الثلاثاء 20 آب 2019
مجلة وفاء wafaamagazine
مع ان العدّ العكسي لانطلاقة حكومية متجددة في جلسة يعقدها مجلس الوزراء الخميس المقبل في المقر الرئاسي الصيفي بقصر بيت الدين لترجمة الكثير مما أقر في الاجتماع المالي الذي انعقد بالتزامن مع لقاء “المصارحة والمصالحة” الذي انهى ازمة التداعيات الحكومية لحادث قبرشمون، يبدو مؤشراً ايجابياً على الصعيدين السياسي والاقتصادي، إلّا ان الاجواء “العميقة” التي تتحكم بمجمل الواقع الداخلي عكست تصاعد القلق لدى اركان الدولة من تقرير التصنيف المالي الجديد الذي ستصدره وكالة “ستاندرد أند بورز” الجمعة المقبل. بل ان المعطيات السياسية والاقتصادية اظهرت ان اركان الدولة والمعنيين الكبار في القطاع المالي يسابقون العد العكسي لصدور التصنيف الذي يبدو مسلما به انه سيخفض تصنيف لبنان أكثر من التقويم السابق.
وفي هذا الاطار، استبقت مجموعة “غولدمان ساكس” التصنيف بتوقعات أوردتها وكالة “بلومبرغ” في تقرير مفصل عن لبنان، أن “يتراجع تصنيف الدين السيادي في لبنان إلى مستويات متدنية جداً في التصنيفات العالمية المرتقب صدورها عن وكالة “ستاندرد أند بورز” في غضون أيام معدودة. وفي هذه الحالة، من الممكن أن تُدرَج سنداته في فئة السندات المعرّضة لخطر التخلف عن السداد، فيما تتخبط البلاد لاسترجاع قدر كافٍ من العملات الأجنبية”.
وعلى رغم هذه المعطيات السلبية، يراهن أهل الحكم والقطاعات الاقتصادية على ملامح الاحتواء السياسي والاقتصادي والمالي الذي ترى الاوساط المعنية أنه سيخفف وطأة التصنيف السلبي وتداعياته المالية ولو ان أحداً لا ينكر حراجة التداعيات التي ستنشأ عنه. وأكدت مصادر مصرف لبنان ان المصرف استطاع حماية القطاع المالي منذ العام 2016 لمواجهة أي تبعات لخفض تصنيف البلاد، من خلال الهندسات المالية التي رفعت ملاءة المصارف الى 16% وأي خفض للتصنيف قد يعيد هذه الملاءة الى 12% وهو المستوى المحدد وفق معايير “بازل 3” لكفاية رأس المال، مع التأكيد مجدداً ان خفض التصنيف قد يطاول الديون السيادية وليس المصارف.
ولم تستبعد الاوساط نفسها ان تكون المواقف الاخيرة التي اتخذها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون من الاصرار على تنفيذ الورقة الاقتصادية التي اتفق عليها في الاجتماع المالي في قصر بعبدا، قد اطلقت بمثابة حاجز للوقاية من الصدمات واحتواء ما أمكن من ذيولها سلفاً. كما ان رئيس الوزراء سعد الحريري ستكون له بعد عودته من الخارج في الساعات المقبلة على الارجح مواقف تتصل بهذا المناخ وذلك بافتتاحه اليوم المرحلة الثانية من اعمال توسيع الاجراءات التسهيلية والتحديثية في مطار رفيق الحريري الدولي.
عون
وكان الرئيس عون صرح أمس بأنه “يعمل على المحافظة على الليرة”، معلناً “عدم اللجوء الى القانون الذي يدين الشائعات التي تتناول وضعها حفاظا على الحريات”، لافتاً الى ان “الحرية في لبنان اصبحت اليوم تشمل الشتيمة والنقد”، وقال:”نرحب بالنقد الذي يعتبر مصدراً لافكار جديدة، أما الشتيمة فلا نقبل بها”. واوضح “اننا سنبدأ في الاسبوع الجاري، بوضع خطط تنفيذية تصبح جاهزة بعد شهر من اليوم، لأن المبادئ العامة اصبحت معروفة لدينا. وهذا كله بهدف ايجاد حلول لكل القضايا التي تزعج المواطنين ولا سيما أزمة الكهرباء”. وأضاف ان “هناك التزاماً في ما تم اقراره في الورقة الاقتصادية”، مشيرا الى انه اطلق هذه الورقة “ولكي يتم تنفيذها فهي بحاجة الى التعاون بين كل السلطات”.
