مجلة وفاء wafaamagazine
اعتبر الرئيس فؤاد السنيورة، في حوار مع قناة “الحدث” من محطة “العربية”، أن “ما طالعتنا به قناة العالم من انتقاد قاس لغبطة البطريرك أمر مستهجن وغير مسبوق في التخاطب مع المرجعيات الروحية في لبنان، وهو تهجم مثير للتساؤل حول الدوافع الحقيقية من ورائه، ولاسيما أن هذه القناة درجت على أن تكون القناة التلفزيونية التي تمثل النظام الإيراني والحرس الثوري الإيراني”.
وسأل: “هل ما ساقته يمثل رأي الإدارة السياسية الإيرانية؟ لذلك، فإن الأمر يستدعي توضيحا من قبل إيران، ولاسيما أنها وجهت تهما صارخة بالخيانة لغبطة البطريرك، الذي هو أيضا كاردينال في الكنيسة الكاثوليكية، وذلك جريا على عادة حزب الله والنظام الإيراني في أن كل من لا يوافقهما الرأي أو لا يوافق السياسات الإيرانية، فإن الردود تكون بتوجيه التهمة الجاهزة، وهي تهمة العمالة لإسرائيل”.
ورأى أن “الأمر الذي يثير الاستهجان والشكوك في هذا الشأن، أن هذه الاتهامات التي ساقتها قناة العالم جرى توجيهها بالتوازي مع حدثين أساسيين: أولا، على الصعيد اللبناني، انه تجري الآن محاولة من قبل حزب الله لاستعادة إجراء الحوار بين البطريركية المارونية، وهو الحوار الذي توقف منذ 7 سنوات، وذلك في محاولة منه للتهدئة، وهي بالمناسبة محاولات لم تسفر عن شيء في الماضي. وثانيا، على الصعيد الإقليمي، أن هذا التهجم يجري بالتوازي مع زيارة قداسة البابا التاريخية إلى العراق. فقداسة البابا سوف يلتقي العراقيين المسيحيين، ويلتقي أركان الدولة العراقية، ويتوجه من هناك بجملة من الرسائل للعراقيين وللعرب وكذلك للعالم. وهي الرسائل المبنية على التأكيد على أهمية العيش المشترك الإسلامي- المسيحي في العراق وفي الشرق الأوسط، وعلى أهمية التأكيد على العيش معا وقبول الآخر المختلف لدى جميع الطوائف. وقداسة البابا بذلك يحمل معه رسالتي الرحمة والمحبة. هذا فضلا عن أن هذه الزيارة لقداسته ستشمل السيد علي السيستاني في النجف. والسيد السيستاني بالمناسبة يمثل المرجعية الشيعية التي لا تؤمن بنظرية ولاية الفقيه العابرة للحدود السياسية. إذ أن السيد السيستاني يؤكد عمليا أهمية الالتزام باحترام الدولة الوطنية. هذه الزيارة المرتقبة لقداسته للسيد السيستاني سوف تشمل توقيع الوثيقة ما بين الكرسي البابوي وهذه المرجعية الشيعية، وهي وثيقة الاخوة الإنسانية، هذه الوثيقة كانت قد وقعت في العام 2018 ما بين قداسة البابا فرنسيس وما بين فضيلة شيخ جامع الأزهر الدكتور أحمد الطيب. ولذا، فإن هذه الزيارة تكتسب أهمية كبرى كونها تدعم وتؤكد العيش المشترك في العراق وفي المنطقة العربية، وتلاقي الديانتين الإسلامية والمسيحية، وكذلك الديانات الإبراهيمية السماوية”.
وسأل: “كيف يمكن التوفيق بين هذه الاتهامات التي أطلقتها قناة العالم الإيرانية، وبين هذه التطورات والمتغيرات ما لم تكن هذه التهجمات تعبر فعليا عن الرأي السائد لدى الإدارة السياسية الإيرانية، وهو ما يعني أن موقفها يعاكس هذه الزيارة التاريخية التي يقوم بها قداسة البابا للعراق، وأنها بالتالي تريد أن تعبر عن رفضها لهذا التوقيع على وثيقة الاخوة الإنسانية، وهذا بحد ذاته أمر خطير. لهذا، أرى أن على الدولة الإيرانية أن تبادر إلى الاعتذار من غبطة البطريرك، وأن تصحح توجهها في هذا الشأن، لأن هذا التهجم مرفوض ومدان، ولا يتفق مع هذه الزيارة التاريخية التي يقوم بها قداسة البابا إلى العراق ولا هو الأسلوب أو الطريقة التي يعامل بها غبطته”.
