مجلة وفاء wafaamagazine
يستكمل الرئيس حسان دياب فتح الأبواب أمام خيارات في الشرق، لمواجهة الحصار الأميركي المفروض على لبنان. فبعد الصين، عقد دياب لقاءً مع وفد وزاري عراقي لمناقشة سبل التعاون بين بيروت وبغداد، حيث جرى طرح العديد من الأفكار التي ستكون آلية تنفيذها بمثابة اختبار جدي للحكومة
ما مدى جدّية اندفاعة الرئيس حسان دياب إلى خيارات الشرق؟ سؤال فرض نفسه غداة المحادثات التي بدأها دياب مع السفير الصيني وانغ كيجيان، بحضور عدد من الوزراء أول من أمس، واستكملها باجتماعات مع الوفد الوزاري العراقي الذي وصل إلى بيروت، وتحدث عن تسهيلات ستكون في متناول لبنان لمساعدته في الخروج من أزمته، ولو جزئياً. وفيما كانت أصداء المواقف المتشدّدة التي أطلقها دياب أخيراً ضد «أدوات خارجية تعمل لإدخال لبنان في صراعات المنطقة»، وحديثه عن «تعطيل إجراءات الحكومة لمعالجة ارتفاع سعر الدولار الذي باتت لعبته مكشوفة ومفضوحة»، كانت محطّ قراءة لما انطوت عليه من إشارات عن استعداد حكومته لفتح بابٍ ظلّ مقفلاً، ووقف استرهان لبنان للمواجهة التي تريدها الولايات المتحدة الأميركية مفتوحة ضد المقاومة، تبيّن أن اللقاءات والاتصالات السياسية التي طوَت طلائع سحب البساط السياسي من تحت أقدام الحكومة أعادت لها بعضاً من حيويتها.
فبعد استجابة الحكومة العراقية لدعوة لبنان الى التعاون الثنائي، استقبل دياب أمس وفداً عراقياً رفيع المستوى، ضمّ كلاً من: وزير النفط إحسان عبد الجبار اسماعيل، الزراعة محمد كريم جاسم، النائب السابق حسن العلوي، مرافق وزير النفط سيف طلال عمران التميمي، مرافق وزير الزراعة ضرغام محمد كريم، عن مكتب رئيس الوزراء العراقي عمار صباح مصطفى، القائم بأعمال السفارة العراقية في لبنان أمين النصراوي والمستشار السياسي في السفارة أحمد جمال. وحضر الاجتماع كل من: وزير الصناعة عماد حب الله، الزراعة عباس مرتضى، الطاقة والمياه ريمون غجر، المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، مستشار رئيس الحكومة خضر طالب ومدير مكتب دياب القاضي خالد عكاري.
وكانت أولوية النقاش، بحسب مصادر الاجتماع، البحث في ملف النفط والمواد الزراعية. وقالت المصادر إن من أبرز النقاط التي تحدث عنها الوفد العراقي هو «التحضير لمشروع قانون يعفي لبنان من دفع رسوم جمركية على المواد الزراعية والصناعية والغذائية التي يُمكن أن يستوردها العراق من لبنان». كما تحدث الوفد عن «مشاريع قوانين للتحفيز على الاستثمار الزراعي والصناعي داخل العراق، بحيث يُمنح للمواطنين اللبنانيين الراغبين في الاستثمار تحفيزات مثل تقديم أراضٍ بمساحات كبيرة لإقامة مزارع للدواجن والأبقار أو مصانع إنتاج من دون دفع ضرائب». أما في موضوع النفط، فحكي عن «أنواع المشتقات التي يُمكن للعراق أن يرسلها الى لبنان، ومنها الفيول، وإمكانية تخفيض الأسعار إلى النصف أو تأجيل مدة الدفع أقله الى ما بعد عام، بالإضافة الى أفكار أخرى سيكشف عنها تباعاً».
وبعد لقاء رئيس الحكومة، زار الوفد العراقي رئيس مجلس النواب نبيه بري، بحضور الوزيرين حب الله وعباس مرتضى وعضو هيئة الرئاسة في «حركة أمل» قبلان قبلان. ووصفت مصادر مطلعة أجواء اللقاءات بأنها «ايجابية جدّاً وأن الوفد العراقي أبدى استعداداً كبيراً للتعاون، وهناك الكثير من الأفكار التي يمكن تنفيذها وتساعد في تخفيف الضغط عن لبنان، لكنها تحتاج إلى آليات لترجمتها وقد تأخذ وقتاً». واعتبرت المصادر أن «المهم هو أن تكون الحكومة جدية في انفتاحها وأن لا يُصار إلى عرقلة هذه الاندفاعة من داخلها، وهنا سيكون الاختبار الحقيقي»، معتبرة أن «الأهم أيضاً هو القبول أيضاً بالعون الذي تقدّمه إيران».
