مجلة وفاء wafaamagazine
وجه نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى العلامة الشيخ علي الخطيب رسالة الجمعة التي استهلها بتوجيه التعازي الحارة “لشهداء الطيونة الأبرياء الذي سقطوا على ايدي مجرمين امتهنوا القتل ولم تردعهم عقوبة السجن ولم يتعظوا مما حل بعملاء جيش لحد وما لاقوه من امتهان لكرامتهم بفعل خيانتهم لوطنهم واهلهم، فما جرى بالأمس مجزرة كاملة الاوصاف ارتكبها مجرمون احترفوا قتل الأبرياء وكانوا زعماء الحرب الفتنة التي ما زلنا نعيش ارتداداتها ونستحضر ويلاتها وما تركته من تداعيات على البلد”.
أضاف: “هؤلاء المرتزقة المأجورون حاولوا بالأمس جر البلد الى فتنة استطاع العقلاء والصابرون والشرفاء من أهلنا افشالها بوعيهم وحرصهم على الوطن وكظمهم الغيظ وتعاليهم على الجراح والدماء، وهذا ليس بجديد ومستهجن عمن قدم التضحيات الكبيرة لبقاء الوطن وحفظ امنه واستقراره، ونحن اذ نعزي انفسنا بالشهداء فاننا نتوجه الى أهاليهم بأسمى ايات العزاء والمواساة والتقدير على صبرهم وكظمهم للغيظ ونحتسب الشهداء المظلومين احياء عند ربهم يرزقون، وهم القربان الذي قدمه أهلهم الشرفاء على مذبح حفظ الوطن وعدم السماح بتحويله سلعة رخيصة في بازار الاستحقاق الانتخابي والبيع والشراء للدول المتآمرة على شعب لبنان المقاوم، تحركهم غرف سوداء تثير الأحقاد وتبث الفتن. ونبتهل الى الباري عز وجل ان يمن على الجرحى بالشفاء العاجل، ونسأله تعالى ان يخفف من الآمهم ويمدهم بموفور العافية”.
وتابع: “في المقابل فاننا لن نسكت عن هذه المجزرة التي اريد بها قتل حرية التعبير والتحرك السلمي لكشف حقيقة مجزرة المرفأ ومنع تحريف المسار القضائي وطمس الحقيقة وتغييب المجرمين والمتورطين في جريمة المرفأ ومن يقف خلفهم، بدءا بمن أدخل باخرة نيترات الامونيوم وتصرف بجزء كبير منها على مدى أعوام انتهاء بالمتسببين بحصول الكارثة، واولى واجبات الدولة ممثلة بالجيش وأجهزتها الأمنية ان تكشف أسماء المجرمين الذين قتلوا المدنيين بالامس ومن حرضهم والجهات التي تحركهم، فمن غير المقبول ان يتم التستر على مجرم قاتل، ونرفض كل اشكال التسويف والتباطؤ في كشف الحقيقة كاملة، فالتستر على القتلة هو مدان وهو جريمة توازي المجزرة التي ارتكبت، كما ونطالب كل اللبنانيين باتخاذ موقف واضح مما جرى انطلاقا من الشراكة الوطنية والاخوة الإنسانية، فشهداء الامس هم لبنانيون اثروا ان يتحركوا بشكل سلمي لكشف حقيقة ما حصل في مرفأ بيروت ومعاقبة المجرمين والمتورطين في دماء اللبنانيين، وحري بأبناء الوطن الذي قدمنا التضحيات لحفظه ان يتحملوا مسؤولياتهم ولا يقفوا على الحياد ويجسدوا انتماءهم الوطني فعل تضامن لمعاقبة المجرمين الذين عملوا لاشعال فتنة في كل مناطق لبنان يكتوي بنارها كل اللبنانيين”.
وأردف الخطيب: “يطل علينا عيد المولد النبوي الشريف هذا العام حاملا المآسي والاحزان ،بدءا مما يعيشه وطننا من حصار وفتن وبلاءات وما تشهده فلسطين من غطرسة صهيونية وتفجيرات إرهابية في مساجد أفغانستان، واخرها التفجير الإرهابي اليوم في مسجد قندهار، ونحن اذ نتوجه بالتهنئة والتبريك الى اللبنانيين عامة والمسلمين خاصة بل الى الانسانية جمعاء، لما لهذا الحدث من اثار لم تقتصر على الامة الاسلامية فقط باعتباره ايذانا مبكرا بنشوئها وولادتها، وانما لان هذه الاثار شكلت نقطة فاصلة في التاريخ البشري والانساني وبداية لمرحلة جديدة لهذا التاريخ على مستوى العالم، نسأل الله تعالى ان يبارك لنا جميعا ولامة رسول الرحمة هذا العيد وأعاده علينا بالخير والبركة، وعلى هذه الامة التي تكالبت عليها الامم بجمع الشمل والوحدة تحت رايته الحقة التي لن يقوم لها قائمة دون ذلك وسيكون ذلك حقا بوعد الله الذي لا يخلف وعده”.
