مجلة وفاء wafaamagazine
كتبت الراي” الكويتية”: لم تكن عقاربُ السّاعةِ وحدها هي التي عادتْ إلى الوراء أمس، مُدَشِّنَةً التوقيت الشتوي، فالزمن اللبناني كلّه بدا وكأنه يدور دورةً كاملةً رجوعاً إلى ما قبل عامٍ حين انفجرتْ الأرضُ بمَن عليها من طبقةٍ سياسيةٍ دَهَمَتْها انتفاضةُ 17 أكتوبر 2019 التي استقالَ باسم صوتِها الهادِرِ الرئيس سعد الحريري لتتشكّل حكومةُ “نصف لبنان” (برئاسة حسان دياب) التي تَمَثَّلتْ مكوّناتُ «اللون الواحد» فيها «بالوكالة» عبر وزراء اختصاصيين والتي أطاح بها عَصْفُ «بيروتشيما» ليجد زعيم ««تيار المستقبل» نفسه يتلقّف مجدداً «كرة النار» المالية – الاقتصادية مُحاوِلاً هذه المَرّة صدّ «الهدف القاتِل» بـ«قفازاتِ» المبادرةِ الفرنسية وبـ«قفْزاتٍ» إلى الوراء، ولو تكتياً، من ««حزب الله» يُراد النَفاذ منها لمحاولة استيلاد حكومة «الفرصة الأخيرة».
ومع إطلاق الحريري غداة تكليفه (الخميس) ترؤسَ الحكومةِ أول جولةٍ من مشاوراتِ التأليف التي تَوّجها أمس بلقاءٍ «مطوّل وإيجابي» مع رئيس الجمهورية ميشال عون، بدتْ بيروت وكأنها تستعيدُ كلّ «طقوس» مساراتِ التشكيل، في الشكل والمضمون، وسط «بورصةٍ» مألوفةٍ تتقلّب فيها أسهمُ التفاؤلِ والتشاؤلِ بقرب استيلاد الحكومة، و«شيفرةٍ» مُكرَّرة بعنوان «المعايير الموحَّدة»، وقطبٍ مَخْفية تتحكّم بحساباتِ الأطراف الوازنة في مقاربتها مجمل الملف الحكومي وخيوط المرونة والتشدّد فيه.
ومن خلْف مناخات التفاؤل التي جرى ضخّها أمس وراوحتْ بين أن الحكومة الجديدة قد تولد الأسبوع المقبل أو في غضون عشرة أيام كحدّ أقصى، فإن أوساطاً واسعة الاطلاع حاذرتْ الإفراطَ في الإيجابية حيال مسار التأليف بانتظار تركيب كامل قِطع «البازل» الحكومي، بدءاً من حجم الحكومة التي يفضّلها الحريري مصغرة من 14 وزيراً فيما يحبّذ فريق رئيس الجمهورية و ««حزب الله» أن تكون من 24، مروراً بما إذا كان عون و ««التيار الوطني الحر» (برئاسة جبران باسيل) سلّموا بحكومة من اختصاصيين لا تضمّ أي «كوتا» من السياسيين غير الحزبيين وفق ما يصرّ الرئيس المكلف، وليس انتهاءً بمَن سيسمّي الوزراء الاختصاصيين، وحدود المداورة في الحقائب وهل يقبل باسيل بأن لا يُعامَل بمثل ما أعطي الثنائي الشيعي ««حزب الله» – رئيس البرلمان نبيه بري لجهة الاحتفاظ بحقيبة المال.