وقد أثارت زيارة الوفد العراقي للبنان حفيظة بعض المحسوبين على حراك العراق، فشنوا هجوماً على الرئيس مصطفى الكاظمي وحكومته. وكان الأخير قد استقبل السفير اللبناني في بغداد علي أديب الحبحاب في أيار الماضي، وتسلّم منه رسالة خطية تتضمن تهنئة واستعداداً للتعاون، وقد أثيرت في اللقاء عدة مسائل، منها الاستفادة من اتفاقية منطقة التجارة الحرة لعام 2002، والتعاون النفطي على خط طرابلس – كركوك وتسهيل دخول المنتجات الزراعية ومشاركة شركات الهندسة والمقاولات اللبنانية في إعادة الإعمار وحلّ مستحقات الشركات على الحكومة. كما طرح موضوع مذكرة التفاهم الصحي والاستفادة منها وخفض كلفة الاستشفاء والحركة السياحية والتعاون الأكاديمي.
الوفد العراقي تحدّث عن مشاريع قوانين للتحفيز على الاستثمار الزراعي والصناعي داخل العراق
من جهة أخرى، وبعد البلبلة التي أثيرت حول مصير الحكومة وعودة الرئيس سعد الحريري، أشار رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل في تصريح له عبر مواقع التواصل الاجتماعي إلى أننا «انتهينا من التسوية، يكفي كم دفعنا ثمنها، وأهم شيء اليوم أن تنفّذ الحكومة الإصلاحات، والمجلس النيابي يقرّها، وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة يضبط الدولار».
وكان هذا الكلام هو فحوى اللقاء الذي جمعه بالرئيس برّي، أول من أمس، بالإضافة إلى الاتفاق على السير في التدقيق المالي المحاسبي والجنائي، ولكن عبر شركة غير «كرول» المعروفة بارتباطها بأكثر من جهاز مخابرات في الشرق الأوسط، ومنه جهاز «الموساد». وقد أتى هذا الاتفاق بعد خلاف كبير بين التيار الوطني الحر وحركة أمل حول هذا الأمر بسبب إصرار رئيس الجمهورية العماد ميشال عون على تنفيذ قرار مجلس الوزراء القاضي بإجراء عملية تدقيق محاسبية مركّزة Forensic audit في مصرف لبنان لتبيان الأسباب الفعلية التي آلت بالوضعين المالي والنقدي الى الحالة الراهنة، وتمسكه بشركة «كرول» التي رفضتها حركة أمل وحزب الله،
فيما اتهم التيار الرئيس بري بأنه يرفض مبدأ التحقيق الجنائي ويتذرّع بالشبهة التي تحيط بالشركة، إلا أن موقف الحزب الرافض أيضاً دفع في اتجاه سحب اسم الشركة من التداول، بانتظار أن يكشف هذا الاتفاق صدق نيات الأطراف السياسية. وفي هذا الإطار، علمت «الأخبار» بوجود اسمَي شركتين في جعبة الرئيس دياب يُمكن الاستعانة بهما في هذا المجال، لكنه لم يعلن عنهما بعد.
تراجع سعر الدولار في السوق السوداء
على صعيد آخر، سجّل سعر الدولار في السوق السوداء أمس انخفاضاً طفيفاً، بعد أسابيع من الارتفاع المتواصل. ولم تتّضح أسباب التراجع المفاجئ. وبحسب مصادر معنية، ثمة ثلاثة تفسيرات لما جرى:
1- إما أن السوق تصحّح نفسها بنفسها، لأن الارتفاع في السعر مبالغ به بصورة كبيرة. وهذا «التصحيح» يعني إمكان أن يتبعه ارتفاع مجدداً.
2- أن يكون الصرافون قد اعتبروا إعلان حاكم المصرف المركزي رياض سلامة عن بدء تأمين دولارات الاستيراد عبر المصارف خطوة في إطار إجراءات لخفض سعر الدولار في السوق السوداء، فقرروا خفض السعر خشية خسارة ما لديهم مستقبلاً.
3- أن يكون خفض السعر في إطار المضاربة، ولتشجيع من يملك الدولارات على بيعها، من أجل إعادة رفع السعر في الأيام المقبلة وتحقيق أرباح إضافية.
الأحبار