وقال: “نعم، لقد اخرج النبي محمد الشرية من ظلمات الجهل الى رحاب الايمان المتوهج بنور الرسالة المحمدية، التي صوبت للبشرية مسارها بالعودة الى فطرتها الايمانية ودورها الإنساني بأن يكون الانسان خليفة لله تعالى في الأرض يعمرها بالايمان والعمل الصالح والخير لتنعم بالامن والسلام والاستقرار، فالنبي محمد خاتم النبيين المبعوث رحمة للعالمين لا يفرق في دعوته بين اسود وابيض ولا عربي واعجمي، وهو استطاع ان يحدث نهضة عالمية تجاوزت حدود مكة والجزيرة العربية لتصل الى العالم اجمع، فأنطلق من مجتمع جاهلي تسوده العشائرية ويحكمه التخلف والجهل لينشر رسالة السماء في كل بقاع الأرض”.
وأضاف: “لقد عاش المجتمع الجاهلي التخلف على كل المستويات فكانوا يفتقدون الى الحياة المتحضرة يعيشون في اسوأ حالة على المستوى المادي يفتقرون الى ابسط وسائل الحياة المادية فكأنهم يعيشون في العصر الحجري خارج التاريخ منسلخين حتى عن الحضارات التي كانت تحيط بهم من الفرس والرومان، لم يستفيدوا منها بشيء لتطوير واقعهم المزري، وعلى المستوى الاجتماعي فلم يكن هناك من استقرار حيث كانوا يعتاشون على النهب والسلب والقتل، يغزو بعضهم بعضا، وعلى الصعيد الاخلاقي فحدث ولا حرج فقطيعة الرحم ورجم الاناث واعتبارهم عارا الى اخره من اعمال يندى لها جبين الإنسانية.
لقد ارتقى صلوات الله عليه بهذه البيئة من هذا الواقع المخزي من قبائل وعشائر تعيش حياة البداوة والغزو والتخلف حتى عن التفكير في تشكيل وحدة اجتماعية وكيان سياسي محترم الى جانب الكيانات المجاورة وان تتقاسم معظمها، لم يخرج عن سلطانها سوى هذه الصحراء البلقع التي تفتقر الى كل شيء الى ان يشكل منها كيانا سياسيا قويا يتحدى هذه الامبراطوريات العظمى وليحمل مشروعا رساليا الى العالم كله، شكل جوهر القوة لهذه الدولة الوليدة هزم به كل من وقف بوجهه وتحداه. ومنذ ان اطلق النبي دعوته المباركة تحركت القوى الشيطانية التي تنتمي الى كل الشعوب والأمم والاعراق الى محاربة النبي والافتراء على شخصيته المميزة ومجابهة دعوته بالتزييف والكذب، بيد انه لم يبال وصبر وتحمل الأذى والمشقات وبذل اعظم التضحيات لتيقى كلمة الله هي العليا”.
واردف: “ان هذه الولادة المباركة رافقت احداث كونية ومعجزات الهية ، وفي يوم ولادته صلوات الله عليه في عام الفيل عام 570 م في شهر ربيع الأول تساقطت الاصنام في الكعبة على وجوهها وانكسر ايوان كسرى وسقطت اثنتا عشرة شرفة منه واُخمدت نيران فارس التي كانت تعبد ولم تخمد قبل ذلك بألف عام وجفت بحيرة ساواة، فهذه الاحداث الكبرى برمزيتها التي كانت قد ذكرت انها من علامات ظهور خاتم النبيين كانت تعبيرا عن الشأن العظيم لهذا المولود المبارك والمهمة الكبرى التي انيطت به وهي تبليغ الرسالة الخاتمة حجة على البشرية وانقاذا لها، ولاخراجها من ظلمات الجاهلية التي غرقت بها الى نور الايمان والى نور المعرفة الحقيقية. بهذا المشروع الالهي الرسالي الذي يعطي الاهمية للقيم والاخلاق والمعرفة والعلم استطاع ان يتغلب الاسلام على القوى التي لم تتقبل ان ينافسها ويتحداها امة وليدة كانت الى الامس غير موجودة تشكلت من مكونات كانت محتقرة لديها ولا تمثل اي تحدٍ وجودي لها، ولكن سرعان ما انتشرت انباء الدعوة الجديدة لتقتحم عليها قوتها وجبروتها بما اثارته في نفوس مواطنيها من الامل بغد اكثر عدالة واشراقا، وتحررها من الظلم والقهر الذي كان يحبطها. ولم تزل اوروبا تبعث بالحملات الصليبية مرة بعد اخرى وتتلقى هزيمة بعد اخرى مدفوعة بالخوف من العالم الاسلامي تلجأ الى التزوير والتحريف وخلق الاكاذيب والافتراءات بحق الاسلام ونبيه، تحول بين هذا النور المنبعث من الشرق وبين شعوبها تعصبا وحقدا وهي مستمرة بذلك حتى الان بعد ان اعتبرت سقوط الدولة