مجلة وفاء wafaamagazine
بين من ينادون بالحل الجذري للتدخين، ومن ينادون بالحل البديل له، يقف المدخنون حائرين، وأحيانًا عاجزين. فالإقلاع عن التدخين ليس بالأمر السهل، وقد يكون اتخاذ القرار سهلًا، لكنّ العبرة في التنفيذ. وأمام عدم القدرة على التخلي عن التدخين، وجدت شركات عدة حلًّا وسطًا، تمثَّل في أجهزةٍ بديلة متنوعة، تسهم في تخفيف ضرر السجائر مع المحافظة على المتعة التي توفرها.
دول عدة حول العالم نادت بالحلول البديلة للسجائر التي تخلو من أي عملية حرق للتبغ، بعدما اقتنعت بفاعليتها في تخفيف الضرر، بما أن هذا الأخير ينتج عن احتراق التبغ، وليس عن النيكوتين. المملكة المتحدة هي من أبرز تلك الدول، وقد جعلت استخدام السجائر الإلكترونية جزءًا من استراتيجيتها الصحية للحد من أضرار التدخين، فأدت مع غيرها من المنتجات المنخفضة الضرر إلى تراجع عدد المدخنين فيها بنسبة كبيرة. وفي المملكة المتحدة أيضًا، ارتفعت أصوات برلمانيين في وجه منظمة الصحة العالمية، متهمةً إياها بالعمل على إلغاء السجائر الإلكترونية وغيرها من الأجهزة المنخفضة المخاطر، وبعدم التفرقة بينها وبين المنتجات القابلة للاحتراق، وداعيةً إلى التصدي لمخططها هذا.
احتراق التبغ هو إذًا أصل البلاء، لأنه يؤدي إلى انبعاث أكثر من 6,000 مادة كيميائية تسبب أمراضًا متنوعة بعضها مميت. وانطلاقًا من هذه الواقعة، تمّ العمل على ابتكار بدائل للسجائر توفر النيكوتين من دون الحاجة إلى حرق التبغ. أشهر هذه البدائل هو جهاز التبغ المسخن الإلكتروني الذي تفرّد بتقنيةٍ تقضي بتسخين التبغ بدلًا من حرقه، وأدى إلى خفض انبعاث المواد الكيميائية الضارة بنسبة 95% مقارنةً مع السيجارة التقليدية، من دون أن يكون هو نفسه خاليًا من الضرر في شكل كامل.
يعمل هذا الجهازعلى تقنية تسخين التبغ بدلًا من حرقه، فتُصدر بخارًا يحتوي على النيكوتين بدلًا من الدخان، وذلك كفيلاً بإبقاء الهواء نقيًّا في الأماكن المغلقة، وبتجنيب غير المدخنين آثار التدخين السلبي الذي يتسبب بدوره بأمراض مميتة. عملية التسخين فيه تتم على حرارة لا تتعدى الـ350 درجة مئوية، أي بفارق كبير عن السيجارة التقليدية التي تزيد حرارة طرفها عن 800 درجة مئوية أثناء احتراق التبغ فتؤدي إلى انبعاث مواد كيميائية ضارة.
هذه الأرقام تثبت دور الأجهزة البديلة للسجائر في المساهمة في الحد من أعداد المدخنين، وهي ستكون في صلب النقاشات التي ستدور بين ممثلي اتفاقية منظمة الصحة العالمية الإطارية في شأن مكافحة التبغ (FCTC) في تشرين الثاني المقبل. فهؤلاء يجتمعون كل عامين لمناقشة الطرق التي يمكن عبرها تحسين أو تنفيذ هذه الاتفاقية التي تهدف إلى تزويد الحكومات بمبادئ توجيهية للحد من استخدام التبغ. اجتماعهم هذا يحمل اسم مؤتمر الأطراف (COP)، وهو سيُعقد هذا العام بنسخته التاسعة، لكنّ المجموعة البرلمانية لكل الأحزاب من أجل السجائر الإلكترونية (APPG for Vaping) في المملكة المتحدة استبقت انعقاده بإجراء استقصاء عن الاتفاقية وتاريخها وقراراتها، وأعدت تقريرًا قدمت فيه توصيات تتعلق بطريقة تعاطي المملكة المتحدة مع المؤتمر المقبل بعدما أصبحت قادرة على التحدث خارج مجموعة الاتحاد الأوروبي. وقد ذهب البرلمانيون في هذه المجموعة إلى حدّ حثّ الحكومة البريطانية على الوقوف في وجه معارضة منظمة الصحة العالمية للسجائر الإلكترونية وغيرها من الأجهزة البديلة للسجائر في المؤتمر، وطلبوا منها النظر في تقليص تمويلها لها في شكل كبير إذا لم تغير نهجها في الاتفاقية بما يعكس في شكل أفضل المصالح الوطنية للمملكة المتحدة، وإذا لم تتوقف عن العمل على حظر المنتجات المنخفضة الضرر، انطلاقًا من واقعة أن أحد المبادئ التأسيسية للاتفاقية هو الحد من الأضرار المرتبطة بالتدخين، وليس الحد من استخدام التبغ والنيكوتين. كذلك دعا البرلمانيون البريطانيون دولتهم إلى أن ترسل من ضمن وفدها إلى المؤتمر ممثلين عن مجتمع مستخدمي السجائر الإلكترونية أو مدخنين سابقين تمكنوا من الإقلاع عن التدخين بفضلها، بما يضمن إيصال صوت المستهلكين إلى المجتمعين.
الفرق بين السجائر التقليدية ومختلف الأجهزة البديلة لها واضح، وهذه الأخيرة لها دور أساسي في مساعدة المدخنين على الإقلاع نهائيًّا عن التدخين، او التخفيف من أضرار التدخين على صحتهم. ومن هنا عملت شركات عدة على تطوير منتجات خالية من الدخان، مستثمرةً مليارات الدولارات لهذه الغاية. لقد نجحت في تطوير أجهزة عدة. ففي مقابل التبغ المحترِق، أصبح هناك التبغ المسخَّن، فانتفت المواد الكيميائية الضارة بمعظمها، وبقيت النكهة ومعها المتعة التي لا تضاهى.