مجلة وفاء wafaamagazine
ألقى المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان رسالة الجمعة لهذا الأسبوع، اعتبر فيها أن “في معركة الحق ومشروع ضمانة الإنسان ومنع استعباده لا بد من دفع أثمان باهظة ومرة لتمكين الحق وحماية سلطته وإنقاذها من الأيدي الفاسدة والإقطاع السياسي، وهو ما قدمه وظهره الإمام الحسين بطريقة وكيفية ما زالت إلى يومنا هذا تشكل معقل القيم الإنسانية ومعلم كرامتها. ومعه تحولت دولة الظلمة إلى أطلال كما قال الله تعالى: (فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا إن في ذلك لاية لقوم يعلمون) لأن القضية قضية حق لا قضية سلطة، ومشروع إنسان وحقوق إنسان وكرامة إنسان، لا بل قضية ثوابت إلهية أراد من خلالها سبحانه وتعالى للإنسان أن يكون خليفته في أرضه وفق مبدأ السلطة الحقة والقيم الحقة والأخلاقيات النظيفة في دنيا الإنسان. لذلك أراد سبحانه وتعالى للصلاة أن تعمد الإنسان في قلبه، وتجرده من أنانيته، وتغير مفاهيم حياته بعد تحريره من الأنا والوحشية الفردية في حياته الخاصة والعامة، كي يكون ركنا أساسيا في معنى الخير العام بما في ذلك مفهوم السلطة وشروطها وضماناتها وأساليب حمايتها لمصالح الناس”.
ولتأكيد حقوق الفرد والمجتمع وواجبات السلطة في إدارة الشأن العام، أكد المفتي قبلان:”أن الإسلام شدد “على منع الاستنسابية، وعلى ضرورة إعلان الحقوق الفردية والعامة، وتثبيت قواعد العدل، وهو أكبر إعلانات الإمام الحسين بثورته الإصلاحية في وجه السلطان الفاسد يزيد الذي أصر على احتكاره لاعتبارات البيت والعائلة والأسرة التي تعاملت مع السلطة والثروات والامكانيات بنزعة الملكية الشخصية والاستبداد. وهو كما نشهد اليوم سبب أكثر أزمات العالم، لأن السلطة بلا حقوق وواجبات ومسؤوليات تحول الحكم إلى مزرعة وإلى وحشية وانتقام وفردية مقيتة وصفقات واستئثار، تماما كالقوة غير المحكومة بسقف وحد وآليات وحواجز تمنع سطوتها واستبدادها، وهذا ما نعاني منه في بلدنا لبنان الذي يعيش كوابيس السقوط وجوع الناس، وطاعون المال، ومديونية عامة نهشت الكتلة النقدية، وإدارة سياسية حولت البلد إلى هيكل مسروق، وشرعت أبوابه على المجهول”.
وحذر المفتي قبلان الجميع معتبرا “أننا أمام مرحلة مصيرية وجودية، والأمور وصلت إلى الخطوط الحمر، والدولة الكرتونية التي أقمتموها يا أصنام السياسة على ركائز الفساد والمحاصصة، ها هي تحترق اليوم وأنتم تتفرجون، دولة الورق والشعارات الوطنية المفقودة والوحدة المشبوهة، والعيش الملغوم بالطائفية والإنقسامات السياسية، تلتهمها ألسنة الفساد والصفقات والإهمال، وتجارها وفجارها ومقاولوها ومصارفها وكل مؤسساتها وإداراتها وسلطاتها عصية على القانون ولا علاقة لها بمفهوم الدولة، ولا يعنيها الانتماء لوطن يفرض علينا جميعا أن نكون في خدمته ندافع عنه ونحميه ونضحي من أجل بناء دولة تكون بسلطاتها ومؤسساتها في خدمة شعبها وناسها، تحفظ حقوقهم وتصون كرامتهم وتؤسس لعدالة اجتماعية وإنسانية لا غبن فيها لأحد ولا امتياز فيها لطائفة، بل كلنا لبنانيون وسواسية في الحقوق والواجبات، لا فضل للبناني على آخر إلا بما يقدم لوطنه ولإخوانه في هذا البلد الذي لا خيار لنا فيه إلا أن نتوافق ونتكاتف، وأن نعيش معا ونكون في السراء والضراء جنبا إلى جنب، مهما بلغت التحديات وعظمت التضحيات فهذا الخيار لا بديل عنه، ولا بد منه، فلنوفر على أنفسنا العناءات، ولنعمل معا كي نخرج من هذا المستنقع مغتنمين الفرصة فنذهب بأسرع وقت نحو حكومة إنقاذ، حكومة فوق كل الاعتبارات والعناوين التي سئمناها والمفردات التي مللناها، حكومة مهمتها وأولوياتها وقف هذا الحريق وهذا النزيف وهذا السقوط المدوي، حكومة لونها وطعمها وغايتها لبنان واللبنانيون، حكومة موثوقة لا هم لها سوى استقرار البلد وأمن البلد ومصير البلد، الذي يكاد يكون اليوم على المحك فإما أن ننقذه معا أو يسقط ونسقط معه”.
أضاف قبلان:””من خلال ما نشهده ويعيشه كل لبناني من فقر وجوع وبطالة وفقدان ثقة وحرمان وخوف وحصار غاشم وعقوبات أميركية ظالمة يمينا ويسارا، وتهديدات ساعة بالعصا وأخرى بالجزرة، ندعو لأن نكون على قدر التحدي، لا نستسلم ولا ننصاع للإملاءات. فالمطلوب قيام حكومة حكيمة وحازمة وغير مستفزة وقادرة على فكفكة العقد ووضع الحلول الوطنية الصحيحة والسليمة التي تؤسس لبناء دولة المواطنة والمراقبة والمحاسبة، والمتمكنة من قيادة السفينة التي أوشكت أن تغرق بمن فيها، وما يفرض علينا نحن اللبنانيين التعاون على إنقاذ بلدنا، لأن ما يعاني منه أكبر بكثير مما يتصوره البعض، سيما أن مشاريع محاصرته وإخضاعه لا تزال موجودة، ما يعني أن الوضع صعب، ومحاولات السيطرة على البلد تجري على قدم وساق، وضمن هذا السياق تأتي لعبة تضييق الخناق وفرض العقوبات بهدف إعلان إفلاسه”.
وأكد المفتي قبلان “ضرورة تخليص البلد وحمايته من لعبة الزواريب والبازارات السياسية والخلافات المدمرة، فالبلد يكفيه ما فيه، من أزمات وتعقيدات، إضافة إلى العربدات الإسرائيلية اليومية. وما على هذه الطبقة السياسية إلا أن تظهر حدا أدنى من الصدقية والوطنية وصحوة الضمير نحو هذا البلد، بعد أن عاثت فيه نهبا وفسادا وإفسادا على مدى سنوات عديدة، وأن تتخلى عن ذهنية تخريبه وتدمير مؤسساته وأن تعمل على إنقاذ ما يمكن إنقاذه وإنقاذ ناسه من طاعون الفقر ولعبة الأسعار واحتكار الأسواق وجشع التجار، فالناس لم يعد بمقدورها أن تحتمل أكثر مما تحملت وأن تصبر أكثر مما صبرت، فالأمور وصلت إلى نهاياتها والانفجار بات قاب قوسين أو أدنى، والآتي قد يكون أعظم”.