مجلة وفاء wafaamagazine
ما معنى أن يبارك مسؤولان إسرائيليان سابقان، احتلّا مناصب حسّاسة في مؤسسات الكيان السياسية والأمنية، كمجلس الأمن القومي مثلاً، لمواطن لبناني تولّيه إدارة مركز دراسات في الجامعة الأميركية في بيروت؟ الأنكى هو أن المواطن المذكور، وهو جوزيف باحوط الذي عُين أخيراً مديراً لمركز عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية في «الأميركية»، ردّ التحية بأجمل منها، شاكراً «زملاءه» على تهانيهم الودية.
كانت «الأخبار» قد أشارت، في عددها بتاريخ 30 أيار الماضي، إلى ما يعنيه هذا التعيين على المستوى السياسي نظراً إلى المواقف التي تبنّاها باحوط منذ عام 2012 حيال المواجهة الدائرة في سوريا، وتحوله المفاجئ إلى داعية للتدخل الدولي، أي الغربي والأميركي، لإسقاط نظامها وهزيمة حلفائها.
لكنّ هذا التطور يُضفي بعداً جديداً، قد يسمح بتفسير أوضح لـ«تحولات»، باحوط ولمغزى تعيينه على رأس المركز المشار إليه. أول المحتفين بالتعيين هو إيران أتزيون، الدبلوماسي الإسرائيلي السابق، والذي رأس التخطيط السياسي في وزارة الخارجية الإسرائيلية وكان نائباً لرئيس مجلس الأمن القومي في مكتب رئيس الوزراء الصهيوني. بين عامَي 2014 و2015، أصبح أتزيون باحثاً زائراً في مؤسسة ليونارد دايفيس للعلاقات الدولية ومعهد ترومان لتعزيز السلم، في الجامعة العبرية في القدس المحتلة. وقد زادت في تلك الفترة زياراته للولايات المتحدة التي بات جوزيف باحوط زائراً دائماً لها، بدءاً من عام 2014، بعد انضمامه إلى برنامج الشرق الأوسط في «وقفية كارنيغي للسلام الدولي»، ومشاركته في مؤتمرات وندوات مغلقة وورش عمل مخصّصة لبحث التطورات في سوريا والمنطقة. وعلى الأغلب، فإن العلاقة قد نشأت بين الرجلين في هذه الفترة التي لم يتردّد خلالها باحوط من المساهمة في ندوات نظّمها اللوبي الإسرائيلي عبر منظماته، كـ«متحدون ضد إيران نووية»، في الكونغرس، والتي لفتت إليها «الأخبار».
المهنّئة الثانية هي ميكي أهارونسون، المديرة الرئيسية السابقة للسياسة الخارجية في مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، والباحثة الحالية في معهد القدس للاستراتيجية والأمن. ما يثير الانتباه هو أن «التبريكات» الإسرائيلية تمّت علناً، على موقع «تويتر»، وأن المعنيّ استفاض شكراً عليها.
كان المطبّعون العرب في السابق، وخصوصاً اللبنانيين منهم، يحرصون على إخفاء مثل هذه الصلات حتى مع إسرائيليين لا يحتلون مواقع مهمّة، فكيف بمسؤولين سياسيين – أمنيين؟ من يجهر اليوم بمثل هذه الصلات من العرب «مأمور» من أنظمته، أو على الأقل مدرك لانسجام ما يفعله مع سياستها العامة.
ما يقوم به باحوط يتعارض والسياسة العامة للدولة اللبنانية التي لا تزال تعارض رسمياً أيّ اتصالات أو تطبيع مع العدو الصهيوني. من الذي «يأمر» باحوط؟ ما معنى اختياره من قبل معهد عصام فارس بعد انكشاف هذه المعطيات؟ التعامل مع مسؤولين سياسيين – أمنيين صهاينة هو تخابر مع العدو لا أقلّ!