wafaamagazine مجلة وفاء
وجه نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى العلامة الشيخ علي الخطيب رسالة الجمعة، قال فيها: “نسأل الله أن يوفقنا لصيام شهر رمضان المبارك ويجعلنا ممن عرف قدره وحرمته واستفاد من بركاته العظيمة، فهو كما ورد في الذكر الحكيم الشهر الذي خصه الله تعالى من بين اشهر السنة بأن جعله ظرفا لنزول القرآن والوحي والهداية والرحمة الإلهية والتواصل مع السماء، (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون)”.
اضاف: “اختار سبحانه سبحانه أن يعظم من شأن هذا الشهر بأن أنزل أعظم كتاب سماوي وأعظم معجزة من معاجزه تعالى، بما احتوت من حقائق الهداية الإلهية والمعارف الربانية لاخراج الناس من الجهل الى نور المعرفة ( كتاب أنزلناه لنخرج الناس من الظلمات الى النور بإذن ربهم الى صراط العزيز الحميد)، فليس هناك من نعمة أعظم من نعمة المعرفة وأن يطلع الانسان على حقيقة وجوده ووجود هذا الكون وألا يبقى يسير على غير هدى فيضيع في خضم أحداث هذه الحياة. اذا، اول النعم وأعظمها التي اختص الله تعالى بها شهر رمضان هي نعمة إنزال القرآن ونعمة المعرفة، المعرفة معرفة حقائق الوجود والتي تبتني عليها معرفة الوظيفة التي وجد الإنسان من أجلها، ليميز بين الحق والباطل، ولا شك أن هذا الإرتباط بين نزول القرآن والهداية الإلهية وبين شهر رمضان لم يكن اعتباطيا وصدفة، بل ارتباطا موضعيا يؤدي الغرض الذي كان انزال القرآن من أجله وهو الهداية والمعرفة واخراج الناس من الظلمات إلى النور”.
وتابع: “ان شهر رمضان بما فرض الله تعالى فيه على الناس الصيام ومنع النفس عن تناول ما تشتهيه من الطعام والشراب وسائر الأمور التي كان تناولها حلالا في غيره من الأشهر، انما هو تحرير لهذه النفس واعتاق لها من سيطرة الغرائز وسطوتها وأن تكون مسوقة لإرادتها. وهذه المدرسة في الحقيقة متميزة عن مدارس أخرى توجه وتدفع نحو تلبية حاجة هذه الغرائز، بينما يقوم الإسلام والدين عموما على فلسفة ترويض هذه الغرائز وعدم الإستغراق في العمل على تلبية رغباتها، وعلى الوسطية في التعامل معها فلا يقمعها كما لا ينساق معها، وانما يرى الهدف من الوجود الإنساني أبعد وأسمى من ذلك، انها مجرد أدوات يستعين بها على تحقيق هذه الغاية وهذا الهدف وهو العبودية لله سبحانه، فهو يرى أنه بين عبوديتين عبودية الله وعبودية غرائزه وشهواته، عبودية الله تعالى التي تعني الترقي في درجات الكمال وتحقيق السمو الروحي والأخلاقي التي هي المعيار في إنسانية الإنسان وحريته وكرامته. فهو حينما يقوم بهذه الوظيفة فيروض هذه الغرائز يدفع بعوامل الشر ويخرجها من حياته ويحررها من عوامل الضغط التي تدفع به نحو التخلف وتشغله في السعي لتحقيق متطلباتها وهي في الحقيقة تجعل منه مخلوقا مشوها وتعمق فيه روح الشر والانتقام، لأن الغاية هي تحقيق هذه الرغبات التي لا حدود لها دون النظر الى الوسيلة التي يستخدمها غير محكومة بمحرمات ولا حدود طالما انها ترى أن هذه الغاية مشروعة وهي في الحقيقة تبرر القاعدة المعروفة “الغاية تبرر الوسيلة”. وهي بالمنظور الديني وبالأخص الإسلامي منظور خاطئ”.
