مجلة وفاء wafaamagazine
أحيا المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، برعاية رئيس المجلس الشيخ عبد الأمير قبلان، مراسم عاشوراء لهذا العام في مقر المجلس، في حضور نائب رئيس المجلس العلامة الشيخ علي الخطيب، وألقى عميد كلية الدراسات الإسلامية في “الجامعة الإسلامية” الدكتور فرح موسى كلمة في الليلة التاسعة قال فيها:
“إن عاشوراء بما هي ذكرى أليمة وفاجعة لا يمكن اعتبارها مجرد ذكرى مأسوية وحسب، وإنما تمثل أبعادا أخرى تطال الجوانب الإنسانية كلها، فهي الى جانب بعدها المأسوي تعني كل الأبعاد الأخرى من اقتصاد واجتماع، وقبل كل ذلك هي تمثل القرآن الكريم، إذ لا نجد شعارا للإمام الحسين إلا وله جذره القرآني، ويكفي تدبرا أن نعي معنى أن يقول الإمام: ألا من كان باذلا فينا مهجته وموطنا على لقاء الله نفسه فليرحل معنا، وهو القول الذي يدل عليه القرآن بقوله تعالى: والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا”.
أضاف: “هنا السؤال: ما هو وجه الدلالة بين فينا في القرآن وفينا الإمام الحسين؟ إنه معنى واحد أن من يدخل في ضمير فينا لا بد أن يكون مهتديا الى حقيقة ما يجسده الإمام من ترجمة وتعبير لهذا المعنى الإلهي، بما هو هداية وجهاد في سبيل الله تعالى”.
وتابع: “هكذا فإنه من أبعاد إحياء هذه الذكرى أن نطل على الأسباب التي أدت الى أن يكون الإمام الحسين في مواجهة الوثنية والجاهلية التي مثلها الحزب الأموي في تاريخ هذه الأمة، فالقرآن يظهر لنا هذا التقابل بين مشاريع الإفساد ومشاريع الاصلاح في تجارب الأنبياء، ذلك أنه لا يمكن تجاوز المراحل والتجارب التي سبقت كربلاء وأدت الى يكون الإمام تعبيرا حيا عن كل التجارب الإصلاحية في تاريخ البشرية”.
وأشار إلى أن “الإمام هو وارث الأنبياء والأوصياء، وقد وقف في وجه الظلم والظالمين ليحول دون القضاء على الدين. فالقرآن يعرض لهذه المقابلة، ويبين أن الصراع مجاله دائما بين ما يكون عليه الناس من عقيدة واقتصاد، وقد جعل الطواغيت المال والسلطة أدوات ووسائل للضغط وصناعة الإستبداد، بدلالة أن بني إسرائيل وتبعهم الحزب الأموي في اعتماد المال والسلطة والترف في مواجهة الأنبياء، ولم تخل تجربة تاريخية من أن يكون الوضع الاقتصادي العامل الأقوى في حسم الصراعات، وهناك نماذج قرآنية كثيرة تظهر أن تدهور الوضع الاقتصادي لا بد أن ينشأ عنه خللا في الاعتقاد، وهذا ما يبرزه القرآن بوضوح في ما أشار إليه من تجربة للنبي شعيب في سورة هود، حيث كان محور الكلام عن العقيدة والاقتصاد، كما قال تعالى: يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ولا تنقصوا المكيال والميزان إني أراكم بخير وأوفوا المكيال والميزان بالقسط.…وجاء رد القوم على دعوة النبي شعيب بقولهم: “أصلواتك تأمرك ان نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء.…فهم يرون ان الربط محكم بين العبث بالأموال والجمع لها وبين ما هم عليه من شرك ووثنية”.
وقال: “الامام الحسين واجه الحزب الأموي بوصفه امتدادا لهذه الوثنية، ولهذا خاطب القوم معللا سبب قتالهم له وقسوة تعاملهم معه :أن بطونهم امتلأت بالحرام وجعلت سيوفهم التي هي له عليه، كما قال: سللتم علينا سيفا لنا في أيمانكم”.
ولفت إلى أنه “حيث يكون الحرام لا بد أن يكون له تأثيرات على عقائد الناس، فيحصل الانحراف ويحال دون نصرة الحق، فعلى أهل الحكمة والسياسة والتدبير في مجتمعاتنا الوعي بهذه الحقيقة وأن يمنعوا من السقوط بالحرام، وخصوصا حين استفحال الأزمات الاقتصادية في المجتمعات، وهذا ما بينه الامام السيد موسى الصدر منذ خمسة عقود من الزمن، مبينا ان الاحتكار والظلم يؤديان الى المزيد من التحلل الاعتقادي، وما من نظام مجرم في التاريخ إلا وكانت وسيلته للقهر والاستبداد التجويع والإرهاب، الى جانب إحياء النزعات القبلية والعنصرية”.
يذكر أنه تم احياء الليلة التاسعة بتلاوة آيات من الذكر الحكيم للقارئ الدولي أنور مهدي، وتلا الشيح حسين نجدي مجلس عزاء حسينيا، وموسى الغول زيارة الحسين، وقدم للحفل الشيخ علي الغول.