مجلة وفاء wafaamagazine
أيهم مرعي
تعمل الحكومة السورية على توسيع رقعة المساحات المزروعة بالقمح، لضمان استمرارية إنتاج «رغيف الخبز»، عماد الغذاء اليومي للسوريين الذين يعانون حصاراً غربياً وأميركياً مشدّداً. يأتي ذلك في وقت تتوقّع فيه «الفاو» نقصاً حادّاً في هذه المادة، من جرّاء استمرار «الإدارة الذاتية» الكردية في منع وصول القمح إلى الحكومة، وهو ما ينفيه مسؤولو الإدارة
الحسكة | حملت تقارير «منظمة الأغذية والزراعة العالمية»، التابعة للأمم المتحدة، عن صعوبات ستواجهها سوريا في تأمين رغيف الخبز خلال الأشهر المقبلة نظراً للنقص الكبير في مخزون القمح في البلاد ، إنذاراً بخطر حقيقي على حياة السكان، وولّدت مخاوف من إمكانية تفشّي المجاعة بعد دخول قانون «قيصر» الأميركي حيّز التنفيذ. وجاءت تلك التحذيرات على لسان ممثل «الفاو» في سوريا، مايك روبسون، الذي نبّه في حديث إلى وكالة «رويترز» قبل أيام، إلى أن «الشهور التي تسبق محصول القمح لعام 2021 ستشهد نقصاً حادّاً في القمح إذا بقيت العملة تحت الضغوط، ما سيصعّب الحصول على الواردات»، مؤكداً أن «ثمّة أدلة بالفعل على أن الناس بدأت تستغني عن وجبات».
تصريحات روبسون، مترافقة مع سيل من التقارير الإعلامية التي صبّت في الاتجاه نفسه، شرّعت الباب أمام تساؤلات مصيرية تتعلّق بأساسيات الغذاء اليومي للسوريين. تساؤلاتٌ ضاعف وقعها غياب أيّ مؤشّرات – حتى الآن – إلى نجاح الحكومة السورية في إجراء تعاقدات خارجية لتغطية النقص الحاصل في الإنتاج الوطني من القمح. لكن ذلك لا يمنع وزير الزراعة السوري، أحمد القادري، من وصف تحذيرات «الفاو» وغيرها بأنها «ليست جديدة»، وإدراجها في إطار «سعي المنظمة الدولية لتأمين تمويل مالي لعملها في سوريا». ويطمئن القادري، في حديث إلى «الأخبار»، إلى أن «موسم التسويق هذا العام لا يزال مستمراً، ولن تعاني البلاد من مشاكل في تأمين القمح، في ظلّ استمرار إنتاجه محلياً». بدوره، يرفض مدير عام «المؤسسة العامة السورية للحبوب»، يوسف قاسم، المعلومات المنسوبة إلى «منظمة الأغذية والزراعة»، مؤكداً أن «الخبز متوفر في البلاد، ولا توجد أيّ مشكلة حالية أو مستقبلية في تأمينه للسكان في المحافظات كافة». ويختصر ردّه على التقرير الدولي بالقول إن «رغيف الخبز السوري في أمان»، رافضاً الإدلاء بأيّ معلومات عن الكميات التي استطاعت المؤسسة تخزينها هذا العام، وحجم المخزون الكلّي المتوفر لديها.
وكانت «الفاو» قدّرت أن «سوريا أنتجت هذا العام ما بين 2.1 و2.4 مليون طن»، وهو رقم مخالف للتوقعات الحكومية، إذ يبيّن وزير الزراعة أن إحصاءات الحكومة، التي يصفها بأنها «حقيقية، ومستندة إلى إحصاء دقيق وأكاديمي للمكتب المركزي للإحصاء»، تؤكد «إنتاج 2840000 (2.8) طن من القمح على المستوى الوطني للبلاد». وانخفض إنتاج سوريا من القمح، خلال سنوات الحرب، إلى مستويات قياسية، وصلت إلى 300 ألف فقط في العام 2017، بعد أن كانت البلاد تنتج نحو 4 ملايين طن سنوياً. ونجحت الحكومة السورية، بعد استعادتها مساحات واسعة من البلاد، في رفع الإنتاج العام إلى أكثر من 3.1 ملايين طن في العام 2019، و2.8 مليون في العام الحالي، بحسب الأرقام الرسمية.
