السبت 10 آب 2019
مجلة وفاء wafaamagazine
أقفلت «المصارحة والمصالحة»، التي انعقدت في القصر الجمهوري امس قبرشمون منعاً لفتح قبور أخرى ترتد على البلاد فتنة واضطراباً وخراباً، ورممت التسوية الرئاسية والحكومة اللتين اهتزتا اخيراً، وتقرّر إعادة العجلة الحكومية المتوقفة منذ اسابيع الى الدوران واول الغيث جلسة لمجلس الوزراء اليوم تُحصّن انتقال رئيس الجمهورية ميشال عون الى مقرّ الرئاسة الصيفي في بيت الدين لينتقل منه لاحقاً الى الامم المتحدة مترئساً وفد لبنان الى إجتماعات جمعيتها العمومية السنوية، وكذلك تحصّن سفر رئيس الحكومة سعد الحريري الى واشنطن نهاية الاسبوع، طامحاً الى دعم اميركي للبنان، في خضم المتغيّرات التي تشهدها المنطقة وما يمكن ان تفرضه عليه من تداعيات، وربما من استحقاقات.
تكاتف الرؤساء عون ونبيه بري والحريري وعملوا بالتكافل والتضامن امس على معالجة سياسية ـ أمنية ـ قضائية لحادثة قبرشمون استدعت لقاء «مصارحة ومصالحة» في القصر الجمهوري ضمّهم الى رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط ورئيس «الحزب الديموقراطي اللبناني» النائب طلال ارسلان، وسبقه اجتماع إقتصادي مالي ضمّ الرؤساء الثلاثة وكلاً من وزراء: المال علي حسن خليل، شؤون رئاسة الجمهورية سليم جريصاتي، الاقتصاد منصور بطيش، رئيس لجنة المال والموازنة النيابية النائب ابراهيم كنعان، حاكم مصرف لبنان الدكتور رياض سلامة، رئيس جمعية مصارف لبنان الدكتور سليم صفير، والمدير العام لرئاسة الجمهورية الدكتور انطوان شقير.
وبعد لقاء «المصارحة والمصالحة» الذي دام نحو ساعتين، تلا الحريري البيان الآتي: «استنكر المجتمعون الحادثة المؤسفة التي وقعت في قبرشمون – البساتين في قضاء عاليه في 30 حزيران الماضي، والتي سقط نتيجتها ضحيتان وعدد من الجرحى، والتي باتت في عهدة القضاء العسكري الذي يتولّى التحقيق في ظروفها وملابساتها، وذلك استناداً الى القوانين والانظمة المرعية الاجراء. وفي ضوء نتائج التحقيقات، يتخذ مجلس الوزراء القرار المناسب».
واعلن الحريري، أنّ مجلس الوزراء سيجتمع عند الحادية عشرة قبل ظهر اليوم في قصر بعبدا، «وان شاء الله بعد المصالحة التي حصلت اليوم (أمس) نبدأ صفحة جديدة لمصلحة البلد والمواطن».
جلسة هادئة
وإثر عودته الى «بيت الوسط» عكس الحريري اجواء ايجابية. وقالت مصادره لـ «الجمهورية»، انّ جلسة مجلس الوزراء اليوم «ستكون هادئة وعادية وبنصاب كامل، فالحكومة جسم واحد وعليها ان تتمسّك بصيغة التضامن لمواجهة ما ينتظرنا من استحقاقات لا يمكن الإستهانة بها على اكثر من مستوى». واشارت المصادر الى انّ الجلسة ستكون قصيرة وقد لا تستمر اكثر من ساعة على ان يجري التحضير لجدول اعمال كبير ومهم لجلسة ما بعد عطلة عيدي الأضحى والسيدة.
