مجلة وفاء wafaamagazine
غيّرت حركة «طالبان» معادلة ظلّت سارية على مدى عقود، بعد تمكُّنها من السيطرة على ولاية بانشير، وعاصمتها بازاراك، عبر اعتماد آلية تضييق الخناق على الوادي ومحاصرته أولاً، ثم دخوله من الأقاليم المحاذية له. و«بهذا الانتصار… خرجت بلادنا من دوامة الحرب، وسينعم شعبنا بحياة سعيدة في سلام وحرّية في جميع أنحاء البلاد»، وفق ما جاء على لسان الناطق باسم «طالبان»، ذبيح الله مجاهد، الذي رفضت حركته، كما خصومها المتحصّنون في الوادي، مساعي الوساطة لوقف الهجوم، مفضّلة استعادة المنطقة بالقوّة
بإعلانها السيطرة على ولاية بانشير، تكون حركة «طالبان» – وللمرّة الأولى منذ نشأتها وبعد أيام قليلة على استكمال الانسحاب الأميركي من أفغانستان -، قد أحكمت قبضتها على عموم البلاد، ليصير الإعلان عن الحكومة التي يُتوقَّع أن يرأسها رئيس مكتبها السياسي، الملّا عبد الغني برادر، مسألة وقتٍ. وعلى رغم تصويرها لمسألة الهجوم على بانشير باعتبارها خياراً أخيراً تمّ اللجوء إليه بعد «فشل الوساطات والمساعي» إلى استرداد المنطقة بغير القوّة، بدت «طالبان» عازمة، منذ بدء «التمرُّد»، على إيصال رسالة واضحة لجميع المناوئين لحُكْمها، مفادها أنها لن تقبل سيطرةً منقوصة وهي التي، كما ذكّر الناطق باسمها، ذبيح الله مجاهد، أخيراً، «لم يكن ممكناً هزيمتها، حتى بدعم من حلف شمالي الأطلسي والقوات الأميركية».
تمكُّن «طالبان» من السيطرة على بانشير لم يكن متوقَّعاً بهذه السرعة، وإنْ كانت الحركة أطبقت حصارها باكراً على الوادي من جهاته الأربع، بعدما وضعت مسألة استعادته على جدول أولوياتها، مرجئةً لهذه الغاية، الإعلان عن ترتيبات السلطة الجديدة، بما فيها الحكومة التي يُتوقَّع أن تبصر النور في غضون الأيام القليلة المقبلة. وجاء إعلان الحركة بسطَ سيطرتها على الولاية الواقعة شمال شرقي أفغانستان، على لسان الناطق باسمها، قبل إقرار قائد جبهة بانشير، أحمد مسعود، الذي أُشيع أنه فرّ إلى طاجيكستان رفقة نائب الرئيس السابق أمر الله صالح، بصحة الأنباء، عازياً تسارع الأحداث في المنطقة إلى رفْض «طالبان» وساطة «العلماء» لوقف إطلاق النار. ومع إعلانه «انتهاء الحرب رسمياً في أفغانستان»، وطمأنته سكّان الولاية، وغالبيتهم من الإثنية الطاجيكية، إلى أنه «لن يكون هناك أيّ تمييز ضدّهم»، كرّر مجاهد أن الحركة «حاولت بصورة جدّية حلّ مشكلة بانشير سلمياً لكن جهودها فشلت». ولكن، قبل ساعات من إحكامها السيطرة على بانشير، رفضت «طالبان» عرض مسعود لوقف القتال وإجراء محادثات، شريطة انسحابها من الولاية التي سيطرت على مديرياتها السبع، بما فيها عاصمتها بازاراك. وكتب مسعود على صفحة ما تسمّى «الانتفاضة الشعبية» في «فايسبوك»، أنه يرحّب باقتراح مجلس العلماء لإجراء محادثات لإنهاء القتال في بانشير، لكن مجاهد ردّ بأنه «لم يبقَ ما نتفاوض عليه مع أحمد مسعود بعد رفضه عرضنا للسلام قبل أسبوعين»، والقاضي بتسليم المنطقة من دون قتال. وفيما يسود صمت دولي إزاء التطوّرات المتسارعة في أفغانستان، دانت إيران، الملتزمة موقفاً حذراً من «طالبان»، «بشدّة» الهجوم الذي شنّته الأخيرة على الوادي. واعتبر الناطق باسم وزارة الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زاده، أن «الأنباء التي نسمعها من بانشير مقلقة (…) نحن ندين هجوم ليلة (أوّل من) أمس على هذه المنطقة بشدّة»، مضيفاً: «الشعب الأفغاني شعب غيّور جدّاً يسعى إلى الاستقلال، بالتالي فإن أيّ تدخُّل أجنبي في هذا البلد مرفوض، وقضية بانشير يجب أن تُحلّ سياسياً، ومن طريق الوساطات».
على المستوى السياسي، لا تزال تشكيلة الحكومة الجديدة لـ«طالبان» غير معروفة، إلّا أن ذبيح الله مجاهد أكد، في مؤتمره الصحافي أمس، أن الحركة ستشكّل حكومة تصريف أعمال كي تكون هناك فرصة لتعديلها وتحسين أدائها، نافياً، في الوقت ذاته، وجود أيّ خلافات بينيّة. وأوضح مجاهد أن علاقة «طالبان» مع الصين قوية، وأنها تريد التعاون معها من أجل تنمية البلاد، متوقّعاً أن تعترف بكين بالحكومة الأفغانية الجديدة. وفيما يُنتظر أن تضع السلطات الجديدة اللمسات الأخيرة على شكل نظامها، بعد ثلاثة أسابيع على سيطرتها السريعة على كابول، شكّك رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة، الجنرال مارك ميلي، في مدى قدرة «طالبان» على ترسيخ سلطتها، مع تحوّلها من قوّة تخوض حرب عصابات إلى حكومة. وقال لشبكة «فوكس نيوز»: «أعتقد أن هناك على الأقلّ احتمالاً كبيراً جداً باندلاع حرب أهليّة أوسع، من شأنها أن تؤدّي إلى ظروف يمكنها في الواقع أن تفضي إلى إعادة تشكّل للقاعدة أو تنامي تنظيم الدولة الإسلامية أو… مجموعات إرهابية أخرى».
الاخبار