وعن الشائعات عن ايعاز الولايات المتحدة اليه بإبعاد الوزير جبران باسيل، قال: “أنا لا أبعد لا جبران باسيل ولا أي انسان آخر. فليس لي مصلحة في ذلك. فجبران باسيل هو رئيس حزب ورئيس اكبر كتلة نيابية، وكثر قالوا منذ فترة إن جبران باسيل هو رئيس الجمهورية والجنرال عون هو رئيس الحزب وكنت أضحك يومها. وكان هناك من السياسيين الكبار الذين يأتون الي ويطلبون مني الضغط على جبران باسيل في بعض الشؤون السياسية التي تزعجهم، وكان جوابي دائما لهم اذهبوا وتحدثوا بالموضوع مع جبران باسيل. فهل يقبل احدكم بأن أضغط عليه؟”.
كما نفى “ان تكون الدولة اللبنانية قد تعرضت لاي ضغوط أميركية من اجل اجراء المصالحة أو حل الموضوع المالي”، وقال: “لا أميركا تتدخل ولا طبعنا يقبل بالضغوط”. كما نفى تبلغه “أي أمر حول العقوبات الاميركية على شخصيات مسيحية قريبة من حزب الله… نحن لم نتبلغ هذا الامر “
لكن الموضوع الذي اثار تساؤلات وشكوكا سلبية في الحوار يتعلق بالاستراتيجية الدفاعية اذ بدا الرئيس عون كأنه تراجع عن مواقف والتزامات سبق له ان اتخذها واذا به يبدلها أمس. فقد قال في سياق رده على سؤال عن الدعوة الى حوار في شأن الاستراتيجية الدفاعية: “لقد تغيرت حاليا كل مقاييس الاستراتيجية الدفاعية التي يجب أن نضعها. فعلى ماذا سنرتكز اليوم؟ حتى مناطق النفوذ تتغير. وأنا اول من وضع مشروعاً للاستراتيجية الدفاعية. لكن ألا يزال صالحاً الى اليوم؟ لقد وضعنا مشروعاً عسكرياً مطلقاً مبنياً على الدفاع بعيداً عن السياسة، ولكن مع الاسف مختلف الافرقاء كانوا يتناولون هذا الموضوع إنطلاقاً من خلفية سياسية”.
زيارة الحريري
في غضون ذلك، وفي سياق تقويم نتائج زيارة الرئيس سعد الحريري لواشنطن صرح مستشاره الدكتور نديم الملا لـ”النهار” بأن “الولايات المتحدة مهتمّة بعملية الاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي والاجتماعي في لبنان، ومؤشرات زيارة الرئيس الحريري مشجعة، وهي أرسلت اشارات ايجابية الى الأسواق، وهذا من شأنه أن يكسر حدّة الأجواء التشاؤمية التي كانت سائدة في الفترة السابقة”. وقال إن “انعكاسات الزيارة الأميركية ستكون ايجابية على البلاد لجهة تأكيد المجتمع الدولي عبر الولايات المتحدة أهمية استقرار لبنان”. وأضاف الملا أن “الوضع الاقتصادي صعب، لكن يبدو أن الرئاسات الثلاث ذاهبة باتجاه بلورة حلول في الملف الاقتصادي بعد اجتماع بعبدا المالي”. ولفت الى أن “الحريري ملتزم تهدئة الأوضاع والحفاظ على الاستقرار وتدوير الزوايا، وموقفه من التطورات الأخيرة هدفه حماية السلم الأهلي”.
المصدر: النهار