وقالت اوساط حكومية لـ «الجمهورية»، انّ اي جلسة يمكن ان تناقش مضمون جدول اعمال جلسة 2 تموز الماضي التي لم تُعقد، فرحّب الجميع بالفكرة وتبنّى بري الإقتراح وكذلك عون، الذي كان قد صرف النظر عن فكرة الإحالة الى المجلس العدلي قبيل لقائه والحريري، ما دام الملف بات في عهدة المحكمة العسكرية التي يمكنها ان تعالج الموضوع وتقترح ما يمكن ان يُتخذ من إجراءات بعد تسلّم المتهمين بما حصل من الطرفين. فالإجراءات القضائية ما زالت عرجاء بوجود موقوفين لديها من طرف واحد هو «الحزب التقدمي الإشتراكي».
تسليم المسلحين قريباً
وكشفت مصادر مطلعة لـ»الجمهورية» عن لقاءات ستُعقد برعاية المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم بين ممثلين اشتراكيين ومن فريق ارسلان لترتيب تسليم المطلوبين الذين سيتسلمهم الأمن العام ليكونوا لاحقاً في عهدة المحكمة العسكرية بعد التحقيق معهم لدى قاضي التحقيق العسكري.
عون
وقالت مصادر بعبدا، انه «بعد إنجاز المسار الأمني لمعالجة حادثة قبرشمون من خلال إعادة الامن والأمان الى المنطقة، وتولّي القضاء العسكري التحقيق في الجريمة وفق المسار القضائي، تمّت اليوم (أمس) مقاربة المسار السياسي من خلال اللقاء الذي عُقد في القصر، والمصارحة التي تلتها مصالحة، وبذلك تكون المسارات التي حدّدها رئيس الجمهورية، منذ اليوم الاول الذي تلا الجريمة، قد تكاملت امنياً وقضائياً وسياسياً، والقضاء العسكري سيواصل تحقيقاته، وفي ضوء نتائجها يتخذ مجلس الوزراء القرار المناسب. وقد اصبح الملف برمته قيد المعالجة بأيدي مؤسسات السلطة سياسياً وامنياً وقضائياً».
وفيما اكتفى بري بالقول: «انّ ما حصل هو انجاز»، أكّد جنبلاط انه «مرتاح الى اجواء اللقاء».
وليلاً قصد جنبلاط، وهو في طريقه الى المختارة، بلدة قبرشمون وهو يقود سيارته بنفسه فتجوّل في شوارعها متحدثاً مع اهاليها.
وفي الموازاة أُعلن أنّ إرسلان سيعقد مؤتمراً صحافياً ظهر اليوم في خلدة.
ورحّب وزير الدولة لشؤون النازحين صالح الغريب بالمصالحة التي عُقدت في لقاء بعبدا. وقال لـ «الجمهورية»: «إنّ مطلبنا منذ البداية كان واضحاً وهو أن تكون الكلمة الفصل للقضاء وحده، وهذا ما حصل».
وأكّد أنّ «المصالحة الخماسية في بعبدا كانت مطروحة من ضمن المبادرات السابقة، وكنّا وافقنا عليها، ونحن اليوم راضون بهذه النتيجة». وأشار الى أنّ «الخطوة إنعكست إيجاباً على الشارع، والناس مرتاحة».
ليلة القبض على الحل
وروت مصادر واكبت الاتصالات وقائع «ليلة القبض» على الحل، انّ الامور تسارعت بعد العاشرة ليل امس الاول، حيث وصلت المفاوضات الى طريق مسدود بفعل تغريدات جنبلاط التي اتهّم فيها من سمّاه «رئيس البلاد» بأنّه «يريد الانتقام». وكذلك تغريدات ارسلان التي اتهم فيها «الطرف الآخر» بأنه «يسعى الى التوتير لفك الحصار السياسي الذي فرضه على نفسه»، واصرّ على صدور موقف عن مجلس الوزراء يحيل قضية قبرشمون الى المجلس العدلي.
