وردت الى الجهات المجلسية والامنية عن تحضيرات لمكونات الحراك لمواكبة جلسة المناقشة بتصعيد وصف بالنوعي وغير المسبوق.

 

على انّ الشاغل الاساس للمعنيين بجلسة مناقشة البيان الوزاري والتصويت على الثقة، يبقى كيفية حماية الجلسة من داخلها، ومن هنا يأتي القرار المتشدد من قبل رئيس المجلس النيابي نبيه بري، بضبط وقائعها ومداخلات النواب، ضمن عنوان الدعوة الى الجلسة اي «مناقشة البيان الوزاري» يعبّر فيها النائب عمّا يريد تحت هذا السقف، وبالتالي كبح اي محاولة من بعض النواب، وتحديداً من قِبل المعارضة، لاستغلال فرصة النقل المباشر لوقائع الجلسة، والقيام باستعراضات استفزازية، لا تحاكي ثغرات البيان الوزاري، بقدر ما تحاكي المحتجين في الشارع، وتقدّم اوراق اعتماد لديهم وتستثمر مطالبهم.

 

بري: أوقفوا الإذلال

في هذا الوقت، قال الرئيس بري، انّ «جلسة مناقشة البيان الوزاري والتصويت على الثقة بالحكومة، قد تُعقد ابتداء من الثلثاء المقبل، في حال تمّت إحالة البيان الوزاري الى المجلس النيابي كحد أقصى صباح غد الجمعة».

 

وعكس بري عدم رضاه على مضمون البيان الوزاري وقال: «انّ ما نُسب في البيان الوزاري لجهة مقاربة موضوع الكهرباء كما كان في السابق، يدعو الى الاستغراب»، متسائلاً: «لماذا لا تتمّ معالجة هذا الملف على غرار معالجته في زحلة»؟

 

واذ كشف بري انّ «اصحاب خمسة مصارف حوّلوا أموالهم الشخصية الى الخارج وتقدّر بمليارين و300 مليون دولار»، دعت كتلة التنمية والتحرير التي انعقدت برئاسته امس، «الحكومة الى الاسراع فوراً وقبل اي شيء آخر الى العمل من اجل ايجاد الحلول السريعة لوقف إذلال الناس وتحويل المودعين ورواتب الموظفين والعمال وسائر المكلّفين اللبنانيين الى متسولين امام المصارف والصرافين، سعياً لتحصيل حقوقهم المكتسبة، وعلى المصارف واصحابها تحمّل المسؤولية القانونية المترتبة جراء تعريض ارزاقهم واموالهم للخطر».

 

دياب

الى ذلك، لوحظ تزايد الدعوات من قِبل خبراء اقتصاديين في الساعات الاخيرة، الى عدم التسرّع في اتخاذ اي قرار غير مدروس حيال مسألة سداد لبنان لسندات «اليوروبوند». ودعت الى التريث في دفعها والاتفاق مع الدائنين على تأخير سدادها، اسوة بالكثير من الدول الخارجية التي اقدمت على ذلك، على اعتبار انّه قد تترتب أثار شديدة السلبية على لبنان إن تمّ دفع مبالغ بمليارات الدولارات في هذا الظرف المالي البالغ السوء.

 

واستغرب الخبراء قول رئيس الحكومة بأنّه لن يسمح ان يُسجل في عهده ان لبنان تخلف عن تسديد السندات في مواعيدها، معتبرين انّ المسألة ليست شخصية، بل تتعلق بمصلحة بلد، الذي يُفترض ان تتمّ مراعاتها في هذه المرحلة اكثر من اي وقت مضى.

 

وفي السياق ذاته، وفيما يلتقي رئيس الحكومة حسان دياب في السراي الحكومي اليوم سفراء الاتحاد الاوروبي، عكست اجواء السراي الحكومي اصرار رئيس الحكومة على موقفه لجهة تسديد السندات، على اعتبار انّ هذا الأمر يقدّم اشارة ايجابية عن لبنان ومصداقيته في التعامل مع مسائل من هذا النوع.

 

وقلّلت اجواء السراي من حجم التباين على البيان الوزاري، مشيرة الى ان لا مشكلة معقّدة وكل الامور قابلة للحلحلة، الّا انّها اقرّت بوجود اراء مختلفة حول موضوع الكهرباء.

 

يُشار هنا الى انّ خطة الكهرباء كما لحظت في البيان الوزاري، محاطة بإصرار التيار الوطني الحر عليها ومن خلفه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، فيما هي في المقابل محل اعتراض شديد عليها، وخصوصاً في الشق المتعلق باستجرار الطاقة من البواخر، من قِبل رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي قال انّه يفضّل العتم على العودة الى البواخر، ويتناغم معه «حزب الله»، وكذلك الحزب التقدمي الاشتراكي والقوات اللبنانية وتيار المردة وحزب الكتائب، اضافة الى نواب المعارضة، ما يجعل منها ان اعتُمدت بالصيغة ذاتها كما وردت في «تسريبة» البيان الوزاري، فتيل تفجير في وجه الحكومة، ومادة تحفيز اضافية للحراك لمزيد من التصعيد حيال ما يعكسه الاصرار على خطة الكهرباء المشكو منها، من اصرار على ابقاء النهج السابق كما هو عليه قبل انطلاق الحراك الشعبي في 17 تشرين الاول الماضي.

 

«الكتائب»

وفيما اثنى مجلس المطارنة الموارنة على «ما رشح عن البيان الوزاري من استعدادات الحكومة لالتزام مطالب اللبنانيين» ، داعياً الى « وضع تنفيذ البنود الإصلاحية في أولوياتها، ولاسيما منها ما يتعلّق بالسياسة المالية واستقلالية القضاء»، قال مصدر كتائبي مسؤول «انّ المرحلة بما تحمله من أزمات ومخاطر ليست مرحلة اختبارات وانما مرحلة وضوح في الرؤى والبرامج الانقاذية. وعليه فإنّ موقف الكتائب من الحكومة واضح منذ تشكيلها على أسس المحاصصة وتقاسم القوى السياسية الوزارات عبر وجوه مستعارة، كما لناحية عدم ملاءمتها للمرحلة ومتطلباتها، ولاسيما بعدما تبنت موازنة وضعتها حكومة اسقطتها الثورة، كما تبنّت برنامجاً اقتصادياً لم يعد صالحاً بمعظمه لمعالجة ما وصلت اليه الازمات المالية والاقتصادية والاجتماعية.

 

وعن الطريقة التي سيتعاطى من خلالها الحزب مع جلسة الثقة قال المصدر الكتائبي: «انّ الحزب على تواصل مع أوسع شريحة من شرائح الثورة، وموقفه سيكون تعبيراً عن التقاطع القائم بين قناعاته وبين إرادة هذه الشرائح وتطلعاتها وتحركاتها».

 

الجمهورية 

 

عن WB