ودعت الأوساط إلى تَرَقُّب ما بعد «إعلان النيات» بتسهيل مهمة الحريري من كل الأطراف، خصوصاً الذين لم يسمّوه وتحديداً «التيار الحر» و ««حزب الله»، معتبرة أنه بصرف النظر عما ستشهده الأيام المقبلة من «صعود وهبوط»، فإن عملية التشكيل تبقى محكومةً بعنصريْن يصعب إدارة الظهر لهما، أوّلهما خارجي والثاني داخلي، ومن شأنهما أن يفضيا إلى سيناريو يبقى الأكثر ترجيحاً، وفق الآتي:
أن الحريري يخوض مسارَ التأليف كما فَعَلَ في التكليف، وكأن في ظهْره كاسحة الألغام الفرنسية المدعومة من واشنطن، والتي تجعل مَن يعطّل مهمّته بقيامِ حكومةِ اختصاصيين تضع قطار الإصلاحات على السكة، في مواجهةٍ مباشرة مع الرئيس إيمانويل ماكرون ومن ورائه عصا العقوبات الأميركية التي تشكّل «كابِحاً» لأي منحى «تفجيري» للمبادرة الفرنسية وفي الوقت نفسه «خط دفاع» يركن إليه زعيم «المستقبل» بوجه أي ضغوط لفرْض تَراجُعاتٍ عليه في شكل الحكومة وتوازناتها من النوع الذي من شأنه أن «يحرقه» ويطيح واقعياً بآخِر «طوق نجاة» ممكن قبل الاصطدام الكبير بالقعر المالي – الاقتصادي.
أن ««حزب الله» الذي يفضّل حكومةً برئاسة الحريري بحيث يتفادى «كأس» تَحَمُّل تبعة الانهيار الكبير الذي سيجعل الحزب يواجه العبء الثقيل بتكوين «شبكة أمانٍ» لبيئته الحاضنة، لا قدرة له عليها، سيقوم بما يلْزم لتسهيل التأليف ضمن حدود عدم إطلاق يديْ زعيم «المستقبل» في الملف الاقتصادي وتحديداً في مرتكزات الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، ومع الاتكاء لضمانِ التوازنات السياسية في الحكومة على شروط حلفائه، من دون أن يُعرف كيف سيتم إيجاد مَخْرج للبيان الوزاري وهل تحتمل العين الحمراء الدولية تضمينه مجدداً «غطاءً» لسلاح ««حزب الله».
وبين هذين الحدّيْن، ينطلق التأليف الذي يُرجّح أن يصل إلى صيغةٍ توافقية تفرضها ضروراتُ مراعاة قواعد اللعبة الداخلية وتدوير زوايا الشروط، تقوم على حكومة اختصاصيين من غير الحزبيين تتولى القوى السياسية تسميتهم من ضمن آليةٍ تراوح بين أن تطرح هذه القوى أسماء في لوائح يختار منها الحريري، وبين أن يتولّى الأخير اختيار أسماء يعرضها على رئيس الجمهورية للمناقشة وإبداء الرأي على أن يكون مستعداً لاستبدال الاسم الذي لا يتم التوافق عليه.
وإذ تشكل الصيغةُ الثانية خياراً يُبْقي مفتاح التسمية في جيْب الحريري و«القفل» في جيوب القوى السياسية في ما يشبه «الحل الوسط» الذي يُظْهِر الرئيس المكلف منتصراً وشركاؤه في الحكومة غير مهزومين، ترى الأوساط المطلعة أن اليومين المقبليْن سيكونان كفيلان بتظهير المنحى الفعلي لمسار التأليف، وسط رصْدٍ حقيقي لما إذا كان «التيار الحر» سيذهب في لعبة «المعايير الموحّدة» إلى التصلب في الاحتفاظ بحقائبه خصوصاً الطاقة التي تُعتبر حجر الزاوية في المسار الإصلاحي، ورصْدٍ لا يقلّ أهمية للهامش الذي سيرسمه الحريري لحركته السريعة التي يريد من خلالها تلافي الانجرار إلى تجارب سابقة من الانخراط في بازارات مع القوى السياسية «بالمفرّق» محاولاً ترْك عملية التشاور ما أمكن مع رئيس الجمهورية وفق الدستور.
ولم يكن عابراً وفق هذه الأوساط، اندفاع واشنطن بعيد تكليف الحريري مذكّرة بخطوطها الحمر حيال الواقع اللبناني، بدءاً من تأكيد مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شينكر «أننا سنواصل فرض العقوبات على (حزب الله) وحلفائه اللبنانيين والمتورطين في الفساد»، مروراً بفرض الخزانة الأميركية عقوبات على العضوين في المجلس المركزي لـ ««حزب الله» نبيل قاووق وحسن بغدادي وليس انتهاءً بعرْض الولايات المتحدة مكافأة مالية تصل إلى 10 ملايين دولار للحصول على معلومات عن 3 من ««حزب الله» هم محمد جعفر قصير ومحمد قاسم البزال وعلي قصير.