مجلة وفاء wafaamagazine
أدى نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى العلامة الشيخ علي الخطيب الصلاة جماعة في مقر المجلس. والقى خطبة الجمعة،قال فيها:
“أكدت الروايات على زيارة الامام الحسين عليه السلام في كل وقت وخاصة زيارة أربعين الامام ، وسر الاهتمام بزيارة الامام الحسين خاصة واحياء ذكراه يفسره انه قام بالدور الذي لم يتح لامير المؤمنين وللحسن ان يقوما فيه نتيجة للظروف الخاصة التي عاشتها الرسالة من تربص الاعداء الخارجيين والاعداء الداخليين وانتظارهم للفرصة المناسبة للانقضاض على الإسلام، فكان الخطر ما زال محدقا بالدولة الفتية كما ان كثيرا من الذين دخلوا في الاسلام لم يدخلوا عن اعتقاد وايمان، وانما عن خوف او طمع او ان الذين دخلوا في الاسلام اعتقدوا به ولكن هذا الاعتقاد لم يكن عميقا، وشاهدنا بعد ذلك الذين ارتدوا عن الاسلام بعد وفاة رسول الله ، كما ان عنصر النفاق كان موجودا بقوة، كل هذه العناصر اضافة الى ان الطامعين بالخلافة والسلطة كانوا على استعداد للتضحية بكل شيء في سبيل الوصول الى أهدافهم، كل ذلك كان كافيا للحرصاء على الاسلام ان يهادنوا وان يصبروا على الانحراف لتأتي الفرصة المناسبة لايضاح الامور بعد ان يكونوا قد حافظوا على الاهم وهو الرسالة وان كان ذلك يستدعي ثمنا كبيرا من التضحيات وهو الدور الذي ترك للامام الحسين ورسم ان يقوم به، فالأمام امير المؤمنين واجه بالسياسة ما يؤدي الى حفظ الرسالة ونقائها وحفظ الدولة والأمة، حتى اذا وصلت الامور الى ما وصلت اليه من الفتنة وقتل عثمان، واضطر لقبول البيعة كخليفة نظما للامة وحفاظا عليها وانتهت هذه المرحلة بالحفاظ على الرسالة ، ولكن حال النفاق الداخلية التي اتاحت لها هذه الظروف الفرصة الملائمة للحركة من اجل الانقضاض على الرسالة من الداخل وقويت شوكتها واخذت تمارس الدور التخريبي باستخدام الفتنة الداخلية بشكل خطير، وقد بدأت اثارها بشكل قوي في اواخر عهد عثمان حينما تسللت بعض عناصرها الى حاشية الخليفة ومارست دور الفتنة من داخل الدار، ثم تابعت المسيرة مع عهد امير المؤمنين بالتأليب عليه باستخدام بعض الصحابة الطامعين اساسا للوصول الى مركز القرار والسلطة وخاب سعيهم معه في ذلك، وكذلك الذين تضرروا من سياسته المالية”.
أضاف الحطيب: “لقد استفادت قوى الفتنة التي كانت تراقب الامور بدقة وتعرف عن قرب مجريات الاحداث وتستغل هذه العناصر اي استغلال وتصل الى الذروة عندما اغتيل امير المؤمنين وتستند الى القاعدة القوية التي اسستها على يد معاوية في الشام الذي استطاع لهذه الاسباب ان يصل الى السلطة بكل سهولة حيث اضطر الامام الحسن بعد ما اُفشل في متابعة مسيرة امير المؤمنين لصد ومواجهة هذه القوة المنافقة الى الصلح الذي لم يحترمه معاوية وكشف فيه عن اهدافه الحقيقية. وبذلك انتهت هذه المرحلة بالحفاظ على الرسالة وسلامتها واصبحت لازما من جهة اخرى بالاعداد لمواجهة الخطر الاخر ومواجهة حركة النفاق الداخلي الخطير الذي يريد استغلال الدين والرسالة للالتفاف عليها وانهائها من داخلها، وفضح هذه الحركة وكشف أهدافها، وقد كانت هذه مهمة صعبة للغاية، فالبيئة التي يمكن الاستناد اليها في المواجهة هي البيئة العراقية التي كانت تعاني من حالة الانكسار والترهل والارهاق نتيجة الحروب المتوالية التي عاشتها مع امير المؤمنين، وكان من نتائج ذلك ان تراجعت واجبرته على التحكيم في حرب صفين وقبلها حرب الخوارج وقبلها حرب الجمل. اما خارج العراق فلم تكن الظروف افضل، ففي الحجاز كانت تتنازعه زعامات وتيارت مختلفة ولم تكن تعيش حالة الوعي للخطر المحدق، فإذن، كان هناك يأس من مواجهة هذا الخطر عسكريا ولم يكن هناك من سبيل سوى المواجهة على طريقة الفاجعة ونصب كمين لقوة النفاق هذه تكشف للامة عن حقيقتها وتعريها، وهذا يحتاج الى شخصية ذات مواصفات مهمة وكبيرة ومؤثرة ومعروفة لدى الجمهور وهذه الشخصية لم تكن سوى سيد الشهداء الحسين بن علي ابن بنت رسول الله. لذلك كانت ثورة الامام الحسين بأحداثها الدامية والمفجعة هي الزلزال الذي قضى على اهداف حركة النفاق فوضعت الاساس وهيأت الارضية للحفاظ على الرسالة ونقائها من التحريف وواجهت محاولات الانحراف التي مارستها القوى الحاكمة عبر فسح المجال امام مدرسة الزندقة والانحراف ورعتها وروجت لها وهي المرحلة الثالثة من مراحل المواجهة التي مارسها أئمة اهل البيت”.
