الرئيسية / سياسة / “اعتصامات لبنان” للحريّات والإنقاذ الاقتصادي

“اعتصامات لبنان” للحريّات والإنقاذ الاقتصادي

الجمعة 11 تشرين الأول 2019

مجلة وفاء wafaamagazine

بعيداً من معادلات النقاشات المملة والرتيبة الجارية في دوائر الحكم والحكومة ومجلس الوزراء والتي تتكرر معها يومياً شعارات تبحث عن ترجمة سريعة لاستراتيجية انقاذية للبنان في أزمته الاقتصادية والمالية الخانقة، بدت الاعتصامات الرمزية التي شهدها لبنان أمس بمثابة مرآة عاكسة لحقيقة واقعه الاقتصادي المأزوم كما لواقع حريات التعبير المهددة في الصميم بفعل ضيق أنفاس السلطة أو بعضها. ذلك انه بين اضراب رمزي لساعة واحدة نفذته الهيئات الاقتصادية والتجارية ومعظم القطاع الخاص في وقفة تعبيرية مؤثرة عن مدى الاضرار والتداعيات والخسائر الفادحة التي أصابت معظم القطاعات اللبنانية، والاعتصام الاعلامي والصحافي الذي نفذه أهل الاعلام والصحافة أمام قصر العدل في بيروت قبيل جلسة محاكمة صحيفة “نداء الوطن” أمام محكمة المطبوعات، يمكن القول ان لبنان الاعتصامات ولو الرمزية كان بأسره ينتفض للحريات وللانقاذ الاقتصادي والمالي والاجتماعي.

هذه الصورة المعبرة لمآل التأزم الداخلي لاقتها في المقلب الرسمي معادلات الكلام عن استعجال الخطى لاقرار الموازنة ولانجاز ما يمكن من عناوين اصلاحية في موازاة العمل على احالة مشروع موازنة 2020 على مجلس النواب في الموعد الدستوري أي منتصف تشرين الاول الجاري كالتزام اصلاحي اساسي.

وتزامناً مع انعقاد جلسة مجلس الوزراء، نفذت الهيئات الاقتصادية وقفة مركزيّة أمام غرفة بيروت وجبل لبنان في الصنائع. وألقى رئيس جمعية تجار بيروت نقولا شماس كلمة بدت اشبه بدق ناقوس الخطر على القطاع الخاص برمته قال فيها: “الموازنة ستقَرّ بعد أيام وهناك اتجاه لزيادة الضرائب وضريبة الدخل وودائع المصارف. أسأل عن هذه العقول النيّرة التي تطرح هذه الأمور في ظل الأزمة الاقتصادية التي يعانيها اللبنانيون، والمسؤول يطالب برفع النمو الاقتصادي والضرائب. إذا كانوا لا يعرفون وضع خطط اقتصادية لإنقاذ البلد فنحن جاهزون لإعطائهم دروساً في الاقتصاد. إن زيادة الضرائب هرطقة إلى حدّ المصادرة والتشليح. وأتمنى أن يعامل اللبناني مثل النازح السوري الذي نتمنى له عودة كريمة إلى أرضه، ونطالب بمكافحة الفساد والتهريب والمهرّبين الذين ينحرون جسم الدولة. نريد أن نقوّي الدولة ونحترم النظام. وإذا استمر الوضع على حاله فإننا ذاهبون إلى مشكلة اجتماعية ويمكن أن تتحوّل إلى فوضى واهتزاز في الأمن الاجتماعي والاقتصادي” وأضاف: “إن تحرّكنا اليوم محطة أولى، وغداً ستجتمع الهيئات الاقتصادية للبحث في كل الأمور، والتاريخ لن يرحم أحداً”.

أما الاعتصام الاعلامي والصحافي تضامنا مع “نداء الوطن”، فتحول الى وقفة تحذيرية من التعرض المنهجي لحرية التعبير الآخذ بالتصاعد على نحو مقلق. وفي جلسة المحاكمة للزميلين بشارة شربل وجورج برباري طلب ممثل النيابة العامة إدانة الجريدة وفقاً لمواد الادعاء، وترافع النائب السابق المحامي بطرس حرب فاعتبر أن هذه الدعوى “أبعد من دعوى قدح وذم عادية، هي قضية نظام سياسي وهويته وحق المواطنين اللبنانيين الدستوري في إبداء رأيهم في قضايا عامة تتعلق بمصير بلادهم وحياتهم وسيادة دولتهم وفي توجيه الانتقاد للسلطة الحاكمة من دون أن يعاقبوا أو يُسجنوا أو يُقتلوا”. وبعدما لفت إلى “الدور المحوري الكبير المطلوب من محكمة المطبوعات القيام به”، توجه إليها بأن “قراركم سيحدد هوية النظام ومصير الحريات فيه، ولاسيما بعد التضحيات الجسام التي قدمها شعبنا وسلسلة الشهداء الابطال، وشهداء الحرية، من أجل الحفاظ على حرية التعبير”. وعينت المحكمة 21 تشرين الثاني موعدا لاصدار الحكم.

