مجلة وفاء wafaamagazine
ألقى العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، في حضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية: “عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بتقوى الله، بأن نستعيد ونحن في ذكرى وفاة السيدة الزهراء التي مرت علينا في الثالث عشر من شهر جمادى الأولى حزن علي، عندما وقف أمام جسدها الطاهر ودموعه تنهال من عينيه، قائلا: “السلام عليك يا رسول الله، عني وعن ابنتك النازلة في جوارك، والسريعة اللحاق بك، قل يا رسول الله عن صفيتك صبري، ورق عنها تجلدي، أما حزني فسرمد، وأما ليلي فمسهد، إلى أن يختار الله لي دارك التي أنت بها مقيم، وستنبئك ابنتك بتضافر أمتك على هضمها، فأحفها السؤال، واستخبرها الحال، هذا ولم يطل العهد، ولم يخل منك الذكر، والسلام عليكما سلام مودع، لا قال ولا سئم”.
وتابع: “إن تعبيرنا عن مشاعرنا اتجاه الزهراء يوم وفاتها وحزننا عليها لا يقف عند حدود ذرف الدموع، ولا بإقامة المجالس لها، رغم أهمية كل ذلك، ولكنه يكون عندما نتمثلها في عبادتها وفي حبها لرسول الله وفي أخلاقها وفي بذلها وعطائها وفي جرأتها في قول الحق ورفض الانحراف وفي حرصها على وحدة المسلمين، وأن لا تعبث بهم أيادي الفتنة. وبذلك نخلص للزهراء، ونبقيها حية في السلوك والعمل والمواقف، كما في المشاعر والأحاسيس، وبذلك نواجه كل التحديات…والبداية من لبنان، الذي ودع عاما كان الأقسى عليه، لتداعيات جائحة كورونا بعدما وصلت إلى أعداد قياسية وافتقاده القدرات الاستشفائية الكافية لمواجهتها، وفي التردي الذي وصل إليه على الصعيد المالي والاقتصادي والنقدي الذي أدى إلى الارتفاع المستمر لمعدلات البطالة ونسب الفقر وانخفاض القدرة الشرائية للمواطنين وازدياد الجريمة والآثار الكارثية للانفجار المروع الذي حصل في أهم مرفق حيوي فيه، على صعيد البشر والحجر، وعلى قدرة هذا المرفق على الاستمرار بالدور الذي كان يقوم به، وفي الحصار الذي تعرض له والعقوبات التي تفرض عليه. وقد جرى كل هذا في ظل طبقة سياسية أغرقت البلد بفسادها وعجزها واستهتارها بمقدراته وجعلته رهينة الخارج وفي مصاف الدول الفاشلة التي تحتاج إلى من يديرها ويدير أمورها، والذي جعلها لا في مرمى اللبنانيين الذين انتفضوا عليها فحسب، بل في مرمى العالم حيث لم تتعرض أي طبقة سياسية لما تعرضت له من إهانات أو تأنيب أو تجريح منه”.
وأضاف: “إننا ونحن نستقبل عاما جديدا كلنا أمل أن يكون خيرا من ماضيه ولكننا نخشى أن الصورة التي رأيناها في العام السابق لن تتبدل بل قد تتفاقم على كل الصعد. حيث لا تزال الحكومة والمطلوب منها أن تقوم بدورها على مستوى إخراج البلد من أزماته عالقة بسبب الصراعات المستمرة بين القوى السياسية المعنية بالتأليف على الصلاحيات ومن يمسك بقرارها من غير أن يبدي أي منها تنازلا حتى لحساب الوطن… ولا يبدو أنه سيفرج عنها قريبا بل هناك من يتحدث أن لا حكومة في الوقت القريب، حيث الحديث إن الملف الحكومي قد وضع على رف الانتظار وأن ذلك قد يكون طويلا وبلا سقف زمني محدد وقد تستمر حكومة تصريف الأعمال إلى نهاية العهد وكأن لبنان بخير والناس ينتظرون وليس هناك من أجواء محمومة في المنطقة قد تنعكس على لبنان وقد يكون أبرز المتأثرين بها. إننا لا نريد من خلال ذلك أن نثير التشاؤم لدى اللبنانيين، ولسنا مع منطق التشاؤم، لكننا ندعوهم من خلال ذلك إلى القيام بمسؤوليتهم، فهم قادرون على أن يخرجوا من كل واقعهم وأن يعيدوا تصويب المسار عندما يخرجون من عقلية التبعية ومن عقلية الخوف بأن يرفعوا أصواتهم في وجه كل هؤلاء الذين يتلاعبون بمصيرهم ومستقبلهم ومستقبل أولادهم.. إننا نرى أن الصورة ستنقلب إن شعر من هم في الواقع السياسي أنهم أمام شعب لا يجامل ولا يداري لحسابات خاصة، بل يراقب ويدقق ويحاسب.. إننا نجدد التأكيد أن مشكلة لبنان ستبقى في العقلية التي لا تزال تحكم البلد، عقلية المحاصصة والحسابات الخاصة والارتهان للخارج بدلا من العمل لحساب الوطن وإنسانه، ولا سبيل لإخراج البلد من معاناته إلا بالخروج منها”.
وعلى الصعيد الصحي، قال: “في ظل الارتفاع المتزايد لأعداد المصابين بجائحة كورونا والتي لامست الأربعة آلاف ونخشى أن تكشف الأيام المقبلة عن أعداد أكثر نحذر المواطنين من الكارثة التي ستحصل إن استمر هذا الانهيار على هذا الصعيد بعدما أصبح واضحا عدم قدرة المستشفيات على استيعاب أعداد إضافية. لذلك ندعو مجددا المواطنين إلى ضرورة الالتزام والتقيد بإجراءات الوقاية وفي الوقت نفسه ندعو الدولة إلى التشدد في إجراءات الرقابة وتعزيز قدرة المستشفيات لاستيعاب الأعداد المتزايدة من المصابين وفي الوقت نفسه طرق كل الأبواب لإيجاد اللقاح لكل المواطنين”.
وعلى صعيد المنطقة، قال: “شهدنا في العام الفائت الانحدار الذي وصل إليه الواقع العربي بعد التطبيع مع العدو الصهيوني من قبل بعض الدول العربية ونخشى أن يتوسع رغم أن هذا العدو لا يزال يحتل أرضا عربية ويستوطن فلسطين ويحاصر شعبها ويتهدد بلادا عربية ويمارس عدوانه عليها، كما حصل في سوريا أخيرا أو في التهديدات للبنان وخرق بره وبحره وجوه..”.
وختم فضل الله: “إننا سنبقى نراهن في ذلك على وعي الشعب الفلسطيني الذي يثبت في كل يوم أنه لن يرضى بالذل والهوان، وعلى الشعوب العربية التي إن رضت حكوماتها بالتطبيع فهي لن ترضى به لا عاجلا ولا آجلا انطلاقا من قيمها ومبادئها ودينها..”.