مجلة وفاء wafaamagazine
«أن يأتي متأخّراً خيرٌ من ألّا يأتي أبداً». يبدو أن هذه المقولة هي التي حكمت توجّهات المفاوض الإيراني عندما احتدمت نقاشات الاتفاق النووي عند نقطة رفع حظر التسلّح الأممي المفروض على طهران. فبعد مطالبة الأخيرة برفع فوري لكلّ العقوبات قبل ولوج الماراثون التفاوضي، قبلت بأن يستمرّ حظر التسلّح لخمس سنوات انقضت بالأمس، لتدخل بذلك «الجمهورية الإسلامية» مرحلة جديدة من التحدّي، عنوانها تثبيت حقها في استخدام هذا الامتياز
على رغم انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي، وعجز أوروبا عن تعويض إيران الخسائر التي تَكبّدتها الأخيرة جرّاء الخطوة الأميركية، إلا أن طهران لم تذهب باتجاه قطع «شعرة معاوية» مع هذا الاتفاق، وذلك أملاً في الحصول على امتيازاته المُؤجّلة، والتي حلّ بالأمس موعد أحدها، وهو خروج إيران من مظلّة حظر التسلّح الدولي الذي فُرض عليها بموجب البند الثامن من قرار مجلس الأمن 1929 الصادر في حزيران/ يونيو 2010، إذ نصّ القرار 2231 الذي احتضن الاتفاق النووي، في الفقرة الخامسة، على أنه «يجوز لجميع الدول المشارَكة في ما يلي، أو السماح بما يلي، شريطة أن يقرّر مجلس الأمن مسبقاً، على أساس كلّ حالة على حدة، الموافقة على: توريد أو بيع أو نقل، بصورة مباشرة أو غير مباشرة مِن أو عبر أراضيها، أو من قِبَل رعاياها أو الأفراد الخاضعين لولايتها، أو باستخدام سفن أو طائرات تحمل علمها، سواء كان منشؤها من أراضيها أم لا، إلى إيران، أو للاستخدام في إيران أو لمصلحتها، أي دبابات قتالية أو مركبات قتالية مدرعة، أو نظم مدفعية من العيار الكبير، أو طائرات عمودية هجومية، أو سفن حربية، أو صواريخ أو منظومات صواريخ، حسب التعريف المتعارف عليه لأغراض سجل الأمم المتحدة للأسلحة التقليدية، أو ما يتصل بها من أعتدة، بما في ذلك قطع الغيار، وتزويد إيران من قِبَل مواطني تلك الدول أو من أراضيها من خلالها بتدريب تقني وموارد أو خدمات مالية وبالمشورة، وغير ذلك من الخدمات أو المساعدة المتصلة بتوريد أو بيع أو نقل أو صنع أو صيانة أو استخدام الأسلحة والأعتدة ذات الصلة المبيّة في هذه الفقرة الفرعية»، مُحدّداً لهذه الفقرة فترة زمنية قوامها خمس سنوات من يوم اعتماد «خطة العمل المشتركة الشاملة».
اعتبرت طهران دخول رفع حظر التسلّح عنها حيّز التنفيذ «هزيمة كبيرة للحكومة الأميركية»
بموازاة انقضاء المدّة المذكورة، أعلن مندوب إيران الدائم لدى الأمم المتحدة، مجيد تخت روانجي، أن «تجارة الأسلحة من قِبَل بلاده لا تحتاج من الآن فصاعداً إلى موافقة مسبقة من مجلس الأمن الدولي»، وهو الأمر الذي حدث إبّان بيع روسيا لإيران منظومة الدفاع الجوي «إس 300»، حيث أتمّ الطرفان هذه الصفقة عام 2016 بعد إذن من المجلس، وذلك إثر تعليقها لعدّة سنوات نتيجة حظر التسلّح الدولي المفروض على طهران في حينه. بدورها، واكبت وزارة الخارجية الإيرانية هذا الاستحقاق المنتظر منذ اللحظات الأولى، مصدرةً بياناً تفصيلياً أوضحت فيه أن «جميع القيود المرتبطة بنقل الأسلحة من وإلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية، والإجراءات والخدمات المالية المرتبطة بذلك، وجميع أنواع حظر الدخول أو العبور من أراضي الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، والذي فُرض سابقاً ضدّ مواطنين ومسؤولين عسكريين إيرانيين، رُفعت تلقائياً من اليوم»، واصفةً ذلك بأنه «يوم مهمّ للغاية للمجتمع الدولي الذي حافظ على القرار 2231 لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وخطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي) رغم محاولات الولايات المتحدة الأميركية». وتقاطع وزير الخارجية، محمد جواد ظريف، مع بيان وزارته في تأكيد أهمية هذا اليوم للمجتمع الدولي، معتبراً أن «تطبيع التعاون الدفاعي الإيراني مع العالم يشكّل مكسباً للتعدّدية والسلام والأمن في منطقتنا».
والجدير ذكره، هنا، أن رفع حظر التسلّح عن إيران في 18 تشرين الأول/ أكتوبر 2020، وإن كان إحدى ثمار الاتفاق النووي، إلا أن الطريق للحصول عليه لم تكن مفروشة بالورود. فقد شهدت الأشهر الماضية منازلات دبلوماسية بين طهران وواشنطن، حاولت فيها الأخيرة تجديد هذا الحظر من خلال طرحها لقرار في مجلس الأمن يقضي بذلك، إلا أنها لم تفلح في هذه المحاولة، لتنتقل إلى منازلة أخرى سعت فيها لتفعيل آلية «سناب باك» المحدّدة في القرار الدولي 2231، والتي قد تنتهي بعودة كلّ العقوبات الأممية على إيران، لكن مجلس الأمن رفض إعطاء الولايات المتحدة الحق في استخدام تلك الآلية لانسحابها من الاتفاق النووي. وقد كان الموقف الأوروبي في المنازلات المذكورة هو بيضة القبان التي نجح رهان إيران عليها، بعدما جاء متطابقاً مع تطلّعاتها.
