مجلة وفاء wafaamagazine
ألقى العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، في حضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:
“عباد الله أوصيكم وأوصي نفسي بما أوصى به علي واليه مالك الأشتر عندما قال: “إياك والدماء وسفكها بغير حلها، فانه ليس شيء أدعى لنقمة، ولا أعظم لتبعة (مسؤولية)، ولا أحرى بزوال نعمة وانقطاع مدة (العمر)، من سفك الدماء بغير حقها، والله سبحانه مبتدئ بالحكم بين العباد فيما تسافكوا من الدماء يوم القيامة”.. فلا تقوين سلطانك بسفك دم حرام، فان ذلك مما يضعفه ويوهنه.. بل يزيله وينقله (عنك)، ولا عذر لك عند الله ولا عندي في قتل العمد، وإن ابتليت بخطأ وأفرط عليك سوطك أو سيفك أو يدك بالعقوبة فإن في الوكزة فما فوقها مقتلةً، فلا تطمحن بك نخوة سلطانك عن أن تؤدي إلى أولياء المقتول حقهم”.
هذه وصية علي، والتي من الواضح عنوانها: إن إياكم واستسهال الدم لأجل تقوية سلطة أو تعزيز موقع أو التنفيس عن غضب أو انفعال وتوتر وما أكثر ما يحصل ذلك في هذه الأيام، فدم البريء عزيز عند الله وعقوبته كبيرة في الدنيا والآخرة، ولو وعينا ذلك لعشنا في مجتمع آمن ومستقر ونصبح أكثر قدرة على مواجهة التحديات.
والبداية، من معاناة الإنسان في هذا البلد التي تتفاقم وتزداد يوما بعد يوم على الصعيدين المعيشي والحياتي، حيث يعود سعر صرف الدولار إلى الارتفاع بعد انخفاض محدود ولفترة وجيزة، فيما يستمر الارتفاع في أسعار السلع والمواد الغذائية والخدمات وكلفة تأمين النقل والكهرباء والمتطلبات الصحية، والاستحقاقات المدرسية والجامعية وتعود طوابير السيارات على محطات الوقود فيما تتدنى القدرة الشرائية للمواطنين، والذين باتوا معها غير قادرين على تأمين أبسط مقومات حياتهم”.
أضاف فضل الله :”إننا أمام كل ذلك نعي عدم قدرة الحكومة على تقديم الحلول الجذرية والسريعة التي يعاني البلد منها نظرا إلى حجم هذه الأزمات وتراكمها وللتعقيدات التي يعاني منها الواقع السياسي الداخلي والتي تؤدي إلى تأخير الحلول وحتى إلى إجهاضها ولأن الطريق التي تسعى إليها الحكومة لتأمين الموارد المالية الضرورية للتعافي الاقتصادي ليست معبدة، لأن منها ما يحتاج إلى توفير شروط لا تستطيع للحكومة توفيرها في الفترة القصيرة منها، وهناك من الشروط ما قد يصعب تحقيقه لعدم التوافق الداخلي، وحتى لو توافرت كل هذه الشروط، فإننا لا نعتقد أن المساعدات ستعطى لهذه الحكومة لكونها لن تدوم طويلا، وللواقع الذي عليه هذه الحكومة، في طبيعة تركيبتها والظروف التي أتت بها ومن يملك قرارها، وإن كانت هناك مساعدات تساهم في التعافي الاقتصادي أو في حل الأزمات فهي لن تكون إلا من قبيل المسكنات وحتى لا ينهار البلد تماما”.
وتابع :”لكن هذا كله لا يعفي الحكومة من القيام بمسؤولياتها، وألا تبدد الأجواء الإيجابية التي أحاطت بعملية تأليفها، وأن تفي بالشعار الذي أخذته على نفسها، وهو معا للإنقاذ، فهي إن لم تستطع أن تصل إلى حلول جذرية لمشاكل اللبنانيين، في ظل الإمكانات القليلة داخليا وغير المتاحة عربيا ودوليا، فعليها العمل على الحلول الآنية المتاحة أمامها بأن لا توفر جهدا للتوصل إلى ساعات التغذية على صعيد الكهرباء والإسراع بتنفيذ خطة النقل العام التي تملك مواردها، وبالحد من السوق السوداء ومن سطوة تجار الغذاء والدواء وأصحاب المولدات وكاريتل المحروقات بتعزيز الرقابة عليهم والحد من جشعهم، وبالضغط على المصارف للكف عن سرقة أموال المودعين عبر الاستفادة من قرارات المصرف المركزي، ورد الأمانات التي أودعت عندهم إلى أهلها والدراسة الجادة لعملية رفع الحد الأدنى للأجور ليتناسب مع قدرة المواطنين على تأمين الحاجات الأساسية.