اضاف: “من هذا المنطلق كان هذا التأكيد على الارتباط بين الايمان والتقوى وبين الصوم الذي كان شهر رمضان عنوانا له، فالعبودية لله والتحرر من قيود الغرائز والشهوات بينهما ارتباط وثيق وهو ما يعبر عنه أمير المؤمنين علي ابن ابي طالب (ع): ( فما خلقت ليشغلني أكل الطيبات كالبهيمة المربوطة همها علفها، أو المرسلة شغلها تقممها، تكترش من أعلافها وتلهو عما يراد بها. أو أترك سدى أو أهمل عابثا، أو أجر حبل الضلالة، أو أعتسف طريق المتاهة).فهو يحدد وظيفته في هذه الحياة من خلال رؤيته للخلق والهدف من الوجود في هذه الحياة الفانية التي لا تنتهي بالموت وانما تبدأ به. وأن كل ما في هذه الحياة يجب ان يسخر لذلك اليوم والذي يعبر عنخ بقوله : (وما أصنع بفدك وغير فدك؟ والنفس مظانها في غد جدث، تنقطع في ظلمته آثارها، وتغيب أخبارها، وحفرة لو زيد في فسحتها وأوسعتها يد حافرها لأضغطها الحجر والمدر وسد فرجها التراب المتراكم وإنما هي نفسي أروضها بالتقوى لتأتي آمنة يوم الخوف الأكبر، وتثبت على جوانب المزلق. ولو شئت لاهتديت الطريق إلى مصفى هذا العسل، ولباب هذا القمح، ونسائج هذا القز، ولكن: هيهات أن يغلبني هواي، ويقودني جشعي إلى تخير الأطعمة، ولعل بالحجاز أو اليمامة من لا طمع له في القرص، ولا عهد له بالشبع، أو أبيت مبطانا وحولي بطون غرثى (أي جائعة) وأكباد حرى (أي عطشانة) أو أكون كما قال القائل: وحسبك داء أن تبيت ببطنة وحولك أكباد تحن إلى القد). ولكنه سلام الله عليه يرى انه اكبر واعظم من ان يكون مأمورا لاهوائه ومقودا لمطامع نفسه وان عظمته تتجلى في غلبتها والسيطرة عليها والتحرر منها، وان اعظم هدف لديه الاهتمام بجوع الجائعين وحاجات المحتاجين وان يحتقر نفسه عندما يهمل هؤلاء ليعيش لنفسه وحاجاتها دون النظر اليها وتلبية مطالبها، ولا يرى في الموقع والسلطة سوى ان يقوم بهذه الخدمة للمستضعفين وان يرفع من مستوى اهدافهم ليعلو بهم الى هذه المستويات الرفيعة التي يجب ان يضعوها نصب اعينهم في هذه الحياة ويسعوا للوصول اليها”.
وقال: “من المؤسف حقا أن غابت هذه المعاني والغايات لهذه العبادة ولغيرها من العبادات عن فهم الغالبية العظمى وادراكهم لتتحول الى طقوس وعادات نمارسها في حياتنا، بل تحول شهر رمضان الى مناسبات تستغل فيها لغايات تتنافى مع معانيه وغاياته التربوية والثقافية والأخلاقية ويتم التركيز فيها على إشاعة برامج الفساد الأخلاقي والفكري والثقافي التي تسخر لها كافة الوسائل الإعلامية والاعلانية لتهديم اهم المرتكزات والمقومات التي تستند اليها وتشكل شخصيتنا ورسالتنا ويعتبر شهر رمضان الكريم واحدا من أهم عناوينها، ويتحول شهر رمضان من مناسبة لتقويم وتربية نفوسنا ووسيلة للتقوى والاهتمام بالفقراء والمستضعفين وتقوية الجوانب الروحية والأخلاقية الى وسيلة للعبث بالأخلاق والقيم التي تشكل أخطر أنواع الحروب التي تخاض ضد مجتمعاتنا الإسلامية بهدف اخضاعها والسيطرة عليها حتى من الحروب العسكرية والاقتصادية، و مهما بلغت شدتها ومهما بلغت القوى التي تمارسها من الجبروت والقوة فإن التركيز عليها في ثقافتنا وديننا، لم يكن عبثيا وجعلها اساسا في بناء الشخصية الانسانية والايمانية، وطالما كانت الارادة حرة والايمان عميقا فانه يصعب على اي قوة مهما بلغت ان تكسرها او تخضعها او تكرهها على الانصياع”.