على هذه الخلفية، لم تتوانَ طهران، على لسان رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف، عن اعتبار دخول رفع حظر التسلّح عنها حيّز التنفيذ «هزيمة كبيرة للحكومة الأميركية المتهوّرة ورئيسها العاجز». كذلك، لم يغفل بيان الخارجية الإيرانية الإشارة إلى أن واشنطن «فشلت في القضاء على منافع إيران من القرار 2231 المكمّل للاتفاق النووي، والمقَرّ في مجلس الأمن يوم 20 تموز/ يوليو 2015 بعد أسبوع من التوقيع على الاتفاق». وهو الأمر الذي سبق وأن أكده كلّ من الرئيس الإيراني حسن روحاني، ومدير مكتبه محمود واعظي، في تصريحات منفصلة على هامش اجتماع الحكومة يوم الأربعاء الماضي.
من جانبها، رأت صحيفة «جوان» الأصولية أن «فشل واشنطن في محاولاتها إعادة حظر السلاح على إيران يعزّز القناعة القائلة بأن أميركا ليست تلك القوة التي ينازعها أحد»، معتبرة أن «أميركا تحصد الفشل تلو الفشل مقابل إيران في المحافل الدولية وفي ميدان العمل الاستراتيجي في المنطقة». أمّا صحيفة «عصر ايرانيان» الأصولية فوضعت كلّ ما حدث بين «الجمهورية الإسلامية» والولايات المتحدة خلال الأشهر الماضية في سياق «اهتزاز الهيمنة الأميركية». وفي الاتجاه نفسه، ذهب رئيس لجنة الأمن والخارجية في البرلمان، مجتبى ذو النوري، بحديثه عن الفشل الأميركي، لكنه نبّه إلى «عدم التصوّر بأن ما حصل هو انتصار بحدّ ذاته»، موضحاً أنه «تمّت إزالة حظر وظلم غير مبرّر فقط».
ثمّة إجماع داخل إيران على أن البلاد ستدخل مرحلة جديدة بسقوط مظلّة حظر التسلّح
ولم تُفوّت الحكومة الإيرانية هذه المناسبة من دون أن تُوجّه رسائل إلى معارضي الاتفاق النووي في الداخل، والمطالبين بالانسحاب منه كردّ على الإجراءات الأميركية. وقد برز في هذا السياق تصريح للرئيس حسن روحاني، خاطب فيه منتقديه بالقول إن «الذين يتساءلون عن فوائد الاتفاق النووي، هذه هي إحداها»، فيما اعتبر بيان الخارجية أن انتهاء الحظر على إيران «بشكل حتمي، ومن دون قيد أو شرط، هو أحد إبداعات الاتفاق النووي». وبغضّ النظر عمّا إن كان هذا التوصيف دقيقاً أم لا، فإن مجمل المحلّلين داخل إيران يُجمعون على أن البلاد ستدخل مرحلة جديدة بسقوط مظلّة حظر التسلّح التي فُرضت عليها طوال العشر سنوات الماضية، إذ تتوقّع صحيفة «جام جم» التابعة لهيئة الإذاعة والتلفزيون أن «يعطي إلغاء الحظر التسليحي دفعة قوية لتطوير الصناعات الدفاعية بشكل أكبر، والتي تشمل اليوم تصنيع الصواريخ والمسيّرات والدبابات وحتى المقاتلات»، فيما أكدت صحيفة «جوان» الأصولية أن «بعض الأسلحة الإيرانية كان لها وجود فعّال أثناء قتال الجماعة الإرهابية في العراق وسوريا، ومع رفع هذه العقوبات ستتاح لهذه الأسلحة فرصة أكبر للتحرّك في المنطقة».
هذا على صعيد البيع، أمّا في ما يتعلّق بالشراء، فلم تكفّ إيران ولا شركاؤها في روسيا والصين، خلال الأسابيع الماضية، عن إرسال إشارات إلى إمكانية عقد صفقات سلاح مختلفة بين موسكو وطهران، أو بين هذه الأخيرة وبكين. لكن لا يُعلم متى يكون موعد هذه الصفقات، خصوصاً في ظلّ تهديد وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، أمس، بـ”فرض عقوبات على أيّ فرد أو كيان يساهم في توريد أو بيع أو نقل أسلحة من وإلى إيران”، مستنداً في ذلك إلى تفسير بلاده الخاص لنتيجة تفعيل آلية “سناب باك”، ومفاده أن “عقوبات مجلس الأمن المفروضة على إيران قبل القرار الدولي 2231، عادت تلقائياً في 20 أيلول/ سبتمبر الماضي”، ما ينبئ بأن الولايات المتحدة جادّة في استخدام سطوتها المالية العالمية لوضع العصيّ في دواليب أيّ صفقة تسلّح من وإلى إيران، الأمر الذي يقود إلى التساؤل عن خيارات الأخيرة لتثبيت حقها في هذا المجال، لاسيما مع استباق الخارجية الإيرانية الموقف الأميركي بالتأكيد أن “طهران تحتفظ بحقها في اتخاذ الإجراءات اللازمة لتأمين مصالحها الوطنية ضدّ أيّ إجراء يتعارض مع مضمون القرار 2231”.
الاخبار