الرئيسية / آخر الأخبار / على أعتاب «يوم القدس» العبري: وحدة الساحات لا تزال همّاً

على أعتاب «يوم القدس» العبري: وحدة الساحات لا تزال همّاً

مجلة وفاء wafaamagazine

يحيى دبوق

يَظهر واضحاً، بالنسبة إلى إسرائيل، أن التصعيد المتنقّل في القدس والضفة الغربية المحتلّتَين، وكذلك المواجهة المحدودة مع قطاع غزة، ينذران بالأسوأ. الأيام العشرة المقبلة تبدو مليئة بعوامل التفجير، التي إن لم تُحسن تل أبيب مواجهتها والحدّ من تأثيرها، فلا يبعد أن تتسبّب بمواجهة شاملة لا تقتصر على القدس فقط، أو على عمليات محدودة في الضفة، بل قد تشمل أيضاً تصعيداً عسكرياً مع القطاع، في فترة تتوثّب فيها الفصائل لمؤازرة بقية الساحات، وإن مع المخاطرة بانفلاش التصعيد. هكذا، تواجه أجهزة إسرائيل العسكرية والأمنية، في القدس والضفة وغزة، تحدّيات متشعّبة، وإن كانت أسبابها متّصلة ويغذّي بعضها بعضاً. فـ«النجاح» الإسرائيلي، كما قيل، في تقسيم الشعب الفلسطيني وتشتيت وحدته ومنْع تآزره، سقط أمام اختبار الواقع، ما أضفى مزيداً من المنعة على التموضع الدفاعي الفلسطيني في وجه إسرائيل، وعقّد على الأخيرة قدرة قمعه، وهو ما تخشى تل أبيب تداعياته.

ويمثّل إطلاق النار على ثلاثة مستوطنين بالقرب من مدينة نابلس، رأس جبل الجليد وفقاً للتقديرات الإسرائيلية المسرَّبة للإعلام العبري، وهو مرشّح للمزيد من التصاعد. إذ يصادف يوم الاثنين المقبل «يوم القدس» (الإسرائيلي)، الذي يُتوقّع أن يشهد «حجّاً» للمستوطنين إلى المدينة بأعداد كبيرة جداً لتأكيد ادّعاء «السيادة» الإسرائيلية فيها، الأمر الذي سيستجلب في المقابل تحرُّكاً مقدسياً واسع النطاق، يُنذر بمواجهات بين الجانبين، من شأنها فتح الباب على تصعيد كبير يتجاوز القدس إلى الضفة، ويؤدّي إلى تحريك صواريخ غزة. كذلك، تترقّب الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، بقلق، الجمعة الأخيرة من شهر رمضان، وأيضاً ليلة القدر في السابع والعشرين منه، وهما مناسبتان يحتشد فيهما الفلسطينيون بأعداد كبيرة، قابلة لإحداث احتكاك مع المستوطنين، بما يمكن أن يؤدّي إلى مواجهات تجرّ في أعقابها تصعيداً في أكثر من اتجاه.
ما يضغط أكثر على إسرائيل، أن في عملية إطلاق النار على المستوطنين دلالات على أنها عملية مخطّط لها جيداً. وهي تحمل، وفقاً للتقدير الاستخباري لدى الجيش الإسرائيلي، «إشارات تحذير» من حركة «حماس»، مُوجّهة تحديداً إلى «يوم القدس» الإسرائيلي، من استهداف تجمّعات المستوطنين، إن تمادوا، كما هو متوقّع، في استفزازاتهم في حينه، وخصوصاً اقتحام الحرم القدسي بأعداد كبيرة جداً. والواضح، من التسريب الإسرائيلي، أن ثمّة محاولة لقلب التموضعات، وتحويل المعتدي إلى «ضحية»، علماً أن المقدسيين في «يوم القدس» الإسرائيلي، سيكونون في موقع ردّ الفعل لا الفعل الابتدائي. واللافت في هذه «السردية» استحضار حركة «حماس»، وردّ أيّ مواجهة مقدسية للاستفزازات، إليها هي تحديداً.

تُقدّر استخبارات تل أبيب أن ثمّة توثّباً لدى الفصائل للتدخّل في أعقاب أيّ تصعيد في القدس والضفة

تثير هذه المقاربة، ومعها حقيقة استقدام الجيش الإسرائيلي مزيداً من الوحدات إلى مناطق مرشّحة لأن تشهد مواجهات، أسئلة حول نيّات العدو، وما إن كان فعلاً يريد نزع فتيل التفجير عبر تقليص «فعاليات» هذا اليوم أو منعها كلّياً. وأضحى قرار تل أبيب، هنا، موضع تجاذب بين اتجاهين يصعب التوفيق بينهما: التماشي مع المستوطنين في تأكيد ادّعاء «السيادة» الإسرائيلية على القدس والحرم القدسي، عبر تمكينهم من ذلك في «يوم القدس» الذي يراد له أن يكون يوم «إعلان السيادة»، مقابل خشية من ردّ فعل الجانب الفلسطيني، مع ما لدى الأخير من دوافع لردّة فعل عنيفة، علماً أن إسرائيل تدرك أن تراجعها في اليوم المذكور أمام المقدسيين سيكون سلاحاً يُعتمد لديهم لمنع أنشطة وفعاليات بل وتنفيذ قرارات ترتبط بـ«السيادة» الإسرائيلية على القدس، ومسار تهويد المدينة. الواضح، إلى الآن، أن إسرائيل معنيّة بأن تتماشى مع المستوطنين، وإن اتّجهت إلى فعل ما أمكن للتقليل من استفزازاتهم، في مقابل التشديد على منع الفلسطينيين من تظهير أيّ ردّ فعل عملي ضدّ المستوطنين. وتُعدّ واحداً من الأساليب المعتادة في أوضاع وتقديرات كتلك، هي سياسة العصا والجزرة، التي أمّنت لتل أبيب في الماضي نتائج مقبولة مع الجانب الفلسطيني. لكن هل تنجح إسرائيل، حالياً، في التوفيق بين المطلبين؟ لا يقين في النتيجة.
في الموازاة، تضغط عملية إطلاق النار بالقرب من نابلس، على الأجهزة الأمنية الإسرائيلية؛ إذ من دون تحديد هوية مطلقي النار، ومن ثمّ أَسرهم أو قتلهم، مجازفة وتهديد كبيران لأمن الإسرائيليين، سيتسبّبان في تسريع ذهاب الفلسطينيين إلى محاكاة العملية، بما سيَصعب احتواؤه لاحقاً. مع ذلك، العين الإسرائيلية شاخصة أكثر إلى قطاع غزة. حيث تُقدّر استخبارات تل أبيب أن ثمّة توثّباً لدى الفصائل للتدخّل في أعقاب أيّ تصعيد في القدس والضفة، بمستوى عالٍ جدّاً، وهو ما شأنه تعزيز مكانة الفصائل في الأراضي المحتلة على حساب السلطة التي منعت عن الأولى الفوز في الانتخابات الملغاة، بقرار من رئيسها محمود عباس، وإن تذرّع الأخير بإسرائيل ومنعها العملية الانتخابية في القدس.

 

 

 

 

 

 

 

الاخبار