وردا على سؤال، قال السنيورة: “لبنان يقاسي الامرين منذ سنوات من ازدواجية السلطة فيه، وتحديدا من تسلط حزب الله على الدولة اللبنانية. وان سلاح حزب الله كان قد حصل على قبول مبدئي لدى اللبنانيين خلال مرحلة الاحتلال الإسرائيلي للبنان، وذلك من أجل مقاومة العدو الإسرائيلي، وذلك حتى تحقيق انسحاب إسرائيل من لبنان. ولذلك، وبعد انسحاب العدو الإسرائيلي من جنوب لبنان في العام 2000، تحولت هذه البندقية التابعة لحزب الله، والتي تأتمر- كما يقول السيد حسن نصر الله- بأوامر الدولة الإيرانية والحرس الثوري الإيراني، لتصبح موجهة إلى صدور اللبنانيين. وبعد ذلك، تحول هذا السلاح ليستعمل في توجيهه إلى صدور السوريين والعراقيين واليمنيين وغيرهم. وهذا الوضع لا يمكن ان يستقيم لأنه أصبح مصدر تهديد للسلم الأهلي في لبنان، ويؤدي إلى اختلال كبير في التوازنات الدقيقة، إضافة إلى أن هذا الوضع أصبح يهدد مصالح لبنان واللبنانيين في العالم وعلاقاتهم مع أشقائهم العرب ومع العالم. لا يمكن أن تكون هناك دولتان في دولة واحدة، ولا يمكن أن تقوم دويلة حزب الله بابتلاع الدولة اللبنانية كما هو جار الآن. وهذا ما أكد عليه غبطة البطريرك في موقفه الأخير يوم السبت الماضي”.
أضاف: “هذا الاختلال الكبير الذي يعاني منه اللبنانيون، أدى إلى هذا الانهيار الكبير الذي حصل في الثقة ما بين اللبنانيين من جهة، والدولة اللبنانية والحكومات ورئاسة الجمهورية من جهة ثانية، كون الدولة اللبنانية أصبحت فعليا خاضعة لتسلط حزب الله وتسلط الدولة الإيرانية. وهذا قد أدى إلى انهيار سياسي واقتصادي ومالي ومعيشي في لبنان، والى فقدان اللبنانيين الثقة بالمنظومة السياسية في لبنان. لذلك، وبعد أن يئس غبطة البطريرك من حصول أي تغيير لدى رئيس الجمهورية ولدى حزب الله في الأداء والمعالجات لإخراج لبنان من أزماته، فقد أطلق غبطته صرخته، وهي عبارة عن استغاثة حقيقية. وهو قد بادر في بادئ الأمر الى المطالبة بتحرير الدولة اللبنانية وبتطبيق ما جاء في الدستور اللبناني وفي وثيقة الوفاق الوطني من أجل تحييد لبنان عن الصراعات والمحاور الإقليمية، وهو ما جاء أيضا في إعلان بعبدا. كما كان يجري التطرق إلى مسألة التحييد أيضا في كل البيانات الوزارية منذ العام 2011، وذلك بشأن التأكيد على النأي بالنفس عن الصراعات والمحاور الإقليمية في المنطقة والتي يتأثر بها لبنان سلبا. ولذلك، فإنه وعندما لم ير البطريرك أي تجاوب في هذا الخصوص، وفي ضوء الأخطار الوجودية التي أصبح لبنان في خضمها، فقد اضطر غبطته إلى أن يطرح فكرة عقد مؤتمر دولي من أجل لبنان”.
وتابع: “برأيي، هذه ليست دعوة من أجل التدويل، وليست دعوة من أجل إخراج لبنان من التزاماته وانتمائه العربي، ولكنها دعوة من أجل التحفيز والدعوة إلى إيجاد حل لهذه المشكلات المستعصية. لأن هذا الوضع الخطير إذا استمر سوف يشكل خطرا وجوديا على لبنان. وهذا ما ألمح اليه غبطة البطريرك، وكذلك هو ما أشار إليه أيضا قداسة البابا في المؤتمر الصحافي الذي عقده في الثامن من شهر شباط الماضي بشأن المخاطر الوجودية الكبرى التي يتعرض لها لبنان، وبالتالي الضرورة الماسة لأجل إيجاد حلول حقيقية لها. وان ما أغنى فؤادنا نحن في لبنان في أن يصار الى عقد مؤتمر دولي لحل مشكلات لبنان، إذا كان بالإمكان ان يتجاوب حزب الله وأن يعود إلى لبنان بشروط لبنان، وذلك بأن يكون حزبا لبنانيا يحرص على احترام الدولة اللبنانية وعلى احترام سلطتها الكاملة على جميع الأراضي اللبنانية، وأن يكون السلاح الوحيد الموجود في لبنان هو سلاح الدولة اللبنانية”.