وتابع:” لقد استشهد الامام الحسين القدوة للاحرار الساعين الى الخلاص من الظلم والبغي والانحراف ، وتحمل المسؤولية التي فرضت عليه هذه التضحيات الهائلة من اجل الرسالة ومن اجل الحفاظ على الامة ودورها وتخلى عن لعب دور المفتش عن السلامة والعيش الرغيد وعن المصالح الخاصة التي كان من السهل على شخص له هذه الموقعية في الامة ان يحصل عليها ويبقى في مأمن من دفع هذا الثمن الباهظ وان يعرض نفسه واهل بيته واصحابه لهذه المصائب التي تنوء عن حملها الجبال، وقد عرض عليه ان يحصل على كل ما يشترط في مقابل كلمة ان يقول ابايع يعني استسلم، لكنه رفض ان يخون مسؤولياته الالهية بينما خير عمرو بن سعد نفسه بين هذا وذاك، واختار السلامة الموقتة وارتكب الخيانة لله ولرسوله و للتاريخ ،اقول السلامة الموقتة لان هذه السلامة وهذه الدنيا التي حصل عليها لم تدم له طويلا وارتكب العار الذي سجله له التاريخ الى يوم القيامة، وهذا هو مجال الاختبار الدائم للاشخاص والامم عندما يصل بهم الامر الى منعطف خطر يخيرون فيه بين انفسهم وبين امتهم وبين المصالح الشخصية على حساب الرسالة وعلى حساب الامة وعلى حساب المصلحة العامة. هو مفترق طرق خطير اما ان يضحي بنفسه واما ان يضحي بقيمه، واما يحتفظ بمصالحه على حساب وجود الامة وقيمها، او ان يضحي بهذه المصالح لحساب الامة وقيمها”.
واردف الخطيب :”ان امتنا اليوم ايها الاخوة وانظمتها ومفكريها وقادة الرأي فيها والذين يمسكون بقرارها تمر في هذا الامتحان في كل دولة من دولها وفي كل نظام من انظمتها وفي كل شعب من شعوبها وكل قطاع من قطاعاتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية. ومن يرسمون سياساتها هم اليوم في هذا الامتحان بين المصالح الخاصة الفئوية والقطرية وبين مصلحتها الجامعة الوجودية لان المصالح الفئوية والقطرية وغيرها من المصالح الخاصة لن تبقى اذا ما تعرضت مصالحها الجامعة الى السقوط، وهي حين تتمسك بمصالحها الخاصة على حساب مصلحة الامة فهي ترتكب خيانة عظمى، خيانة لله ولرسوله ولشعوبها وللامة في هذا الصراع الذي تقوده منذ عقود فهو صراع الوجود والبقاء وليس مصالح انية عابرة يمكن التغاضي عنها تكتيكا.
المصالح العابرة التي يمكن التخلي عنها تكتيكا انما يتخلى عنها لمصلحة استراتيجية وجودية وليس العكس، كما هو حاصل ويحصل اليوم في الصراع الدائر بين امتنا وبين العدو الاسرائيلي الذي يشكل رأس الحربة في هذا الصراع لمصلحة الغرب، حيث يضحى بالمصالح الاستراتيجية الوجودية لمصالح ربما تكون مصالح او الاصح ليست مصالح ،وانما اوهام مصالح لصالح هذا النظام او ذاك ولهذه العائلة او تلك ولهذه المنظومة الاقليمية او تلك ، وانما هي لمصلحة العدو الإسرائيلي. وعلى العالم العربي والاسلامي ان يتعلم من تجربة هذا النظام المتخلف في لبنان الذي هو مشروع صراع داخلي دائم وهو ما يرسم ويراد تعميمه للعالم العربي والاسلامي صراعات مذهبية وطائفية لمصالح غير وطنية ولمصالح خارجية، لتحقيق مشروع اسرائيل الكبرى التي يراد لها ان تقود المنطقة وتتحكم بثرواتها لمصلحة الغرب ولمنطقتها الاستراتيجية ومضائق تشكل ممرات اجبارية لحركة التجارة العالمية وتمسك بخناق الاقتصاد العالمي.
