الخميس 10 تشرين الأول 2019
مجلة وفاء wafaamagazine
الباقي من عمر المهلة الدستورية لإحالة الحكومة مشروع موازنة 2020 قبل 15 تشرين الاول الجاري، 5 أيام. وكان يفترض ان يكون الاسبوع الجاري هو الاسبوع الاخير ليسلك هذا المشروع طريقه من مجلس الوزراء الى مجلس النواب، لكنّ الثابت حتى الآن انّ الوعد الذي أطلقته الحكومة بالالتزام بهذه المهلة، يبدو انه سينضَمّ الى عشرات الوعود التي ذهبت كلها أدراج الرياح، ولم تجد طريقها الى النفاذ، وهو الأمر الذي يطرح من جديد علامات استفهام وتشكيك بجدية السلطة في مقاربة الامور الاساسية.
وفيما تَظَهّر على الخط السياسي الانقسام الحاد مجدداً على السطح الداخلي حول القانون الانتخابي، وهو ما عكسته المداخلات المتصادمة بين القوى السياسية خلال جلسة اللجان النيابية المشتركة أمس، كان خط الازمة الاقتصادية يشهد اعتصاماً للعسكريين المتقاعدين في وسط بيروت احتجاجاً على الازمة الاقتصادية، وعدم دفع مستحقات نهاية الخدمة للمُسرّحين الجدد والمساعدات المدرسية والمرضية، بالتوازي مع تحضيرات لتحركات تحذيرية حيث تنفذ الهيئات الاقتصادية اليوم إضراباً لساعة من الوقت رفضاً لأيّ زيادة في الضرائب، ويتواكَب ذلك مع أزمتين تبدوان مرشحتين للتفاعل والتصعيد في الايام القليلة المقبلة: الرغيف والدواء.
حتى الآن، ما زالت الحكومة تؤكد انها ستحيل مشروع الموازنة في ضمن المهلة الدستورية، الّا انّ مواكبة بعض الوزراء المعنيين بأمر الموازنة تؤكّد انّ الامر يتطلّب معجزة خلال الايام الخمسة الفاصلة عن موعد 15 تشرين الاول، لتخرج الموازنة من السجن الحكومي.
تحذيرات
وبحسب المصادر الوزارية، فإنّ هذه الموازنة ليست عالقة فقط في حسابات الارقام وتقديرات الواردات والنفقات وتحديد نسبة العجز، بل في نقاش ضمني بين النافذين في هذه السلطة، حول كيفية إيجاد الطريقة التي تُرفِق فيها ما تسمّيه “سلة الاصلاحات والخطوات الصعبة”، والتي تخفي في طيّاتها سلة ضرائب ورسوم.
وكشفت المصادر عن تحذيرات لقطاعات عمالية واقتصادية ونقابية تَرِد الى الجانب الحكومي، من إمعان السلطة في اللجوء الى التغطية على عجزها وتقصيرها، بالذهاب الى اسهل الحلول بمَد اليد على جيوب الناس، بدل الذهاب الى القرارات الاصلاحية الجريئة، إن كان ذلك حول القطاعات التي تشكل جرحاً نازفاً للخزينة وسببا اساسيا لتفاقم العجز، كالكهرباء على سبيل المثال، او حول محميّات الهدر والفساد، التي يبدو انها اقوى من السلطة، او شريكة معها؟
3 خيارات
وفي هذا المجال، علمت “الجمهورية” انّ نقاشاً يجري على مستويات وزارية ونيابية تشارك فيه مختلف القوى السياسية، يتمحور حول المفاضلة بين 3 خيارات:
الاول، إحالة مشروع موازنة 2020 الى مجلس النواب، كموازنة رقمية تحدد حجم النفقات والواردات.
الثاني، إحالة الاصلاحات المُلحّة والمطلوبة، عبر مجموعة مشاريع قوانين، تتناول كل قطاع محدد للاصلاح، وتُحال بالتوازي مع الموزانة الى مجلس النواب.
