الأخبار
الرئيسية / محليات / الناس جاعوا حتّى بكى الرجال.. وحدهم المتسوّلون أذكياء

الناس جاعوا حتّى بكى الرجال.. وحدهم المتسوّلون أذكياء

السبت 05 تشرين الاول 2019

مجلة وفاء wafaamagazine

… وهكذا نمضي نحن في أيّامنا، نسير على أرصفة الخريف المهترئة، أوراقٌ صفرٌ تتطاير من دون أن تهدأ في ترحالٍ ما انتهى مسيرُه يوماً، دائماً ما تبحث عن زاويا و”لو حقيرة”، تقيها الريح عندما يجنُّ جنونه، لكنّها عبثاً تحاول الصمود فتندثر. نعم، نُشبه نحن تلك الأوراق البالية، بتقاذفها يميناً ويساراً، يحملُنا الهواء معه كما هي، نحو مصيرٍ مأزوم ومحتوم، لا قدرةَ لنا على التأثير فيه أو تغييره.. ببساطة سقطت، وسقطنا.


باختصار، هو واقعٌ أليمٌ يعيشُه اللبنانيون الذين باتوا “عرّافين” في اختبار الصُدف والمفاجآت، بعدما عايشوا ويلاتِ السنين الغابرة… لكنّهم و”حمداً لله” اطمأنوا” بعد عناء طويل، فتجدهم يرتاحون “قليلاً” بعد جوْر وهلاك، فوّضوا أمرهم لـ”قادة عظماء”، قدّسوهم سرّاً وعلناً، وبجّلوهم صبحاً ومساءً، وإذ بهم يجلسون اليوم بانتظار “إنجازات القادة”، في اتصالاتٍ لا تهدأ، واجتماعاتٍ مفتوحة، ومفاوضاتٍ شاقة، وتسوياتٍ “مرّة” ومؤتمراتٍ… لكنّهم وبينما يجلسون، يشعرون بالهواء “العليل” يلفح أنوفهم، فيشتمّون “نفاياتٍ” وكأنّه عطر فرنسي فاخر، تباغتهم العتمة في “سهرة هادئة” تخلو من “عشوائية الرصاص”، فيلعنونها إنْ أتت خارج سياق التقنين… هو حدّ الغضب الأقصى لديهم، وإنْ اقتضى الأمر، لعنوا أنفسهم وحيّدوا “القائد والزعيم المبجّل”، فالقادة “كرامة لبنان وضميره، وهم العهد والوعد”.

أزمات لبنان – الحي بالنظر إلى دول العالم، كثيرة ومتفاقمة، هدر وفساد، محسوبيات و”تمريقات”، استزلام واستقواء، مبادرات بطعم الصفقات، حتى وصل “الموس” إلى ما تغنّى به لبنان من حريات… لكنّ ملفي النفايات والكهرباء قد يكونان من أكثر الملفات استعصاءً، وهما حملٌ من وزير إلى آخر، ومن سنة إلى أخرى، ومن حكومة إلى أخرى، ومن خطة إلى أخرى… “سنبقى نحن ننتظر على العتمة الموحشة”، وسنبقى نتقيأ عندما نمر في هذا الطريق هنا وهناك.. سيبقى كلّ شيء على حاله طالما أنّ لبنان عصيٌّ على الثورات، وشعبه لا تُسْكرُه شدّةُ فقرٍ، ولا يُوقظُهُ هبوطُ ليرة، كما لا يُصدِمه موتٌ بائس!

في لبنان جاع الناسُ حتى بكى الرجال منهم، مخدّرون بـ”حشيش كيف” الطائفة وزعيمها وقائدها، “نفديهم جميعهم بالأجساد والدم”، فيما الرغيف يكاد خلو حتّى من الطحين والزيت… خوت الأمعاء حتى باتت ثناياها تأكل بعضها، كفر الجوع في الأحشاء، ويبقى المتسوّلون وحدهم أذكياء.