لذلك ننبه من خطورة ما يجري من تسابق من جانب بعض الدول العربية الى الاستسلام للمشروع الغربي والذهاب الى التطبيع مع العدو الاسرائيلي، فانهم يحققون مصالح العدو الاسرائيلي دون اي مصلحة حقيقية لا لانفسهم ولا لشعوبهم، كما يصبحون جزءا من المشروع الذي يحاول اجبار بقية الدول العربية والاسلامية على الانخراط بهذه الخيانة ولا يمكن ان نسمي ذلك الا خيانة لله ولرسوله وللامة والشعوب العربية والإسلامية، خيانة للدور، خيانة للامانة، خيانة للرسالة، خيانة للوسطية التي تمثلها الامة في هذا العالم والتي تحولنا من فاعلين في هذا العالم الى تابعين ومنفذين لما تمليه علينا بعض القوى الدولية ضد مصالحنا اولا واعداء للقوى الدولية الاخرى في هذا الصراع وتجعل من شعوبنا ودولنا محرقة فيه”.
ورأى الشيخ الخطيب “ان الهجمة الاستعمارية على بلادنا وشعوبنا تتصاعد بهدف تجويعنا واضعافنا للخضوع الى مخططات خبيثة تريد سلب ثرواتنا وفرض مندرجات صفقة القرن بما تعنيه من تنازل عن فلسطين وقبول التوطين كأمر واقع والتعاطي مع الكيان الصهيوني كدولة طبيعية تكتسب الشرعية والصفة الدولية فيما هو بؤرة شر عنصرية غاصبة للأرض، ونحن اذ نؤكد على خيارنا المقاوم كسبيل لمواجهة العدوان وتحرير الأرض المغتصبة وحفظ الكرامة واستعادة الحقوق المسلوبة، ونحن في لبنان واجهنا الاحتلال الإسرائيلي في اقسى الظروف ودحرناه عن ارضنا، وحاربنا الإرهاب التكفيري وسجلنا انتصارا عجزت عنه دولا كثيرة، واليوم فاننا نواجه ضغوطا كبيرة وتهديدات كثيرة، بيد ان ارادتنا لن تخضع طالما ان في وطننا وامتنا مقاومة مضحية وشعبا صامدا وجيشا باسلا، ونحن نطالب السياسيين بالارتقاء الى تضحيات شعبنا وجيشنا ومقاومتنا، فيستشعروا الاخطار المحدقة بالوطن ويسرعوا الخطى لتشكيل حكومة إصلاحية انقاذية تجسد الشراكة الوطنية وترسخ الوفاق الوطني وتعيد الثقة بلبنان وتستعيد المال العام المنهوب وتعزز النقد الوطني وتفرج عن أموال المودعين في المصارف”.
أضاف:”ان لبنان يعيش اياما صعبة والمواطنون يعانون من ظروف معيشية يصعب عليهم تحملها، وخاصة بعد الحديث عن وقف الدعم للمحروقات والسلع الاستهلاكية والأدوية مما يؤدي الى انفجار اجتماعي كبير يدخل لبنان في مستنقع الفوضى والفتن، ولن يكون أي سياسي بمأمن عن تداعياته الخطيرة، ونحن اذ نحذر من المساس بلقمة الناس ودوائها فاننا نطالب السياسيين ان يحكموا ضمائرهم ويتحسسوا الام شعبهم واهلهم فيعملوا على انجاز تفاهمات وطنية تحفظ الوطن بحفظ اهله، ونحذر في الوقت عينه من تفشي جائحة كورونا التي أدخلت بلادنا في دائرة الخطر الذي يصعب معه تحمل تداعياته الكارثية، وندعوهم الى حفظ انفسهم واهلهم وشركائهم في الوطن بالتزام الإجراءات الوقائية وعدم الاستهتار بخطورة هذا الوباء”.
وناشد الخطيب “أهلنا واخواننا في البقاع، بالتحلي بالحكمة والمسؤولية الوطنية وعدم الانجرار خلف الثأر الذي يورث الفتن والنزاعات ويدخل قرانا وبلداتنا في الفتن ويزيد من حدة الازمة المعيشية ويضيف هما جديدا الى همومهم المتراكمة، وعليهم الانصياع الى جهود الصلح والاحتكام الى القانون والشرع الحنيف في حل النزاعات بين الاهل والاخوة، ونشكر الجهود المبذولة من اجل وقف النزاعات العشائرية وإصلاح ذات البين، وفي الوقت عينه نطالب الدولة اللبنانية ببسط سلطتها والتعامل مع المخلين بالأمن بحزم وعدم السماح بانفلات الامن في أي منطقة لبنانية، فهذه مسؤوليتها في حفظ الامن وتوفير الطمأنينة و الاستقرار لكل اللبنانيين”.