الثالث، إحالة موازنة شاملة للارقام والرؤية الاصلاحية.
وبحسب المصادر، فإنّ الخيارات الثلاثة ما زالت خاضعة للنقاش من دون حسم. ذلك انّ الخيار الاول قد يرسل رسالة سلبية الى المجتمع الدولي، الذي أكد ضمن مستوياته كافة، على موازنة كاملة وفاعلة وبرؤية إصلاحية ضرورية.
امّا الخيار الثاني، فإنّ عدم تضمين الموازنة الرؤية الاصلاحية، معناه انّ تأجيل الخطوات الاصلاحية الى ما بعد إقرار الموازنة، التي في حال أحيلت من الآن وحتى آخر الشهر الجاري الى المجلس النيابي، فإنها ستأخذ ما يزيد عن الشهر في اللجنة النيابية للمال والموازنة، اي انها قد تقرّ أواخر كانون الاول المقبل. الّا اذا أرسلت الحكومة مشاريع القوانين الاصلاحية في القريب العاجل، فيمكن إقرارها في جلسة تشريعية تُعقد في موازاة عمل اللجنة المالية في دراسة الموازنة، الّا انّ إعداد هذه المشاريع متعذّر حالياً، فدونه عقبات كبرى سياسية وغير سياسية.
امّا الخيار الثالث، فتشير المصادر الى تَهَيّب في إحالة موازنة شاملة للارقام والاصلاحات. فالمشكلة ليست في الارقام، بل في “عدم جرأة” اي طرف سياسي حتى الآن في مقاربة باب الاصلاحات. واللافت هنا انّ كل طرف يرمي هذه الكرة عنه وينتظر أن يلقيها الطرف الآخر، خصوصاً انّ الاصلاحات المحكي عنها تستوجب في معظمها فرض رسوم وضرائب، وإجراءات تتناول القطاع العام.
مراوحة سلبية
الى ذلك، وفي موازاة زحمة الاجتماعات الوزارية التي يترأسها رئيس الحكومة سعد الحريري، كشفت مصادر وزارية لـ”الجمهورية” انّ الامور في هذه الاجتماعات في حالٍ تشبه المراوحة السلبية.
وقالت المصادر: الصورة اننا نخطو خطوة الى الامام، لكننا نخطو اثنتين الى الخلف، فبقدر ما نحن نقترب من الحلول بقدر ما نبتعد. فالقضايا كلها مطروحة مع بعضها البعض، ولكن ينقصها الحسم بسبب آليّات المتابعة الضعيفة وسوء الإدارة في تحديد الأولويات وتقدير الوقت.
واشتكَت المصادر من تَداخل الأوقات والمواعيد ببعضها البعض لجلسات الحكومة وعمل اللجان، لكنها أكدت في المقابل التزام المواعيد الدستورية لرفع الموازنة العامة الى مجلس النواب، باعتبار انّ هذا القرار هو الوحيد المتّفق عليه من دون مماطلة بين الرؤساء الثلاثة وامام المجتمع الدولي ولا إمكانية للتراجع عنه، امّا باقي الملفات فهي على هِمّة الشباب.
على صعيد آخر، وفيما عُقد لقاء مسائي امس في بيت الوسط بين الرئيس الحريري ووزير الخارجية جبران باسيل، علمت “الجمهورية” انّ سلّة التعيينات الجديدة المُزمَع إدراجها على جدول اعمال مجلس الوزراء المقبل لم تنضج بعد، وهي لا تزال ضمن اللقاءات الثنائية الضيّقة، ولم تخضع بعد للتشاور بين القوى السياسية.