وأردف: “اللبنانيون أصبحوا على إدراك متزايد بمخاطر الآثار والتداعيات السلبية التي يتحملها لبنان بسبب إطباق حزب الله ومن ورائه إيران على الدولة اللبنانية. ولنأخذ مثالا على تلك المشكلات، وذلك بما يتعلق برفض رئيس الجمهورية التجاوب مع مطالبة اللبنانيين وموقف رئيس الحكومة المكلف لجهة ضرورة المسارعة إلى تأليف حكومة إنقاذ وطني من أصحاب الكفاءة المستقلين من غير الحزبيين. الحقيقة أن حزب الله الآن يتلطى وراء رئيس الجمهورية في الاستعصاء عن تأليف الحكومة، ولاسيما أن تأليف الحكومة يشكل الخطوة الأولى باتجاه التقدم نحو البدء بمعالجة المشكلات الكبرى التي يعاني منها لبنان. وبالتالي هناك حاجة ماسة من اجل ان يدرك حزب الله أن تسلطه على الدولة اللبنانية وعلى اللبنانيين باسم إيران أمر لا يستقيم ولا يمكن ان يستمر. طبيعي هذا الامر ليس في وارد اللبنانيين، ان يلجؤوا الى العنف باي شكل من الاشكال، ضد حزب الله، وبالتالي على الحزب أن يعي أيضا أنه لا يستطيع أن يستمر في خطف الدولة اللبنانية والاحتفاظ بورقة تأليف الحكومة لتستعملها إيران في تعزيز موقعها التفاوضي مع الإدارة الأميركية”.
وسئل عن الرغبة بمؤتمر دولي يساعد لبنان وكيفية ترجمته على الأرض من قبل “تيار المستقبل” أو غيره، أجاب: “أعتقد ان هذا الامر سيكون نتيجة عملية تراكمية. حتى الآن حزب الله لا يتجاوب مع هذا الامر ويحاول ان يعتمد أسلوب توجيه الاتهامات ضد كل من لا يوافقونه الرأي على شاكلة الاتهامات التي يطلقها على البطريرك او على كل من يطالب باستعادة الاعتبار للدولة اللبنانية ولوحدانية سلطتها، ظنا منه انه يستطيع ان يقنع اللبنانيين باستمرار الوضع على حاله. نحن نعلم أن ليس هناك من إمكانية لإيجاد حلول للمشكلات اللبنانية السياسية والاقتصادية والمالية والمعيشية طالما استمر التسلط من قبل حزب الله على الدولة اللبنانية، وطالما استمر الاستعصاء عن القيام بتأليف حكومة إنقاذ منسجمة تستطيع المباشرة بإجراء الإصلاحات التي يمكن للبنان من خلالها أن يستعيد فيها ثقة اللبنانيين من جهة، وثقة المجتمعين العربي والدولي بلبنان وبمستقبله. هذا الوضع لا يمكن أن يستمر طالما استمرت إيران في فرض سلطتها ونفوذها”.
أضاف: “من جانب آخر، أرى أن على الولايات المتحدة الأمريكية التي تريد ان تنفتح على إيران، أن تنظر الى ما يحول دون استمرار إطباق الدولة الإيرانية على لبنان، واستمرارها في التسلط على عدد من الدول العربية، وما يؤدي إليه ذلك من أوضاع متفجرة في المنطقة وفي مقدمها لبنان. لذلك اعتقد أنه بالإمكان تجنب عقد مؤتمر دولي إذا تجاوبت إيران وتجاوب حزب الله مع دعوة البطريرك ودعوة اللبنانيين إلى حل مشكلات لبنان في الداخل اللبناني، وذلك بأن يعود الحزب إلى لبنان بشروط الدولة اللبنانية. وبالتالي يمكن عندها تجنب عقد مؤتمر دولي. إلا أنه وفي حال استمرار الاستعصاء، فإن الأمر سوف يصبح عندها مطروحا في لبنان ولدى العالم. وهذا الامر من الطبيعي أن يصار إلى التنبه له والمسارعة إلى إيجاد حلول سريعة بشأن هذه المخاطر الوجودية التي يتعرض لها لبنان”.