مجلة وفاء wafaamagazine
طهران | خلال الأعوام الأربعة الماضية، منّت السعودية النفس بأن تُسفر سياسة «الضغوط القصوى» التي مارسها الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، عن إنهاك إيران ومحور المقاومة وتقويضهما. وذهبت إلى حدّ رفض أيّ عرضِ حوارٍ قد يوصل إلى انفراجة مع طهران، بل إنّ وليّ عهدها، محمد بن سلمان، هدّد بـ»نقل المعركة إلى داخل إيران». الآن، رحل ترامب وحلّ مكانه جو بايدن، وتغيّرت ظروف المنطقة، ما اضطرّ الرياض إلى تغيير نبرتها تجاه طهران، ليعرب ابن سلمان، أخيراً، عن أمله بتحسين العلاقات مع إيران.
على الجهة الإيرانية، لطالما عبّرت طهران عن رغبتها في الانخراط في حوار مع الرياض، وذلك انطلاقاً من منطق أن التنافس بين الدول يجب أن لا يحول دون التعاون بينها، فضلاً عن أن الحوار سيُسهم في تبديد سوء الفهم القائم. وفي الأسابيع الأخيرة، ربّما بدأت الأمور تتغيّر، حيث ظهرت بوادرُ مهمّة توحي بذلك، ابتداءً من المحادثات التي جرت بين وفدَي الطرفين في العراق، وصولاً إلى تصريحات ابن سلمان الأخيرة. ومن هذا المنطلق، أعلنت إيران أنها ترحّب بتغيّر لهجة السعودية، ولا سيّما أنها تعتبر أن هذا التغيّر يصبّ لمصلحتها، كما يُعدّ ضرباً من النجاح بالنسبة إليها. فهي حريصة على تثبيت وترسيخ قوّتها وقوة محور المقاومة، وترميم علاقاتها مع جميع دول المنطقة، بالتزامن مع إحياء الاتفاق النووي.
من الصواريخ اليمنية إلى مجيء بايدن
التوجّهات السعودية الجديدة تحوّلت، على مدى الأيام الماضية، إلى محور اهتمام الأوساط السياسية والإعلامية في إيران، حيث أثير الكثير من الكلام عن أسباب تغيّر نبرة الرياض ودلالاته. ورأى فريقٌ من وسائل الإعلام والمحلّلين السياسيين أن هذا الأمر نابع من إخفاق الرياض في الحرب اليمنية والضربات التي تلقّتها من «حركة أنصار الله». بيد أن فريقاً آخر ذهب إلى أن تغيّر الإدارة الأميركية يشكّل أهمّ سبب للتحوّلات الأخيرة في توجّهات السعودية؛ إذ إن إدارة بايدن لا تنظر بعين الرضى إلى المملكة، وتتبنّى اتخاذ إجراءات لا تعجبها بما فيها العودة إلى الاتفاق النووي، ومن هنا لم يكن أمام الرياض إلّا السعي جاهدة للإمساك بزمام المبادرة، في خطوة للحدّ من تهميشها، على أن تقوم هي بتحسين علاقاتها الخارجية، بما في ذلك مع إيران وقطر.
ومن هذا المنطلق، كتبت صحيفة «جوان» المقرّبة من الحرس الثوري: «إن الصواريخ اليمنية قد أقنعت على ما يبدو السعودية بالانخراط في محادثات مع إيران، وذلك بعد سنوات عدّة من وضع الشروط»، لافتة إلى أن «العملية التي افتُتحت الشهر الماضي في بغداد، مقرّر لها أن تستمرّ». واعتبرت الصحيفة أن «تغيّر سياسة الرياض تجاه طهران يعود إلى السياسات الإقليمية الأميركية أيضاً، وبدء جولة جديدة من المحادثات النووية بين إيران وأميركا للعودة إلى الاتفاق النووي»، مضيفة: «لقد توصّل السعوديون إلى اقتناع مؤدّاه أنهم غير قادرين على تسوية الأزمة اليمنية ووضع نهاية للنزاع من دون إيران».