المؤسسات الدولية
الأزمة الراهنة تتفاقم منذ اشهر، والمريب انّ هذه السلطة، وعلى رغم المنحى الانحداري الذي تسلكه الازمة في هذه الفترة، وعلى رغم المناشدات الداخلية والخارجية، وعلى وجه الخصوص من المؤسسات المالية الدولية ووكالات التصنيف، لم تقم بأيّ خطوة او اي إجراء احتوائِي طفيف، في اي مجال، حتى ولو من باب حفظ ماء الوجه.
وعلمت “الجمهورية” انّ البنك الدولي، وغداة البيان التوضيحي الذي أصدره قبل ايام، وحَضّ فيه على إصلاح قطاع الكهرباء، عادَ وأكّد، بشكل مباشر عبر كبار المسؤولين فيه، للمسؤولين اللبنانيين أهمية الشروع فوراً بالخطوات الاصلاحية المطلوبة. ومفتاح هذا الاصلاح هو معالجة الكهرباء، مشدداً على تعيين الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء وتعيين مجلس ادارة مؤسسة الكهرباء، ومعتبراً انه من دون هذا الاصلاح لقطاع يسبّب 30 في المئة من العجز، فإنّ اي جهود لإصلاحات ستكون بلا اي معنى.
وبحسب مصادر واسعة الاطلاع، فإنّ نصائح البنك الدولي المتكررة، تواكبت مع تحذيرات جدية من قبل مؤسسات دولية اقتصادية ونقدية كبرى. خلاصتها انّ العالم ما زال حريصاً على لبنان، وراغِب في تقديم المساعدة له للخروج من أزمته، والمؤسسات الدولية تقدّم النصائح للبنان، منذ وقت طويل جداً. ووصلَ بها الأمر الى حد ممارسة الضغط المُتتالي على لبنان لكي يتجاوب مع النصائح الدولية، لكنّ المستغرب هو إحجام السلطة اللبنانية عن هذا التجاوب وعدم القيام بأي خطوة، وهذا التصرف لم تقم به أي دولة في العالم في تعاطيها مع المؤسسات الدولية.
ولفتت المصادر الى انّ المسؤولين اللبنانيين سمعوا من المسؤولين الدوليين ما يمكن اعتباره نصيحة عالية النبرة، تفيد بأنّ الفرصة ما زالت متاحة امام لبنان، الّا انّها قد تنفد إن لم يتلقّفها لبنان كما يجب.
وعلى ما تكشف المصادر فإنّ مسؤولاً كبيراً في احدى المؤسسات المالية الدولية الكبرى، عبّر امام اعضاء في الهيئات الاقتصادية اللبنانية، عن بالغ امتعاضه ممّا وَصفه “التهرّب غير المفهوم من قبل السلطات اللبنانية من محاولة إنقاذ بلدها. سنوات ونحن نعبّر عن استعدادنا لمساعدة لبنان، ومع الأسف لم نلمس حتى الآن أي استجابة، نحن لا نملك السبب، بل انّ السبب هو لدى اللبنانيين. ولا نكشف سراً اننا وَجّهنا انتقادات مباشرة لمسؤولين لبنانيين، وقلنا لهم اننا نخشى بحق انّ اللبنانيين لا يريدون ان يُنقذوا بلدهم”.
وبحسب المصادر، فإنّ المسؤول المذكور، لم يؤكد او ينفِ إمكان حصول لبنان على ودائع من قبل بعض الدول العربية، بل اكتفى بالقول انها يمكن ان تكون مفيدة. لكنه استدرك قائلاً: إذا وصلت هذه الودائع الى لبنان، فليس معناه ان يُحجِم عن سلوك المسار الاصلاحي الذي يتوجّب عليه سلوكه. فما ينبغي على اللبنانيين أن يعرفوه، هو انّ اكبر إساءة للبنان ولمسيرة الاصلاح فيه، إذا اتت اي وديعة، واعتبرها اللبنانيون هي الحل لأزمته، وتُصرِفهُم عن القيام بأيّ خطة إصلاحية. فمن شأن مثل هذه الخطوة – وأكرّر إذا حصلت – أن تكون محطة تخديرية لا تتضمن العلاج المطلوب، وبعدما ينتهي مفعولها تكون الفرصة المُتاحة اليوم من قبل المؤسسات الدولية، وفي مقدمها البنك الدولي، قد ضاعت.