وفيما رفض جنبلاط طرح هذه القضية في مجلس الوزراء من قريب أو بعيد، وقد بلغت الاتصالات حد انّ المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم تعهّد لجنبلاط وارسلان بأن يأتي اليهما برسالة خطية من رئيس الجمهورية يشرح فيها كيف سيقارب موضوع المجلس العدلي في مجلس الوزراء، ولكنهما رفضا. فما كان من عون الّا ان اتصل ببري سائلاً إيّاه ما العمل؟ فردّ بري: «انّ الحل يا فخامة الرئيس لن يكون إلاّ بالمصالحة، لأنّ الموضوع بات أبعد من مجلس الوزراء ولم نعد نعرف من كان المقصود بحادثة قبرشمون الوزير جبران باسيل أم الوزير صالح الغريب، لقد ضاعت القصة ولهذا السبب أوقفت مبادراتي، والحل هو ان نعود الى خريطة الطريق التي اقترحتها للمعالجة والتي تبدأ بالمصالحة».
وإذ ردّ عون مؤكّداً «انّ علينا التعاون على ايجاد الحل ولا ينبغي ان نتأخّر لأنّ الوضع المالي والاقتصادي لا يتحمّل التأجيل في المعالجة»، بادر بري الى الاتصال بجنبلاط، وقال له: «انّ هذا الحل هو لمصلحتك. فلنذهب الى القصر الجمهوري لعقد مصالحة وإلا فإنّ البلد سيذهب الى حرب»، فردّ جنبلاط: «يلي بتشوفو مناسب يا دولة الرئيس انا بمشي فيه». وعلى الأثر نشطت الاتصالات في كل الاتجاهات ودخل «حزب الله» على خطها واستمرت حتى فجر امس. واتصل بري شخصياً بإرسلان وقال له: «باتت هناك ندية معك والمصالحة التي سنجريها ستكرّسها وستكون لمصلحتك، فلنجتمع في القصر الجمهوري لنطوي هذه الصفحة». فاستمهله ارسلان للاجابة حتى التاسعة صباح أمس لإجراء بعض المشاورات والاتصالات.
وفي هذا الوقت شكّل الحاج حسين خليل، المعاون السياسي للامين العام السيد حسن نصرالله قناة تواصل بينه وبين رئيس الجمهورية وبري، حيث استمرت الاتصالات بينهم حتى الفجر، الى ان اتصل ارسلان في العاشرة قبل الظهر ببري وابلغ اليه موافقته على صيغة الحل المقترحة، ولكنه طلب ان يكون اللقاء «لقاء مصارحة قبل ان يكون لقاء مصالحة، لأنّ هناك اموراً كثيرة يجب ان نتحدث فيها، بحيث توضع كل الاوراق والملفات على الطاولة». وقد تلقف بري هذه الموافقة الارسلانية، وكان اتفاق على انعقاد اللقاء في الخامسة مساء امس في القصر الجمهوري. واذ سأل الحريري إمكان عقد جلسة لمجلس الوزراء بعد هذا اللقاء، كان رأي عون ان تُعقد في ضوء جو لقاء المصالحة ونتائجه، وهكذا كان، حيث تقرّر إنعقاد مجلس الوزراء عند الحادية عشرة قبل ظهر اليوم. وقد اراد رئيس الجمهورية استعجال الحل بسبب سفر الحريري الى واشنطن، حيث ستكون له لقاءات مع المسؤولين فيها، وكذلك استعجل الاجتماع الحالي بسبب انتقاله في 16 من الجاري الى المقر الصيفي لرئاسة الجمهورية في قصر بيت الدين، وجرت العادة ان يكون جنبلاط في استقباله هناك، وكل هذه العوامل ساعدت في استعجال الحل.
باسيل
وكان اللافت في كل ما جرى لمعالجة الأزمة أنّ أي اتصال لم يحصل مع رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل، حيث تمّ استبعاده، وتركّزت الاتصالات مع رئيس الجمهورية.
