مجلة وفاء wafaamagazine
سمر نادر
الكرملين حسمَها! ولن يبقى الا جيوش الروم الإلكترونية “المؤمنة” تطالب بعودة آيا صوفيا الى حضن الكنيسة البيزنطية. الكل توقّع ان تزحف روسيا بجيوشها لتحرير الكنيسة من القرار التركي، لكن رياح ثورة البيزنطيين المعاصرين، هدأت عند قرار الحكومة الروسيّة التي أعلنت أن تحويل آيا صوفيا التاريخية الى مسجد للصلاة، هو شأن تركي داخلي، أضف الى ذلك شأن اتصال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بنظيره التركي رجب طيب أردوغان، الذي حصل في الأساس لبحث شؤون ليبيا الملتهبة، وعلى هامش الحوار، لفت بوتين نظر زميله بوجود غضب شعبي في روسيا جراء هذا القرار، فما كان من النظير الا ان طمأنه بحماية مقدّسات الكنيسة والسماح لكل زائر بالصلاة من أي دين كان.
حتماً لن تدخل روسيا في حرب مع دولة اقليمية من أجل كنيسة ولو كانت آيا صوفيا، التي هي رمز من رموز المسيحيّة الأرثوذكسيّة. فالمنطقة ملتهبة بالفعل ولا تحتمل المزيد من النزاعات، من ليبيا الى سوريا، فالعراق المعذّب، الى لبنان “الطفران”، فالمسألة تستدعي الحكمة والرويّة وخاصة من جانب الدول العظمى. يستغرب كثيرون كيف ان الأونيسكو لم تتحرك في هذه المسألة بأكثر من بيان رسمي لطيف اللهجة “يشدد على أن آيا صوفيا تمثل جزءاً من مدينة اسطنبول التاريخية، وهي مدرجة في قائمة الأونيسكو للتراث العالمي كمتحف، وهي تحفة معمارية وشاهد فريد على التفاعل ما بين أوروبا وآسيا على مر القرون”. ان المسألة تتطلب أكثر من نص بياني يدعم بيان الإتحاد الأوروبي الذي أصدر مثيلاً يعارض فيه هذا القرار .
“نأسف لتفكير البعض بأن القرار التركي يصبّ في الإطار الديني، ومن كنيسة الى جامع، في حين ان المسألة هي أكبر بكثير”، حسب ما جاء على لسان المراقبين في الأمم المتحدة، الذين أكدوا ان القرار التركي يأتي اليوم مدفوعاً من الناتو الأوروبي لتبرير قرار اليهود بتهويد القدس، ان هذا القرار سيمرّ كما مرّ تهويد المسجد الأقصى والمسجد الإبراهيمي. وقال معلّق أممي: “ان تحويل آيا صوفيا سيعتبره اليهود سابقة وحجّة في سعيهم لبناء هيكلهم على أنقاض الأقصى”.
في الوقت الذي لم نتمكن من معرفة موقف سفير المملكة العربية السعودية من الموضوع بسبب عدم صدور بيان رسمي من الرياض، أجابت بعثة الفاتيكان لدى الأمم المتحدة، بأن قداسة البابا فرنسيس عبّر خلال عظته الأسبوعية في ساحة القديس بطرس عن ألمه قائلاً: “فكري مشغول بإسطنبول. أفكر في القديسة صوفيا والألم يعتصرني”. وأتى تصريح الحَبر الأعظم بعد موقف المجلس العالمي للكنائس، الذي يمثل 350 كنيسة، ووجّه رسالة إلى أردوغان يعبّر فيها عن الحزن والاستياء، محذّراً من ان هذا القرار ينذر بتشجيع طموحات مجموعات أخرى، خارج تركيا، تسعى إلى تغيير الأمر الواقع وإحياء الانقسامات بين المجتمعات الدينيّة.
بغضب كبير، هاجم سفير قبرص لدى الأمم المتحدة أندرياس مافرويانيس القرار التركي، فاتهمه (القرار) “بإهانة الحضارة الإنسانية والتراث الثقافي العالمي. قائلاً بأنه مثال آخر على عدم احترام تركيا التام للتاريخ. ما يحصل اليوم هو استحضار لأفعال تركيا السابقة التي قضت على التراث الثقافي والديني القديم لآلاف السنين في الجزء الذي تحتله من قبرص”.
وأضاف: ينتهك هذا التحويل ليس فقط المبادئ الأساسية للقانون الدولي، والمعايير الأخلاقية والمعنوية التي يجب أن تحكم العلاقات الدولية، ولكن أيضًا الأحكام المحدّدة لاتّفاقيّة الأونيسكو بشأن حماية التراث الثقافي والطبيعي العالمي لعام 1972 التي تعد تركيا أحد أعضائها، وكذلك الصكوك الدولية الأخرى ذات الصلة.
ورداً على سؤال حول امكانية تشكيل لوبي في الأمم المتحدة في إطار مواجهة القرار التركي، قال السفير مافرويانيس: نحتاج بالفعل إلى العمل معاً، كدول ومنظمات ومجتمع مدني ومؤسسات دينية وثقافية من جميع الأديان ومن جميع التقاليد، نأسف لإستخدام الدين والثقافة في السعي لتحقيق أجندات سياسية غير قانونية. وختم مهاجماً تركيا أنّها “تشكل تهديدًا متزايدًا للسلام والاستقرار في شرق البحر الأبيض المتوسط، وتعرّض القيم الأساسية للتعايش والتعاون السلميين للخطر ، والتسوية السلمية للنزاعات والعمل معًا من أجل الصالح العام.
وفي أوّل تعليق رسمي من حكومة دولة عربية، قالت وزيرة الثقافة والشباب في الإمارات نورة بنت محمد الكعبي، إن التراث الثقافي يمثل إرثاً بشرياً يجب المحافظة عليه وعدم استغلاله وتغيير واقعه عبر إدخال تعديلات تمسّ جوهره الإنساني. وتابعت الكعبي في بيان أصدرته إن تغيير وضع “آيا صوفيا” في إسطنبول لم يراعِ القيمة الإنسانية لهذا المعلم التاريخي.
وفي ظلّ غياب تام لمواقف منظمات حوار الحضارات والأديان، وأهمها تحالف الحضارات والأديان التابع للأمم المتحدة، الذي يحتفل هذا الشهر بعيده الخامس عشر، الى جانب إخوانه في كل من إسبانيا وإيران وتركيا والبحرين وإيطاليا والكثير من الدول التي تتباهى بثوب الحضارات وحلّ مشاكل النزاعات الدينية… تُدفن آيا صوفيا في مهدها اليوم عام 2020، كي يسجّل الزمن نكبة جديدة في تاريخ الحضارات القديم، امام أعيُن جيوش منظمات حوار الحضارات والأديان التي تُصرَف عليها الملايين، كما امام منظمة الأونيسكو، وامام مصالح الدول العظمى التي لا تعرف في هذا القرار الحضاري الجائر سوى ان تقول: كلمات
النشرة