الخطوط الرئاسية
الى ذلك، فإنّ الحقيقة المرّة التي أفرزتها هذه الازمة وتعاطي السلطة معها، تَتبدّى في انّ الشكوى منها لم تعد تقتصر على الفئات الشعبية، بل بدأت تتعالى على لسان كبار المسؤولين من رؤساء ووزراء، وهنا السؤال: اذا كان المسؤول يَشكو فلمَن يشكو الناس أمرهم؟
في هذا السياق، علمت “الجمهورية” انّ الخطوط الرئاسية شهدت في الايام الاخيرة نقاشاً حول ما آل اليه الوضع، خلاصته:
– التعبير عن الامتعاض ممّا وصف الهروب غير المبرّر، من تنفيذ ما تم الاتفاق عليه في بعبدا، والذي لو بوشِر بتنفيذ أيّ من الخطوات الاصلاحية التي اتّفق عليها، لكان وقع الازمة أخف، ولَما كانت الأمور وصلت الى ما وصلت إليه.
– أمر جيد ان يعزّز لبنان علاقاته مع اشقائه العرب، وامر جيد ان يسمح للاشقاء العرب بالسفر الى لبنان، ولكن لا يوجد اي تأكيد واضح حول حصول لبنان، أكان ذلك في الوقت الراهن او في المدى المنظور وحتى البعيد، على أي مساعدة مالية من أي دولة عربية، أكانت على شكل وديعة او حتى على شكل دين بفائدة مرتفعة. الّا اذا كان الاخوة العرب سيحضّرون مفاجأة للبنان بحسب توقيتهم.
– الأداء الحكومي، وإن كان قد شَهد بعض التفعيل في الآونة الاخيرة من خلال الاجتماعات المتلاحقة للجان الوزارية، لكنه لم يرقَ بعد الى حجم الازمة. وانّ هذه الاجتماعات تتحول في الكثير من الاحيان الى بازار سياسي تتضارَب فيه مواقف الاطراف وتتناقض الرؤى حول امور كثيرة، فلكل طرف نظرته، ولكل فريق أفكاره للمعالجة ولا يقبل غيرها، وهو الامر الذي يصعّب الوصول الى قواسم مشتركة. والاهم من كل ذلك انّ كل الافكار والاوراق المطروحة للعلاج قد لا تكون بحجم الازمة.
إمتعاض
وتِبعا ًلذلك، وبحسب المصادر الموثوقة، فإنّ أجواء احد الرؤساء تعكس امتعاضاً شديداً من أداء السلطة، وتساؤلات اتهامية لها:
متى سيعترفون بوجود أزمة كهرباء تستنزف 3000 مليار ليرة؟ البنك الدولي حدّد مَكمّن العلّة، فهل سيتوقفون عن تعطيل تعيين الهيئة الناظمة ومجلس الادارة؟
هل يعقل انّ بلداً يعاني ازمة خانقة اقتصاديا وماليا وازمة دولار، ومنذ آذار وحتى اليوم لم يُعيّن نواب حاكم مصرف لبنان الاربعة ولا مفوّض الحكومة لدى المجلس المركزي؟
أصوات في الحكومة وغير الحكومة تصوّر النفط اللبناني الموجود في البحر كحلم ورديّ للبنانيين، وانه خشبة خلاصهم من أزمتهم الاقتصادية، فلماذا يُبقي أصحاب هذه الاصوات أنفسهم، هيئة ادارة النفط مُعطّلة منذ ما يزيد عن شهرين ونصف، بعدما انتهت مدة تعيين الاعضاء الستة في هيئة ادارة النفط، ولم يتم تعيين بدلاء عنهم حتى الآن؟
المصدر: الجمهورية