لطالما عبّرت إيران عن رغبتها في الانخراط في حوار مع السعودية
ورأى قاسم محبعلي، وهو دبلوماسي إيراني سابق، من جهته، أن «من الطبيعي أن تتغيّر الظروف، مع خروج ترامب من البيت الأبيض وقدوم بايدن». ولفت، في حوار مع موقع «خبر أونلاين» الإلكتروني، إلى أن «بايدن سعى، خلال الفترة التي تسنّم فيها الرئاسة، إلى إدخال تغييرات على السياسات الماضية للولايات المتحدة، وأحد هذه التغييرات يخصّ اليمن»، مضيفاً إنه «يبدو أنه سيعتمد تغييرات بشأن إيران». أمّا رئيس «المركز الدولي لدراسات السلام» في لندن، سيد سليمان صفوي، فقد اعتبر، في حوار مع صحيفة «اعتماد»، أن «السعودية قد أدركت لفترة أن سياسة العداء مع إيران لا طائل من ورائها. وعليه، فهي تبحث عن فرصة للعودة ثانية إلى الدبلوماسية في سبيل إيجاد انفراج مع طهران».
تفاؤل يشوبه الحذر
وبمعزل عن الأسباب التي مهّدت للتقارب بين الرياض وطهران، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو: إلى أيّ مدى ستُسهم الاتصالات الأخيرة في تطبيع علاقات البلدين؟ ثمّة تفاؤل حذر بين الخبراء في إيران، ولا سيما أن معظمهم يعتقد بأن الطريق إلى ترميم العلاقات بين البلدين شائك وحافل بالمطبّات والمنعطفات، وأن تشابك الخلافات وتراكمها يجعلان من الصعوبة بمكان تطبيع العلاقات بهذه البساطة والسرعة. مع ذلك، يرى البعض أن الاتفاق في شأن اليمن، الذي يشكّل أهمّ الملفّات وأبرزها، يمكن أن يمثّل منعطفاً لتسوية باقي الخلافات، معتبرين أنه في حال عدم معالجة هذا الخلاف، يصبح حلّ باقي المواضيع ضرباً من المُحال.
وفي السياق، أعرب مدير فريق دراسات السعودية في «مركز الدراسات العلمية والبحوث الاستراتيجية للشرق الأوسط» في طهران، كامران كرمي، عن اعتقاده بأن «الاتصالات التي بدأت بين إيران والسعودية تمهّد لتجاوز البلدين مرحلة الصراع إلى التنافس»، مُنبّهاً، في الوقت نفسه، في حديث إلى «الأخبار»، إلى أنه «طالما أن الطرفَين لم يُحوّلا هذا المسار الإيجابي إلى إطار محادثات يُعنى بتسوية القضايا والمشاكل القائمة بينهما، فلا يمكن عقد الأمل والتفاؤل بهذا المسار». ولفت إلى أن «نجاح محادثات فيينا، وإقرار وقف النار المستدام في اليمن، وتأييد الاتصالات بين السعودية وسوريا، يشكّل أساساً جيّداً للغاية للمحادثات الأكثر جدية بين إيران والسعودية بشأن الأمن البحري وبدء العلاقات القنصلية»، مستدركاً بأن «تعقيد المشهد الميداني في اليمن، إلى جانب موضوع الحرب بالوكالة بين البلدين ومسألة الصواريخ الإيرانية، كلّها أمور تدفع المرء إلى عدم التحلّي بالتفاؤل اللازم بتوصّل الطرفين إلى اتفاق أمني». إلّا أنه ربط هذا الاتفاق «بمبادرة الطرفين لاقتناص الفرصة السانحة في ظلّ توافر الإرادة في أعلى مستويات صنع القرار وتحويلها إلى إطار للمحادثات، ونبذ الشروط المسبقة التقليدية المبنيّة على الخلل الإدراكي لمصلحة إطار يتّسم بالتعاون، وإن كان محدوداً».
الاخبار