مجلة وفاء wafaamagazine
أدى نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى العلامة الشيخ علي الخطيب الصلاة في مقر المجلس وألقى خطبة الجمعة، قال فيها:
“أيها الاخوة المؤمنون السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، قال تعالى ( يا ايها الذين آمنوا اتقوا الله وقالوا قولا سديدا يصلح لكم اعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما). تتعرض هذه الاية المباركة الى مسألة مهمة من المسائل المتعلقة بصلاح المؤمنين وتحقيق الغاية من هذا الايمان، وقد شخصت هذه الاية هذه الغاية، بتحقيق امرين الاول هو صلاح الاعمال والثاني هو العبور من حالة استحقاق المحاسبة على الاخطاء والارتكابات التي يقع فيها الانسان نتيجة عوامل الضعف التي تنتابه امام مغريات النفس وشهواتها الخاطئة وتخليه عن التزاماته وخيانته لعهوده وايمانه .
اما الامر الاول، وهو صلاح الاعمال فانه يعني ان تكون لاعماله نتائج ايجابية على حياته وان تحقق الغاية المرجوة منها، فان الانسان انما يقدم على بذل جهوده وطاقاته وقد يبذل حياته لانجاز اي عمل من الاعمال التي يعتقد ان عليه انجازها وتحقيقها وانه لا معنى لحياته من دونها، والا فان الحياة تتحول الى جحيم ويدفعه ذلك الى التخلص منها. ففي المبدأ ان الذي يجعل للحياة معنى عند الانسان وجود اهداف يعمل على انجازها وتحقيقها لانها تمثل له قيمة معنوية كبرى يحقق بانجازها معنى هذا الوجود. وهذه الاهداف تختلف باختلاف الاشخاص وقدراتهم التي تتفاوت بحسب مخزونهم الثقافي والتربوي والتاريخي وعمقه حجمه، وتكمن قوة اي مدرسة فكرية في مدى الدوافع الثقافية والتربوية التي توجدها في نفوس اتباعها والحوافز التي تخلقها لتحقيق الاهداف التي تسعى لتحقيقها في الحياة ومدى مقاربتها لتفسير حقيقة الوجود وتطابقها مع الحقائق الواقعية”.
أضاف:” ومن هنا، فاننا نفهم المقصد الذي ترمي الى بيانه هذه الاية الشريفة، وبهذا العمق هو هذا المعنى وهو انها تخلق لدى المؤمنين هذه الدوافع والمحفزات التي تجعل منهم قوة اكثر جدية وفاعلية وواقعية، فمن حيث المدى المفهومي للحياة فهو الاوسع حيث لا يختص بالحياة بمعناها الضيق، وهو ما يطلق عليه في المفهوم الديني بالحياة الدنيا، وانما يتسع الى ما بعدها الى العالم الاخر الذي بهذا المفهوم هو المعنى الحقيقي للحياة: قال تعالى ( وان الدار الاخرة لهي دار الحيوان لو كانوا يعلمون)، وبالتالي فان ما يقدم الانسان من عمل ويبذل في سبيله من جهد وطاقة له بعدان: بعد دنيوي عاجل وله عواقب دنيوية، اطلق عليها تعبير له دلالة خاصة، وبعد معنوي خاص عبّر عنها بالعاجلة، وبعد اخر ابعد مدى واعمق مغزى وهو الحياة الاخرة وما وراء الحياة الدنيا. والدين حينما يميز بين هاتين الحياتين الحياة المادية القصيرة وبين الحياة الاخرى بالتعبير عن الحياة المادية بالحياة الدنيا او بالعاجلة او بدار الغرور، وبالتعبير عن الحياة الاخرى بانها الدار الاخرة و بدار الحيوان اي الحياة، فهو يريد ان يعطي الحياة الدنيا معنى اكثر غنى فيما يربطها بالحياة الاخرة، وانها انما تفتقد هذا المعنى وتفتقد بالتالي المحفزات للتمسك بها والدوافع لرفدها بالجهود والطاقات، لانها لا تستحق ذلك، لانها تصبح تافهة وغير ذات معنى، وان كل لذائذها ومكاسبها لا تستحق هذه الخصومات والنزاعات والالام والاثام التي ترتكب في سبيل الحصول عليها، فهي قصيرة الامد لا تدوم وسرعان ما تزول، وهي مع ذلك مقرونة بالمنغصات والالام، بمعنى اخر ان قيمة ما يبذله الانسان من جهد وما يتحمله من الالام وما يصادفه من منغصات ، تتدنى حينما يقتصر على هذا الادنى من النتائج، فهي مكاسب زهيدة حينما تقابل بما وعد الله سبحانه المؤمنين في الاخرة وحينما يقصر جهده على منافع الحياة الدنيا التي هي غير مضمونة وغير مأمونة وغير باقية فيكون قد ارتكب اخطاء متعددة اولا بحق بارئه وخالقه الذي خالفه وعصاه”.
