الرئيسية / مقابلات / القاضي ثريا الصلح : فلتكن حياتنا عبارة عن لوحة جميلة | وفاء بيضون

القاضي ثريا الصلح : فلتكن حياتنا عبارة عن لوحة جميلة | وفاء بيضون

حاورتها وفاء بيضون

هي إنسانة عاطفية جدا ، سكون شخصيتها جعلها متميزة تنتقي خطواتها بهدوء ، تغدق علينا بريشة احساسها شعلة الحب في فضاءات الوجدان ، وأبجدية التأمل ، وإحقاق الحق والعدالة ، عطاء بلا حدود ، متصالحة مع ذاتها ،  فهي تحيا بالحب ، نظرتها الى الاخر والى الغد نظرة الارتقاء بالايجابية نحو الأفضل ، تتصرف برقي وعفوية مطلقة ، قاضي يغرد خارج السرب

هي قاضي أصيل في مجلس شورى الدولة ، واستاذة محاضرة في الجامعة اليسوعية في بيروت ، وفي دبي وفي المعهد الوطني للإدارة ، وفي معهد المحامين المتدرجين

وهي الكاتبة  صدر لها كتاب وجدانيات وتأملات ” أنا وأنتَ وقهوتي ” الصادر عن دار الفارابي  تعتبر نفسها لا تكتب الشعر ، إنما أراء وأفكار بإسلوب سلس  بعيدا عن السرد الممل 

هي مزيج من صفات وخصال تصنف من ارفع  مراتب المثل والمبادئ الإنسانية  تجمعت في شخص إنسان  يرى عبر حكمته وحلمه وقوة بصيرته  العدالة كهدف وغاية من بوابة الرحمة والتسامح ، دائمة الابتسامة ، متألقة الحضور انها القاضي ثريا الصلح

منبرنا التقاها وكان لنا هذا اللقاء الشيق والجميل

_بداية ، كان  لا بد لنا من السؤال للقاضي الصلح عن كيف ولماذا اختارت  القضاء وكيف تبلور لديها هذا الخيار الدقيق والحساس قالت :

القضاء كلمة بمضمونها تتحرى مواطن الحق كي يشاد على اساسها بنيان العدالة ، تقال دون اي مواربة او محاباة او مجاملة ، وهذا بالنسبة لي الجوهر الأساس ، فأنا منذ  الصغر لم أمر بمراحل  المراهقة كالآخرين ، طفولتي كانت مسؤولة ، وما يختلج في داخلي هو بحثي الدائم عن الحقيقة اي ” الحق ” المشتق منها .

في الحياة لا أتعامل على مبدأ المصالح ، مجمل علاقاتي مبنية على الصدق والاحترام المتبادل ، دائما اواصل البحث لمعرفة وكشف الحقائق .

 بداية مطالعاتي كانت الكتب الدينية لأحدد هويتي كإنسانة ، لأجل ذلك تلاحظين أن الله موجود  في أغلب كتاباتي والدتي كانت تحب ان تراني طبيبة ، لكنني لم أوفق في مباريات الطب ، فاتجهت نحو دراسة الحقوق ، خلال سنوات الدراسة لم يكن يجول في خاطري إطلاقاً التوجه نحو القضاء  ، لكن ذاك الشعور الدفين  ، والاتجاه الفطري بداخلي الباحث دوما عن تحقيق الحق و العدالة جعلني أنحو اتجاه  هذا الخيار  .

_ كل من يعرفها يشعر برقتها وعذوبتها التي تمتلىء بها شخصيتها من هنا كان السؤال ، ماذا أضاف او ماذا غيّر روح القضاء في روح ثريا الصلح ، وما هي المقومات التي تستندين إليها في الكلمة الفصل من كل قضية على مختلف محتواها؟

أجابت :

إن شعوري بالمسؤولية عالٍ جدا ، والقضاء جعل هذا الشعور  يتنامى ويتكاثر أكثر فأكثر ، لأن القاضي مؤتمن على حقوق الناس المنصفة امام القوانين ذات الشان ،  لذا وجب عليه اليقظة والمسؤولية العالية في التعامل مع الملفات والحلول  ، في الوقت ذاته أزددت حكمة أكثر ، خاصة في قضاء مجلس  شورى الدولة ، لان القضاء هناك يختلف عن القضاء العدلي ، حيث يوجد  حيز في القضاء الاداري  يُجيز للقاضي الاجتهاد فيه ، وهذا الاجتهاد يزيد من الحكمة ،  والتي هي موجودة في الاصل  لكنها ازدادت لدي بشق الحقوق الإدارية

_ثرياالصلح أين تجد نفسها أكثر قاضي أصيل ، المحاضرة الجامعية ، ام الكاتبة وماذا عن نزاهة القضاء قالت :

في القضاء أنا لا أملك الحرية المطلقة لانني أمام مسؤولية كبرى ملقاة على عاتقي فأنا  أدخل على القانون من بعد نزاع  حاصل على قضية او عدة نزاعات اخرى ودعاوى مرفوعة   من قبل أشخاص  لإصدار الحكم ، كذلك الأمر بالنسبة لتدريسي مادة القانون الإداري  في الجامعة لا أشعر بحريتي    لانني ايضا امام مسؤولية  إيصال هذه المادة بكل مهنية  ، فمهمة المحاضِر تكمن في كيفية استقطاب الطلاب دون تكلف