وفي الوقت نفسه، فإننا ندعو الحكومة إلى دراسة كل المبادرات التي تهدف إلى مساعدة اللبنانيين على تجاوز معاناتهم وألا تدخل في ذلك آية اعتبارات سوى مصلحة اللبنانيين والنهوض بهذا الوطن”.
ومع بدء العام الدراسي، جدد السيد فضل الله “الدعوة إلى إيلاء التعليم في المدارس والجامعات أهمية كبيرة لكونه بات يثقل كاهل المواطنين بمساعدتها على الاستمرار بدورها بأقل كلفة، وبالعمل على تعزيز المدارس والجامعات الرسمية وزيادة قدرتها على استيعاب الأعداد المتزايدة من الطلاب وعلاج الأزمات التي يعاني منها هذا القطاع إن على صعيد الرواتب أو حل أزمة المتعاقدين.. فلا ينبغي أن نصل بهذا البلد إلى حد أن الطالب لا يستطيع أن يتعلم لأنه لا قدرة لأهله على دفع التكاليف”.
وأعرب فضل الله عن تقديره “المبادرات التي تقوم بها جمعيات ومؤسسات وجهات في سعيها للمساعدة على تأمين مقعد دراسي لمن يحتاج إليه”.
وخشي فضل الله في قضية انفجار المرفأ، “من أن يتداعى هذا الملف ويطوى ويضيع من خلال تسييسه، وأن يصبح أداة من أدوات الصراع السياسي أو من ضغوط الخارج”. وقال:” إننا أمام حجم هذه الكارثة، نعيد التأكيد على ضرورة إبقاء هذا الملف في إطاره القضائي، والالتزام فيه بآليات العمل القضائي والبعيد كل البعد من التدخلات السياسية أو الحسابات الطائفية والمذهبية”.
واردف :”وبالانتقال إلى الأزمة التي حصلت على صعيد مواقع التواصل والفيسبوك بشكل خاص، والتي أظهرت مدى الحاجة إليها ومدى تأثيرها على الصعد الثقافية والسياسية والاقتصادية، وفي التأثير في العقول والتوجهات والسلطة التي يملكها الذين يديرونها. فإننا في الوقت الذي نرى أهمية هذه المواقع، نخشى من خطورة الاعترافات التي صدرت من بعض المسؤولين فيها من أنها تحولت إلى وسيلة للتضليل ونشر الكراهية وعدم الحيادية وإلى سلعة تجارية تستخدم للتضليل والتأثير في الآراء والأفكار والتوجهات لحساب من يدفع المال.
ومن هنا، وأمام كل ما طرح وهو ما حذرنا منه سابقا، فإننا ندعو إلى الوعي عندما نأخذ بالمعلومة أو الرأي أو الفكرة من هذه المواقع، أن نكون حذرين في الأخذ بها فهي ربما كانت هادفة لإضلالنا أو لتغيير هويتنا أو لأخذنا إلى حيث يريدون.
إننا لن نستطيع أن نستغني عن هذه المواقع، لكننا يمكن أن نستفيد من إيجابياتها وترك سلبياتها عندما نكون واعين وحذرين ونعرف أن السم قد يكون دس في العسل”.
وختم فض الله : “أننا أمام محطة الانتخابات العراقية التي تنطلق بعد يومين، نأمل أن تكون مناسبة يعبر من خلالها الشعب العراقي عن رأيه الحر، وتقديم من يراه مناسبا لتسيير دفة البلد نحو عراق نريده موحدا قويا وحرا وخاليا مما عانى منه هذا الشعب طويلا ولا يزال من الفساد والهدر والمحصاصات ليعود للعراق دوره الريادي على الصعيد العربي والإسلامي وكعنصر قوة لبلداننا وقضايانا”.