عون وبري
أما على الصعيد الرسمي، فبرزت زيارة رئيس مجلس النواب نبيه بري مساء لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون في قصر بعبدا، وأوضح بري بعدها ان “الجلسة أكثر من جيدة، بل ممتازة، وتناولت كل المواضيع التي ندور في فلكها حالياً، وخصوصاً الموضوع النقدي والمالي ومسألة الموازنة وما يرتبط بها، اضافة الى ما يحصل في الجنوب والمنطقة وسبل المعالجة بأسرع وقت ممكن”. وقال: “كان هناك اتفاق، لم أحصل على اذن من الرئيس عون للتحدث عنه ولكنني سأقوله، وهو انه اذا تأخرت الحلول عن الاسبوع المقبل في ما يتعلق بموضوع الموازنة والمال، فسندعو الى لجنة الطوارئ التي تم اقرارها في الاجتماع العام الذي عقد في بعبدا في 2 أيلول الفائت”.

وسئل هل تعقد جلسة مجلس النواب في 17 من الشهر الجاري، فأجاب: “نعم، ستعقد في موعدها”.

وافادت مصادر قصر بعبدا ان الرئيسين عون وبري اتفقا على خطوتين: الاولى إذا لم تحل الحكومة الموازنة في موعدها الدستوري الى مجلس النواب قبل 22 تشرين الاول الجاري، فسوف تدعى لجنة الطوارئ التي ولدت في اجتماع بعبدا السياسي والمالي في 2 أيلول الماضي. أما الخطوة الثانية فهي ابقاء جلسة مجلس النواب في 17 تشرين الأول الجاري في موعدها لتلاوة رسالة رئيس الجمهورية الخاصة بتفسير المادة 95 من الدستور، واذا تحولت النقاشات النيابية فيها عن المادة موضوع البحث حصراً يحسم رئيس المجلس الامر برفع الجلسة.

جلسة السجالات
وسط هذه الأجواء، شهدت مناقشات مجلس الوزراء أمس حول مشروع الموازنة مستوى لافتاً من السخونة. وقالت مصادر وزارية إن الموازنة بالأرقام أنتهت، لكن التخبط مستمر في الاصلاحات، ومجلس الوزراء سيعود الاثنين ليعرض تقارير الوزراء عن دمج مؤسسات عامة أو الغائها.

وأعلنت ان فريقي “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية ” يصران على ادراج الاصلاحات في صلب الموازنة، فيما فريق آخر يعتبر ان اصلاحات مثل إنهاء خدمة مؤسسات تحتاج الى إصدار قوانين ومسار زمني طويل. أما وزير المال علي حسن خليل فيصر على احالة الموازنة كما هي ضمن المهلة الدستورية. وهو وفريقه يعتبران الاصلاحات عناوين فضفاضة بعضها يحتاج درسها الى أشهر. وبتوجيه من رئيس الوزراء اتفق على التزام الحكومة الإصلاحات في فذلكة الموازنة.

وتحدثت المصادر عن سجالات عدّة شهدتها جلسة مجلس الوزراء أمس في مسائل مختلفة:

– سجال حول الإيرادات بين فريق دعا الى زيادة المحسومات التقاعدية، التي رفضها وزراء “أمل” و”حزب الله”، ووزراء اقترحوا رفع تعرفة الكهرباء التي رفضها الوزير جبران باسيل.
– سجال حول التعامل مع النظام السوري في شأن معبر البوكمال، الذي رأى فيه الوزيران محمد فنيش وباسيل مصلحة اقتصادية لتخفيف الرسوم على الشاحنات.
– سجال حول التدخل التركي في سوريا. فالوزير وائل أبو فاعور انتقد مخالفة بيان وزارة الخارجية للنأي بالنفس، فيما انتقد باسبل منطق ابو فاعور، كأنه يؤيد الهجوم التركي على دولة عربية.
– سجال حول طرح باسيل ان تكلف الحكومة شخصاً زيارة سوريا للبحث في ملف النازحين والمعابر، فرد عليه الوزير كميل أبو سليمان: “خلي الوزراء اللي بيطلعوا على سوريا هني يعطوا مواقفن ونحنا نضل على الحياد لنضل حاسبين خط الرجعة”.

المصدر: النهار