أما في ما يتعلق بالكتابة أشعر بأنني حرة طليقة أغرد في  فضاء واسع لا حدود له ، ففي الكتابة شمولية لا تتواجد في القضاء ولا في التعليم

حريتي تكمن باختياري ما أريد من المواضيع ، فكل ما يلامس إحساسي أجسده أبجدية على الورق ، حيث لا قيود سوى عدم خدش الحياء ، وكوني قاضٍ اتحفظ على الدخول في المواضيع السياسية عدا ذلك انا أملك الحرية المطلقة في كتابة ما أريد ومقاربة او معالجة اي موضوع من زواياه المناسبة ، هنا أقول بين مزدوجين ( الإحساس هو محصلة العقل والقلب ) أكتب دون تكلّف في الصياغة بطريقة سهلة وجُل ما يهمني هو إيصال المعنى للقارئ دون عناء  ، أما بالنسبة لنزاهة القضاء فالجسم القضائي نظيف جدا والقضاء بألف خير ، رغم كل ما يقال وما يشاع  عنه

هناك الكثيرين من القضاة  يجافيهم النوم ، ويعيشون حالة قلق بسبب الملفات التي بين ايديهم وبسبب إئتمانهم على  حقوق الناس .

_ أما كيف توجهت القاضي الصلح للكتابة ولمن تكتب ؟ ولماذا يطغى على مجمل كتاباتها الوجدانيات حيث  الجانب الروحي متأصل بمفردات نصوصها  ودعوتها الدائمة الى المحبة والمسالمة  ؟ ومفهوم الحب لديها تحدثت :

كتابي ” أنا وأنت وقهوتي ” الصادر عن دار الفارابي وجدانيات وتأملات  رفضت أن  يصنف شعر ، ولدي كتاب ثانٍ سيصدر عما قريب عن دار النهضة العربية تحت عنوان ” وفجأة نمضي .. كأننا لم نكن ” هو نفس الأسلوب تأملات ووجدانيات ، تكمن أهمية الشعر  في غزارة الصور الشعرية والخيالية في الشعر الحداثوي  . بالنسبة لي الشعر ترف  ، ومن منطلق ما أراه  وما نعانيه من أزمات متتالية في مجتمعنا ، برأيي واقعنا ليس بحاجة الى الشعر بقدر ما هو بحاجة إلى أفكار تُشخص الأزمات وتقترح الحلول .  لدينا أولويات ، عندما أمسكت القلم وشرعت في الكتابة لأنقل الواقع الذي نعيشه على كافة الأصعدة ، حاولت الإضاءة على جوهر الأزمة ، ولكي اوجه رسالة الوعي لاننا عندما نتحصن بالوعي ، ومفهوم القيم العليا نتوجه بمجتمعنا نحو الأفضل ، من هذا المنطلق كان رفضي لكتابة الشعر ، ولو أن بعض الخواطر التي كتبتها فيها خيال وصور شعرية ، لكن جُل كتاباتي فكر، تنتمي الى المدرسة القرآنية

_ وفي الختام كان لا بد من طرح سؤال يتعلق بها كإمرأة وإن كانت قد واجهت صعوبات او تحديات تحدّ من تقدمها ونجاحها ، وكيف تصنف  وضع المرأة اللبنانية  ورأيها  ؟ قالت :

بالنسبة لي لم تعترضني ايُّ صعوبات فمنذ البداية وانا اتعامل مع الحياة بمسؤولية كبرى ، ملتزمة بما يتطلبه مني المجتمع ، ومحافظة على المبادئ والقيم  ، بل احيانا اعلن التمرد على بعض الامور التي لا تنسجم مع روحي وهي من الاخطاء الشائعة في مجتمعنا كنظرة المجتمع الى المرأة التي لم تتزوج بسن مبكر على انها عانس وغيرها من الامور المشابهة

المرأة اللبنانية وضعها ممتاز جدا ، وهي  موجودة وحاضرة  وتحتل المناصب في مختلف الميادين والمحافل الإجتماعية والثقافية والتربوية وغيرها

اما في موضوع المرأة والسياسة لا أعلم الى أي مدى المرأة والسياسة ينسجمان ، لا أحبذ الكلام كثيرا في هذا الموضوع لانه برأي هو بحاجة الى دارسة واعية

 يجب على المرأة ان تعمل دائما على تطوير ذاتها وأن تكون هي من يشكل قوة الدعم لذاتها لتصبح قوة قادرة تفرض نفسها بالشكل الصحيح السليم وتصبح ركيزة أساس لكل محيطها ، عليها ان تُحسن قرارها وخيارها خاصة في موضوع الارتباط وتكوين الأسرة ، وكل ما نراه من جرائم قتل بحقها هو ليس وليد الساعة وجزء منه يلقى على عاتقها وعلى عاتق الاهل والاسرة ، وخيار الزواج الخاطئ  كذلك أرجحه إلى قلة الوعي  لان الزواج شراكة في الحياة وهو عبارة عن تسوية متبادلة لأجل إنشاء أسرة ، قوامها المحبة والحب فبثقافة الحياة نبني مجتمع أفضل 

ختاماً فلتكن حياتنا عبارة عن لوحة جميلة ملونة بالثقافة والمحبة والتفاني والرقي فتلك الألوان ثابتة وتجسد أرقى الصور  .

محكمة