وتابع :”ثانيا بحق نفسهمن ناحيتين: الاولى، انه استهان بنفسه ولم يعطها ما تستحقه، فبذلها في مقابل ما لا يوازيها قيمة، ومعنى وضعها في غير موضعها وهو ما عبّر عنه امير المؤمنين عليه السلام في كلامه الذي نقلناه عنه في اكثر من موضع وهو قوله ( والله لا اكون كالبهيمة المربوطة همها علفها)، وهذا انما يتحقق بلوغه بالشرطين اللذين ذكرنا في البداية، ان الاية المباركة رمت الى بيانها الاول، تقوى الله الذي يعني ان يعرف الانسان حقيقة نفسه وموقعه في هذا الوجود، وانه عبد لله سبحانه وتعالى الذي هو الكمال المطلق والوجود المطلق والغنى المطلق والقادر المطلق، فيقر الانسان بفقره واحتياجه اليه.
والشرط الثاني، ان يلتزم قول السداد ودعوة الحق والرشاد، وألا يكون عابثا لاهيا يبتغي الفساد والضلال وحينما تجتمع في المؤمنين هاتان الصفتان يتحقق صلاح اعمالهم وترتد هذه الاعمال عليهم باصلاح حياتهم وبتحقق اهدافهم من الاستقرار والحياة الكريمة والقوة والمنعة والتقدم في الحياة الدنيا والنجاة في الحياة الاخرة التي عبر عنها بذكر سبب النجاة، وهو التجاوز عن ذنوبهم وارتكاباتهم واخطائهم التي اقتضت ان يحاسبوا عليها، والا ينجوا من العقاب ، ولكن رحمته اقتضت ان يتجاوز عن ذنوبهم بتوبتهم وعودتهم الى طريق الرشاد وان يحييهم الحياة الطيبة التي وعدهم.
والخلاصة، هو ان الله سبحانه وتعالى كما ربط بين الدارين وبين الدنيا والاخرة وبين تقوى الله تعالى بالتزام اوامره والاستقامة على الجادة، وان صلاح الدنيا والاخرة مرتبط بمدى صلاح نفوسنا والتزام السداد والرشاد والامر بالمعروف والنهي عن المنكر، فانه لا يمكن ان يكون اصلاح وصلاح الا بالسعي اليه وتحمل تبعاته، الذي يدلل بما لا شك فيه ان ما يعانيه من ازمات وفساد ماهو الا نتاج ايدينا”.
وقال الشيخ الخطيب :”ايها الاخوة، نحن اللبنانيين مواطنين قبل المسؤولين الذين قبلنا ان نكون أزلاما وعبيدا لعبيد امثالنا من دون الله، واستكبرنا ان نكون عبادا لله وقبلنا ان نكون عبيدا للعبيد فسكتنا عن الفاسدين ولم نرفع صوتا في وجوههم، بل شاركنا الفاسدين فسادهم ووقفنا الى جانب الباطل والظلم، ولم ننصر الحق ولم نقف في وجه الظالم. كان ذلك كله من تبعات الطائفية السياسية التي اقتضت المصالح وتضاربها ارتكاب ابشع الموبقات والخيانات في حق بعضنا البعض. واقتضت ان يقف بعضنا في وجه البعض الاخر وان يطعن بعضنا البعض وان تزول كل الادبيات الوطنية من قاموسنا فلا الخيانة خيانة طالما مصلحة الطائفة تقتضي ذلك، او بالاحرى مصلحة زعيم الطائفة تقتضي ذلك، واصبح الوطن الذي لم يوجد اصلا اوطانا، لكل طائفة وطنها الخاص ومفهومها الخاص للوطن، فنتقاتل تقاتل الاعداء حين تتضارب المصالح، ونتعايش حينما تتقاسم الزعامات الغنائم ولا يتحرك فينا عرق حتى لو متنا جميعا جوعا”.