واكد “ان فهم الغاية الوظيفية والتشريعية من عبادة الصوم وغيره من العبادات، اضافة الى جانبه العبادي أساسي في تحقيق اهدافها وغاياتها النبيلة، ولهذا نجد في الغالب التنبيه اليها عند التعرض لها سواء في القرآن الكريم او الاحاديث الشريفة، ففي خصوص الصوم اشار الله تعالى الى الغاية هي التقوى ( يا ايها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) والتقوى هي الاستقامة والاستقامة تحتاج الى القوة في مجابهة عوامل الضعف الانساني كالثقافة والوعي والفهم والتربية، فاذا ما تجردت عن ذلك تحولت الى مجرد طقوس لا اثر لها في بناء الحياة، ولكن الله تعالى اراد من هذه التشريعات والعبادات ان تتحول الى عوامل قوة ذاتية تبني الشخصية الاسلامية التي تتحدى صعوبات الحياة وتجعلها قادرة على الارتقاء بها وتطويرها وتطويعها لارادة الخير والبناء بما يحقق انسانية الانسان وسعادته الحقيقية التي تتجلى بالخضوع الطوعي لارادة الله تعالى وتحقيق الهدف من الخلق والوجود، كالاهتمام اليوم بعيال الله تعالى الذين يعانون من الضائقة المعيشية ببذل ما امكن من مقومات الحياة وضروراتها حتى تستطيع الصمود والبقاء مرفوعة الرأس وعصية على الانهزام في معركة المصير التي تستهدف وطننا واهلنا وتسلبنا منجزاتنا التي حققناها بصبر وتضحيات ابنائنا وشهدائنا وقادتنا الذين لم تكن تضحياتهم الا لعزة وكرامة وطنهم واستقلاله المنجز واستعصائه على العدو الذي بات بفضل ذلك عاجزا عن القيام باي مغامرة او مجازفة عدوانية”.
وقال: “ان العجز الذي الذي يبديه المسؤولون عن القيام بتأليف حكومة تقوم بمسؤولياتها تجاه مواطنيها بعد ان أوقعه الفاسدون منهم في هذه الهوة، لا نشك انها تستند الى عاملين اساسين، الاول هو الطمع والاستئثار الذي يبدونه من خلال عنادهم عن التراجع من اجل مصلحة البلد وانقاذه، والثاني هو العامل الخارجي الذي يستخدم بعض هؤلاء للخلاص من عوامل القوة التي امتلكها لبنان المركبة من الجيش والمقاومة التي شكلت محور احتضان الشعب اللبناني”.
