مجلة وفاء wafaamagazine
في مقال طويل ومفصّل يسرد السفير الأميركي السابق فريديرك هوف، للمرة الأولى تفاصيل الوساطة التي قادها بينَ لبنان و«إسرائيل» بشأن ترسيم الحدود، ليصِل في خاتمته الى الإقرار بفشل الاقتراح «الإنجاز» الذي يعود الفضل فيه للخبير الأميركي راي ميليفسكي، وليسَ لهلأول مرّة، يخرج السفير الأميركي السابِق فريدريك هوف ليسرُد مسار الوساطة التي توّلاها – بطلب من السفيرة الأميركية السابقة في بيروت مورا كونيلّي – لترسيم الحدود البحرية بين لبنان وفلسطين المحتلة، بينَ عاميّ 2010 و2012، وأسرار ما يُعرف بـ«خط هوف». المقال الذي كتبه الوسيط الأميركي في مجلة «نيوز لاين» كانَ لافتاً لجهة التوقيت، خاصة مع تعليق المفاوضات التي بدأت في الناقورة (بتاريخ 14 تشرين الأول الماضي)، نتيجة طرح لبنان لخطوط جديدة تعتمِد على خرائط تؤكّد حقّه بأكثر ممّا كانَ يريد الأميركيون «إعطاءه». فواشنطن لا تزال متمسكة بعرضها للتسوية المبنية على «خط هوف» الذي كشف الأخير أنه لم يكن من بنات أفكاره، بل من اقتراح الخبير الأميركي في الحدود البرية والبحرية راي ميليفسكي.
بالتفاصيل والأسماء ذكَر هوف، الذي «كانَ مشغولاً بمحاولة التوسّط من أجل السلام بين سوريا وإسرائيل»، أدوار طرفيْ التفاوض (لبنان والعدو)، وكيفية التوصل إلى صيغة 55 في المئة للبنان مقابل 45 في المئة لـ «إسرائيل»، وكيف تعامَل الجانبان مع هذا الطرح. ليتضح في نهاية المقال أن الهدف منه هو الإقرار بفشل الوساطة الأميركية التي قادها.
يقول هوف إن «كونيلّي طلبت إليه مساعدة الجانبين في التوصل الى خطّ واحد يقسم بين مناطقهما الاقتصادية الخالصة، خط واحد يرفعه كل منهما بشكل منفصل إلى الأمم المتحدة، لتفادي أي توتّرات». يُشير هوف إلى أن المهمّة الأولى بالنسبة إليه كانت «التأكد من أن لبنان وإسرائيل يريدان هذه الوساطة في حلّ النزاع»، وأن «لبنان رحّب به كوسيط، لكن الأمر في تل أبيب كانَ اكثر تعقيداً». أما المهمّة الثانية، فكانت «تشكيل فريق خبير بالنزاعات البحرية وتسويتها، وقد نجحت في تجنيد الرائد ميلفيسكي الذي أوصل هذه الوساطة الى حافة النجاح»، بينما المهمّة الثالثة هي «إقامة ثقة مع كلَي الجانبين، وهو ما احتاج الى رحلات متعددة بين بيروت والقدس».
هوف الذي أشاد بقيادة الطرفين و«تفوّقهما المنهجي»، لفت إلى أن الوساطة بدأت مع تولّي سعد الحريري رئاسة الوزراء، وأن الأخير عيّن مستشاره للسياسة الخارجية الوزير الراحل محمد شطح»، الذي وصفه هوف بالـ«الودود والصارم في الدفاع عن حقوق لبنان» ليكون أرفع جهة حكومية تتابع الملف. وذكر هوف أن شطح اقترح أن «توزع عائدات النفط على كل لبناني بالغ، لأن المنظومة الحاكمة ستسرقها في المستقبل»، معتبراً أن «هذا ما أدى إلى اغتياله».
وبعد تولّي الرئيس نجيب ميقاتي رئاسة الحكومة عام 2011 «كانَ نظيري هو جو عيسى الخوري الذي لم يكُن خبيراً في الخلافات البحرية، لكنه محاور رائع ساهم في وصول الوساطة الى خواتيمها» يقول هوف، الذي تحدث أيضاً عن دور كل من اللواء الركن عبد الرحمن شحيتلي ونائب رئيس الأركان العميد الركن جوزف سركيس، معتبراً أنهم «فريق مهني وقانوني أثار إعجابنا خلال اللقاءات التي جمعتنا». وبالوصف ذاته تناول هوف الفريق الإسرائيلي الذي كانَ يقوده «السفير عوديد عيران الذي عمل سفيراً لإسرائيل في الأردن والاتحاد الأوروبي».