أضاف:”فيا له من وطن ويا لنا من مواطنين وقد فشلنا جميعا في بناء وطن ، والوطن كذبة على ألسنتنا حينما نطلقها ونتذرع بها، وكان هذا قبل الطائف وبعد الطائف ولا يبدو اننا بصدد التغيير او الاصلاح حتى الان، وهذا هو المقصود من عبارة لبنان بلد التسويات، فهؤلاء يريدون ابقاء لبنان رهينة القوى الخارجية ويكذبون حين يرفعون شعار السيادة ثم سرعان ما يعودون الى حجورهم وكهوفهم الطائفية حينما تسنح لهم الفرصة بذلك، ويعملون على ضرب اية محاولة للدفاع عن السيادة واتهام اصحابها بانهم يعملون لصالح قوى اقليمية وخارجية. اننا رغم المرارة التي نعبر عنها في كلماتنا وتدفعنا اليها ما يعانيه المواطنون من هموم ومشاكل معيشية واجتماعية وصحية، ندعو اصحاب المصالح من تجار وقطاعات متنوعة الى الامتناع عن المشاركة في زيادة هموم المواطنين سواء في احتكار السلع الغذائية والدوائية وعدم استغلال الاوضاع لزيادة ارباحهم، فهو عمل محرم ومشاركة في الفساد الذي اوصل البلد الى هذه الكارثة”.
ودعا الشيخ الخطيب الى “ايجاد تسوية موقتة وسريعة وعاجلة لوقف الانهيار وتخفيف معاناة المواطنين رغم عدم ايماننا بالتسويات والدعوة بدلا من ذلك الى تطبيق اتفاق الطائف لتأليف مجلس شيوخ والدعوة الى اقرار قانون انتخابي خارج القيد الطائفي والغاء الطائفية السياسية”.
واذ شكر الحكومة العراقية على مصادقتها على قرار دعم لبنان بمليون طن من النفط الخام “في تعبير عن الاخوة الحقيقية التي تعمر قلوب اخواننا واهلنا في العراق”، دعا الدول الشقيقة والصديقة ، سيما الدول العربية الى الوقوف مع لبنان في هذه الازمة الصعبة فتحذو حذو العراق الذي قدم هبه للجيش اللبناني قبيل مبادرته الحالية، فلبنان اليوم يحتاج الى كل دعم ومساعدة تخرجه من جحيم الانهيار الذي يتهدده، وفي هذا المجال فاننا نشكر الجمهورية الاسلامية الايرانية على دعمها للبنان واستعدادها تقديم النفط والمساهمة في حل ازمة الكهرباء، وهنا نحمل الدولة اللبنانية المسؤولية عن عدم قبول المساعدة الايرانية وترك اللبنانيين عرضة للمعاناة الصعبة التي يعيشونها”.
وطالب الخطيب الاجهزة الرقابية والقضائية اللبنانية الى “التحرك السريع للجم الاحتكار ومعاقبة المحتكرين للدواء والغذاء والسلع الاستهلاكية، فلا يجوز باي شكل من الاشكال تجويع اللبنانيين واخضاع لقمة عيشهم ودوائهم لاستغلال تجار الازمات الذين كدسوا ويكدسون الثروات الطائلة على حساب افقار اللبنانيين، ان حكومة تصريف الاعمال تتحمل كامل المسؤولية في تفعيل أجهزتها ومؤسساتها الرقابية، لا يعفيها كونها حكومة تصريف اعمال عن القيام بواجبها والا فانها تمارس ما تقوم به الطبقة السياسية الفاسدة”.
واستنكر الخطيب “العدوان الصهيوني على سوريا، في انتهاك مزدوج للسيادتين اللبنانية والسورية”، وقال:” نضعه بتصرف الامم المتحدة ومجلس الامن المطالبين بادانة هذا العدوان الذي يدأب عليه العدو لاعادة الاعتبار المعنوي لجيشه والخروج من الهزائم والاخفاقات التي مني بها، فضلا عن محاولات نتنياهو للخروج من ازماته الداخلية التي تفوح منها روائح الفساد وتحميله مسؤولية اخفاقه في العدوان الاخير على غزة”.