وقالت مصادر باسيل ليل أمس: «مع ترحيبنا بكل مصارحة نؤكّد الآتي:
– وُضعت الأمور في نصابها: مصارحة ومصالحة بين جنبلاط وأرسلان ولم ينجح أحد في تحويل النزاع الى نزاع طائفي في الجبل.
– نحن معنيون بأن يأخذ القضاء مساره ولا شروط عندنا من الاساس.
– سياسياً، معنيون بتأكيد الحق السياسي للجميع في حرّية التحرّك في اي منطقة لبنانية، ولن نقبل بأي استئثار او احتكار أو عزل لأي منطقة أو مكون. ونؤكّد حيثيتنا النيابية والشعبية في الشوف وعاليه».
«القوات»
من جهتها، قالت مصادر «القوات اللبنانية» لـ«الجمهورية»، انّ «فصل المسار السياسي عن المسار القضائي في حادثة قبرشمون كان مطلبها منذ اللحظة الأولى»، وأسفت «لتعطيل البلد نحو شهر ونصف شهر وتوتير المناخات السياسية وتسريع وتيرة الانهيار بغية تحقيق أغراض سياسية، فيما كان يجب وضع الحادثة في إطارها القضائي البحت بعيداً من محاولات التسييس».
ودعت المصادر إلى «تكثيف الاجتماعات الحكومية لتعويض الخسائر الكبرى التي مُني بها لبنان بسبب التعطيل المتمادي»، وتمنّت «الاتعاظ مما حصل وإبعاد المؤسسات عن التجاذبات والفصل بينها وعدم استخدامها لتحقيق مآرب سياسية». ورأت «أنّ الأزمة الأخيرة وما رافقها انعكسا سلباً على سمعة لبنان وصورته وسياحته وثقة الناس بالحكومة». وشدّدت على «ضرورة تغيير الأسلوب الذي يعتمده البعض، لأنّ البلد لم يعد يتحمّل حقده والمواجهات المتنقلة التي يخوضها، فضلاً عن أنّ أولوية الناس هي لقمة عيشهم المهددة بفعل سياسات متهورة من هذا النوع».
وخلصت هذه المصادر الى التأكيد «أنّ الأولوية الملحة اليوم لترجمة موازنة 2019 وتسييل مساعدات مجموعة «سيدر» ووضع موازنة 2020 على طاولة الحكومة والإهتمام بكل ما من شأنه أن يعيد العافية إلى لبنان واللبنانيين بعيداً من سياسة الحقد والجنون».
اجتماعان ماليان
وقبل ساعات من لقاء «المصارحة والمصالحة» عُقد أمس اجتماعان ماليان الأول في «بيت الوسط»، والثاني في قصر بعبدا، ويأتي الاجتماعان في ظلّ وضع مالي ضاغط، وفي مرحلة انتظار التقرير الذي سيصدر في 23 آب لتحديد تصنيف لبنان الائتماني. وتلا الحريري بيان الاجتماع المالي من بعبدا، وفيه تكرار لتعهدات سابقة هدفها إحداث صدمة ايجابية على المستوى المالي. وركّز البيان على الالتزام «الواضح باستمرار الحفاظ على استقرار سعر صرف الليرة». وشدّد على إقرار موازنة 2020 في مواعيدها الدستورية، والالتزام بتطبيق دقيق لموازنة 2019، والاجراءات المقرّرة فيها، وإطلاق المشاريع الاستثمارية، وتطبيق خطة الكهرباء بمراحلها المختلفة، ومواصلة الاصلاحات، واعادة النظر بالمؤسسات غير المجدية وإلغائها.
ولوحظ انّ اجواء الاجتماعين السياسي والمالي انعكسا فوراً تحسناً في اسعار السندات اللبنانية التي إرتفعت في الاسواق العالمية.
المصدر: الجمهورية