اضاف: “اننا يائسون من ان يرجع هؤلاء المسؤولون الى رشدهم، لم تعد مناشدتهم بالاسراع في تأليف حكومة انقاذية تجد اذانا صاغية لديهم، طالما وجدوا انصارا واعوانا يحيطونهم ويحمونهم من طوائفهم واتباعهم، وطالما هم يعلقون مواقفهم على الحروب في المنطقة ويربطون مصيرهم بمصيرها ويتواطأون مع اعداء بلدهم على ابناء بلدهم. وما يؤسف له هذا الاهتراء الذي اصاب مؤسسات الدولة وما شهدناه من اضطراب في الجسم القضائي وادائه ونرجو الا يكون بداية لتفسخ اجهزة الدولة ومؤسساتها وان يكون المخطط هو الذهاب الى ما سبق ونبه اليه دولة الرئيس نبيه بري من الفدرلة والتقسيم المقنع وهو يعني الدعوة الى حرب اهلية جديدة. فهل يتحمل اللبنانيون ذلك فيما المنطقة تذهب الى تسويات وانهاء الصراعات، وهل يريد اللبنانيون ان يجعلوا من انفسهم ضحايا بالمجان نتيجة لافكار مريضة قد يحلم البعض بان الفرصة اليوم اصبحت مؤاتية لتحقيقها، نرجو الا يكون ذلك، لذلك فلا مجال امامنا سوى الاعتماد بعد الله تعالى على انفسنا وتكاتفنا وتعاضدنا والا نبدي ضعفا او هوانا في هذه المعاناة وان نثق بالله تعالى في هذه المواجهة، فان الله مع الصابرين ومع المتوكلين (يا ايها الذين امنوا اصبروا وصابروا واتقوا الله لعلكم تفلحون) فالفوز والفلاح مرهون بان نركن الى الصبر وان نثبت اهلنا وان نتقي الله في اداء حقوقهم علينا، وفي رعايتهم وان نكون معا كالبنيان المرصوص وكالجسد الواحد وان نقسم الرغيف بيننا نشبع سويا او نجوع سويا ولن نجوع باذن الله ( ومن يتوكل على الله فهو حسبه) (الذين قال لهم الناس ان الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم ايمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل)”.
وتابع: “ايها الاخوة المؤمنون، هذا هو الصوم الحقيقي الذي قال رسول الله عنه ( الصوم جنة من النار) فاتقوا النار ولو بشق تمرة، جنة من النار الدنيوية والاخروية، قوة النفس والارادة في مواجهة الجشع والطمع وعطاء بلا حدود”.
ودان الخطيب “العدوان الاسرائيلي المتكرر على الشقيقة سورية والاشادة بالحدث الذي اخذ اهتماما كبيرا في وسائل الاعلام والتحليلات العسكرية حول الرد السوري على العدوان، واعتبر رسالة غير مسبوقة وبالغة الدلالة من محور المقاومة على هذا العدوان والذي لا شك في انه اثبت عجز الكيان الصهيوني وعبر عن مرحلة متطورة جديدة من الردع في مواجهة العدو سيحسب لها الف حساب”.
وتوجه، “في ذكرى وفاة ام المؤمنين زوج رسول الله السيدة خديجة الكبرى رضوان الله عليها بالعزاء لرسول الله وابنائه لا سيما لصاحب العصر والزمان، هذه المرأة العظيمة التي شكلت مدرسة في الايمان فهي اول من امن برسول الله ووقفت الى جانبه وتحملت معه كل المصاعب والمتاعب والالام التي واجهها في سبيل الرسالة وقدمت كل ما لديها من مال، وقد كان وفيرا الى رسول ليستعين به في مهمته ومواجهة اعباء الرسالة والحصار الذي واجههه مع بني هاشم في شعب ابي طالب، وتحملت معه هذا الحصار بما قاسته بنفسها ايضا الى جانب ما بذلته من مال حتى وافتها المنية وذهبت شهيدة الرسالة والدعوة الى الله تعالى حتى سمي ذلك العام بعام الحزن حيث افتقدها رسول الله بعدما افتقد العم والمحامي والمدافع عنه وعن الرسالة ايضا، ابو طالب رضوان الله عليه فالسلام عليهم يوم ولدوا ويوم استشهدوا ويوم يبعثون احياء، والسلام على امنا خديجة التي مثلت المرأة الصالحة والوفية والمجاهدة التي تستحق ان تكون النموذج لنسائنا وبناتنا يفتخرن بها”.