العثمانية ثأرا من الاسلام واهله ونهاية تنطلق بذلك من ذكريات الماضي الاليم الذي مازال يؤرقها، وقد اعتبر الغرب الاستعماري والصليبي الحاقد انه بسقوط الدولة العثمانية قضي على الاسلام وعلى امته حيث خططت لانهائه من نفوذ المسلمين وتعميم حضارتها المادية عليهم وتغريبهم وزرع الكيان الصهيوني في قلب الامة حتى يكون ضمانا للقضاء على اي نزعة جديدة للنهوض، ولكن سرعان ما انكشفت الغشاوة وبانت الحقيقة، ونتج عن ذلك تحولات اعادت الاسلام من جديد للساحة كعامل للنهوض بوجه هذا الاستعمار كانت اهمها الثورة الاسلامية في ايران بقيادة الامام الخميني ونهضة الامام السيد موسى الصدر في لبنان. هنا نطرح السؤال هل الازمة هي ازمة الاسلام ام هي ازمة حكام ام ازمة حضارة؟ برايّ ان الازمة هي ازمة حضارة وهي ازمة الغرب الحضارية الذي يعيش عقدة الخوف من انبعاث الاسلام كقوة جديدة في منطقة تشكل عصب الحياة لهذا العالم سواء بجغرافيتها الاستراتيجية التي تتحكم بممرات التجارة العالمية او بما تمتلك من ثروات هائلة من البترول والغاز، والتي بدت الانظمة التي زرعت فيها مهددة بالسقوط وغير قادرة على مواجهة هذا الواقع الجديد واضطرت الى ان تكشف عن نفسها باظهار تحالفها مع العدو الاسرائيلي الى العلن ، لذلك ليس بريئا ما نراه اليوم ورايناه من قبل من هجوم على الاسلام والاساءة لرسوله واندفاع بعض الانظمة للدفاع والرد بشكل قاسٍ يجلب نظر الجماهير الاسلامية اليه، ويعطيه صفة المدافع عن الاسلام ويصنف نفسه في موقع القيادة لهذه الامة التي امعن في تقسيمها وتفتيتها وضرب بعضها ببعض كما وقع في سوريا والعراق وليبيا ومصر من دعم وتسهيل وصول الارهابيين اليها، لقد سقطت هذه المحاولة وفشلت ولكن المشروع ما زال قائما والمحاولات ما زالت مستمرة بتنصيب خلفاء جدد على المسلمين يسند اليهم دور القيام بوظيفة الحفاظ على مصالح الغرب واهدافه في المنطقة العربية والاسلامية لتتمكن من الوقوف امام الجمهورية الإسلامية الايرانية وتمنع من قيام تحالف قوي لجبهة الممانعة”.
وختم الخطيب: “إن الغرب وفي سبيل الخروج من ازمته سيقوم بكل شيء يمكنه القيام به مستخدما كل الوسائل بما فيها الارهاب بل حتى السلاح الذري ان احتاج الى ذلك للحفاظ على وجوده المقتدر والمسيطر دون اي اعتبار للمسائل الاخلاقية التي برر لها عبر فلسفاته المادية المجردة من القيم والاخلاق ولاتخاذه من صراع الوجود الذي استفاده من الطبيعة منهاجا له في الحياة ومن نظرته الى الانسان على انه مجرد موجود كسائر الموجودات الحية في الطبيعة لا يتمايز عنها الا انه الاقوى من بينها وان وظيفة العقل لديه ليست سوى اداة متطورة يستخدمها في هذا الصراع ليكتب له البقاء دون شعور بالذنب بل يعتبره امرا طبيعيا. هذه هي الازمة الحضارية التي يعاني منها الغرب، اما نحن المسلمون وسائر الامم التي تتنازعها القوى الدولية الطاغية وبالاخص الغرب فهي في قلب الازمة والصراع تنهش جسده هذه القوى وتستخدم بعضه في مواجهة البعض الاخر لمنعه من النهوض من جديد. وها هي فلسطين تعدم كل يوم وتغتصب كل ساعة والشعب الفلسطيني تنتهك حقوقه ويشرد من ارضه وتدمر بلاده ويُقتل ابناؤه في صراع مع الامة لم يزل الغرب وادواته يضعون سيناريوهات حتى اوصلوه الى هذه النهاية البشعة والصورة السيئة التي ارادوا ان يطبعوا عليها شعوبنا من اليأس والتسليم بالواقع المرير والاعتراف بالفشل والاستسلام بخسارة المعركة ونهاية الصراع لصالح الغرب لانه الأقوى. وهذه هي رسالة المطبعين اريد ارسالها لهذا الغرب باسم الامة والإسلام، ولكن القوى الحية لهذه الامة لن تستسلم لهذا الواقع ، وسيكتب لها النصر في نهاية المطاف بدماء شهدائها وابطالها. ثبتنا الله بالقول الثابت وجعلنا ممن ينتصر به لدينه آمين رب العالمين”.