في المقال نفسه، اعتبر هوف أن «جهودنا لم تكُن لتنطلق لو عارضها حزب الله»، مستعيداً كلاماً للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله قال فيه إن «على الحكومة اللبنانية أن تمارس كل الوسائل الدبلوماسية والقانونية لحماية حقوقها في المنطقة الاقتصادية الخالصة»، وأن كلامه «لم يحمِل أي تهديد أو عنف».
ثم يعود هوف إلى عرض ما قامَ به ميليفسكي، الذي يظهر أنه هو صاحب فكرة الخط الذي يقسم المنطقة «المتنازع عليها» عند الحدود البحرية الجنوبية التي تمتدّ على مساحة 866 كيلومتراً مربعاً، ويعطي لبنان نحو 500 كيلومتر مربع، مقابل نحو 360 كيلومتراً مربعاً لـ«إسرائيل». يشرح هوف رأي ميليفسكي الذي اعتبر أن «لا صيغة واحدة يُمكن أن تناسب طرفي النزاع»، وأنه «كانَ حائراً لجهة ما يجب أن يقترحه، لأن الطرفين دافعا عن فكرتيهما بإصرار». لذا «أجرى ميليفسكي عملية حسابية ورسم خطاً محدداً، لتجنّب الجدل حول الطرف الذي يمتلك الصخور عند قاعدة منحدر رأس الناقورة – روش ها نيكرا، وهي منطقة لم تُمسح مطلقاً لأغراض ترسيم الحدود أو خط الهدنة أو الخط الأزرق، بل بدأ برسم خطه على بعد 3 أميال (4.82803 كيلومترات) من الشاطئ». وقد تقاطع خط ميليفسكي مع الخط القبرصي بنسبة 60 في المئة نزولاً من التقاطع الإسرائيلي – القبرصي، وصولاً إلى التقاطع اللبناني – القبرصي، وترك نسبة ما يزيد على 55 في المئة للبنان».
هذه الفكرة كانت أكثر «جاذبية» بحسب هوف من اقتراح تقاسم المنطقة مناصفة، مشيراً إلى أن «اسرائيل كانت مستعدة للقبول بخط التسوية بشرط قبول لبنان، لكن قبول الأخير هو الإشكالية». وأضاف هوف أن «الرئيس ميقاتي كانَ يودّ أن يقول نعم، لكن لفت إلى أنه يحتاج الى إجماع وزاري، طالباً إثارة الموضوع مع عدد من الأطراف السياسيين الذين لم يعارضوا»، كما طلب «إحاطة فريق المعارضة آنذاك برئاسة الحريري، ولم يكُن هناك من اعتراضات سوى أن الرئيس فؤاد السنيورة أصرّ على أن تكون الأمم المتحدة هي الوسيط»، لكننا أجبنا بأن «قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل) ليس لها دور في الشؤون البحرية خارج المياه الإقليمية» (المنطقة البحرية الاقتصادية أوسع بأضعاف من المياه الإقليمية التي لا يتجاوز بُعد حدودها عن الشاطئ مسافة 12 ميلاً بحرياً).
وكشف هوف أن «ميقاتي لم يستشر الوزير جبران باسيل الذي كانَ يلقي خطابات تخلط بين المطالبة بالمنطقة الاقتصادية الخالصة في لبنان والحدود الوطنية، التي لا يمكن تعديلها إلا من قبل البرلمان. في النهاية اضطررت إلى إخبار الوزير باسيل في واشنطن بأن لبنان ليس له حدود وطنية مع جاره في الجنوب، وأن خط الفصل البحري الذي اقترحته الولايات المتحدة، مثل الخط الأزرق، سيكون مؤقتاً بطبيعته حتى يتفاوض لبنان وإسرائيل على الحدود وتطبيع العلاقات. أدرك باسيل وجهة نظري، وكان من الممكن أن يؤيد التسوية لو طرحها ميقاتي للتصويت في مجلس الوزراء، لكن هذا لم يحدث قط».
في نهاية المقال، وقبل إقراره بفشل الوساطة التي قادها، قال هوف إن «خط ميليفسكي وليس هوف لم يسجل أي اختراق رغم كل الجولات، لكن في النهاية المفاوضات انطلقت في مقر الأمم المتحدة، وهو ما رفضته إسرائيل طيلة سنوات».
الأخبار