يؤكد وزير الزراعة لـ«الأخبار» أن موسم التسويق هذا العام لا يزال مستمرّاً
لكن الحكومة واجهت هذا الموسم صعوبات في الحصول على محاصيل القمح من محافظات الحسكة ودير الزور والرقة، وخصوصاً المناطق الواقعة تحت سيطرة «قوات سوريا الديموقراطية»، والتي عادةً ما تخرج أكثر من ثلثي إنتاج البلاد، في ظلّ منع «الإدارة الذاتية» الكردية، لأوّل مرّة، الفلاحين من بيع محصولهم للمراكز الحكومية، وسعيها – في الوقت نفسه – إلى منافسة الحكومة في تقديم أسعار مغرية للمزارعين، من خلال تحديد سعر الكيلوغرام الواحد من القمح بـ17 سنتاً أميركياً، وهو ما يزيد عن السعر الحكومي (400 ل.س). وعلى رغم منع «الذاتية» مزارعي الحسكة من إيصال إنتاجهم إلى المراكز الحكومية، إلا أن الكثيرين منهم نجحوا في تجاوز حواجز «قسد»، والوصول إلى تلك المراكز في ريف القامشلي. على باب مركز تسلم الثروة الحيوانية الحكومي في القامشلي، ينتظر أبو محمد دوره لتسليم إنتاجه، بعد أن قطعت الشاحنة التي تقلّه طرقاً ترابية وملتوية، لتنجح أخيراً في الوصول إلى المركز. يؤكد الرجل الذي تحدث إلى «الأخبار» أن «الكثيرين من الفلاحين يريدون تسويق قمحهم في المراكز الحكومية للمساعدة في توفير مخزون يضمن استمرار إنتاج الخبز في البلاد»، مستدركاً بأن «مضايقات كبيرة يتعرّض لها المزارعون الراغبون في بيع إنتاجهم للحكومة».
في المقابل، يفيد رئيس «هيئة الزراعة» في «الإدارة الذاتية»، سلمان بارودو، في تصريح إلى «الأخبار»، بأن «الإدارة تسلمت في مراكزها أكثر من 400 ألف طن من إنتاج الفلاحين في مناطق سيطرتها، ومستمرّة في استقبال الإنتاج». ويكشف بارودو عن «وجود مفاوضات مع الحكومة السورية لإيجاد آلية لإمداد باقي المحافظات السورية بالكمّيات التي تفيض عن حاجة مناطقنا من القمح»، قائلاً إن «الإدارة الذاتية لا تمانع مطلقاً إيصال القمح إلى الحكومة السورية». لكن بارودو نفسه كان قد حذّر قبل أيام في تصريح إلى «رويترز» من «أيّ محاولة لتهريب المحصول خارج المنطقة». ويُتوقع أن تسمح «الإدارة الذاتية»، خلال الأيام المقبلة، لعدد من التجار المحليين بشراء القمح من مراكزها، ونقله إلى مناطق سيطرة الحكومة، بعد تحقيق هامش ربح اقتصادي لها.
تدرك الحكومة السورية أن الحلّ الأمثل لمواجهة العقوبات الأميركية الجديدة هو في دعم قطاع الزراعة، والاعتماد عليه لتوفير حاجة البلاد من مختلف المواد الغذائية محلياً. وأطلقت الحكومة، منذ قرابة شهر، مشروعاً لمواجهة قانون «قيصر»، حَمَل شعار «الزراعة هي الحل». ويقوم المشروع على توفير دعم حكومي لقطاع الزراعة والمزارعين لتحفيزهم على زيادة إنتاجهم، وتوفير احتياجات البلاد. وفي هذا الإطار، يؤكد وزير الزراعة أن «الحكومة تعمل على إدخال مساحات زراعية جديدة في الخدمة، في أرياف الرقة وحلب ودير الزور الخاضعة لسيطرة الجيش السوري، بعد تأهيل شبكات الريّ في تلك المناطق». ويلفت القادري إلى أن «القطاع الشرقي لحلب سيدخل في خطة إنتاج القمح هذا العام، مع 11 ألف هكتار جديدة في دير الزور، من خلال إعادة تأهيل شبكات الريّ للقطاع الخامس والسابع على حوض الفرات». ويرى أن «هذه المساحات ستسهم في زيادة المساحات المزروعة، وزيادة إنتاج القمح وباقي المحاصيل الزراعية بشكل وافر في الموسم القادم».
الاخبار