مجلة وفاء wafaamagazine
إرتفع امس منسوب المخاوف على مصير الانتخابات النيابية، في ضوء الاشتباك الذي شهدته الجلسة التشريعية امس حول موعد إجراء هذه الانتخابات واقتراع المغتربين، فلم يأخذ المجلس النيابي بملاحظات رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، الذي كان ردّ القانون إليه الاسبوع الماضي، فصوّت بـ77 صوتاً تأييداً لاجرائها في 27 آذار المقبل، فيما سقط بـ61 صوتاً إقتراع المغتربين لـ 6 نواب يمثلونهم، لينتخبوا في هذا الحال الـ 128 نائباً كسائر الناخبين المقيمين. ثم دار اشتباك قانوني ودستوري حول احتساب الأكثرية المطلقة، في ضوء فقدان المجلس 10 من أعضائه بالاستقالة والوفاة. وعلى وقع هذه التطورات، استأنفت الادارة الاميركية مسلسل العقوبات على سياسيين ورجال اعمال لبنانيين، في خطوة تطرح علامات استفهام حول أهدافها وتوقيتها في هذه المرحلة الحساسة التي يمرّ فيها لبنان والمنطقة.
مع مغادرة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الى بريطانيا مترئساً وفد لبنان الى قمة المناخ، وبعد المنازلة الكبيرة التي حصلت في مجلس النواب، بدا انّ جميع الاطراف دخلوا في دوامة الـ AIR BAG والكباش الانشطاري الذي بدأ ينسحب على كل الملفات والمؤسسات الدستورية.
وأكّدت اوساط سياسية لـ«الجمهورية»، انّ الخشية على مصير الانتخابات النيابية تكبر شيئاً فشيئاً وسط الخضات الأمنية والسياسية التي يعاني منها البلد. واشارت الى انّ غالبية القوى السياسية تفضّل ضمناً إرجاء الانتخابات ولكنها لا تتجرأ على البوح بذلك، وبالتالي فإنّ كل طرف يلقي باللائمة على الآخر ويحمّله مسؤولية السعي الى تأجيلها.
وكشفت هذه الاوساط، انّ نواباً ينتمون الى اكثر من كتلة يلمّحون في مجالسهم الخاصة الى عدم الحماسة لهذا الاستحقاق، والى احتمال تعذّر إتمامه في موعده، على الرغم من انّ الجميع يعلنون في الظاهر عن تمسّكهم به. وأبدت تخوفها من أنّه كلما اقترب تاريخ الاستحقاق النيابي قد ترتفع احتمالات حصول تطورات سياسية او أمنية، من شأنها ان تمهّد لتبرير إرجائه، إلّا إذا وجد المعنيون انّهم مرغمون على خوضه لاعتبارات داخلية وخارجية.
في غضون ذلك وقّع رئيس مجلس النواب نبيه بري القانون الرامي لتعديل قانون الإنتخاب الذي أُقرّ في الجلسة التشريعية بناءً على توصية اللجان المشتركة، وأحاله الى ميقاتي الذي بدوره وقّعه قبيل سفره الى لندن للمشاركة في قمة المناخ.
وكان المجلس أقرّ القانون في جلسته أمس فصوّت 77 نائباً مؤيّداً إجراء الانتخابات في 27 آذار المقبل، ولم يقرّ اقتراع المغتربين لستة نواب يمثلونهم في المجلس، حيث لم ينل الأكثرية المطلقة وصوّت عليه 61 نائباً فقط. واعترضت كتلة «لبنان القوي» والنائبان اسامة سعد وطلال ارسلان.
وقدّم النائب علي فياض ملاحظة كتلة «الوفاء للمقاومة»، فقال إنّها تؤيّد تقديم موعد إجراء الانتخابات الى 27 آذار، لكنها في المقابل تؤيّد انتخاب النواب الستة في الخارج ممثلين للمغتربين.
وصدّق المجلس على إعتماد الـ59 كنصاب للجلسة، وسط اعتراض بعض النواب، ونقاش حول تفسير الدستور لجهة المادة المتعلقة بنصاب جلسات المجلس النيابي.
وأكّد رئيس المجلس نبيه بري، أنّ «ما جرى اليوم ليس تفسيراً للدستور ولا تعديلاً له، وأنّ مهمة تفسير الدستور تعود للهيئة العامة لمجلس النواب، والهيئة منعقدة الآن. النواب الموجودون في الجلسة عددهم 101، وإذا اخذنا بالتفسير الذي يقول بأنّ النصاب القانوني بالمطلق هو النصف زائداً واحداً، هم 128 و11 نائباً بين متوفٍ ومستقيل والنصاب يكون 59. وفي هذه الحالة لا ضرورة للتصويت مرة أخرى. يعني أنّ القانون ردّ بالجهتين نتيجة التصويت 61، معناها انّ هناك ردًا للقانون ككل ويكون موضوع التاريخ في آذار لإجراء الانتخابات قائماً. لقد أعتُمد هذا الإجتهاد في إنتخابات رئاسة الجمهورية للرئيس رينيه معوض وبشير الجميل، حينها أخذوا بعدد الأحياء.
لذلك انا لم أقل هذا الامر هو رأيي. أنا قلت يجب ان يعود التفسير لكم. لذلك الموضوع كله هنا «من تذّرع بشيء وأوجده هذا لا يجوز لا يجوز». وقال: «في الأساس في الطائف كان تفسير الدستور يعود للمجلس الدستوري. المجلس النيابي الغى هذا الامر بعد نقاش طويل. وقال انّ تفسير الدستور يعود للمجلس النيابي. هذا الموضوع انتهى».
وردّا على مطالبة رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل بالـ«ميغاسنتر»، قال بري: «ليس كل ما نريده يجب الوصول اليه والّا بتوقف البلد، تحديد تاريخ الانتخاب بـ27 آذار لن يتغيّر قيد شعرة لانّها توصية اللجان وصوّت عليها المجلس النيابي». وسأل برّي نواب «التيّار الحر»: «بدكن انتخابات أم لا، قولوا بصراحة».
وإذ انسحب نواب تكتل «لبنان القوي» من الجلسة قال باسيل: «انسحبنا من الجلسة بسبب حصول مخالفة دستورية كبرى. التصويت أسقط اقتراح اللجان بالنسبة لتصويت المغتربين لـ128 نائباً، لأنّه حصل على 61 صوتاً فقط، وبالتالي لم ينل الأكثرية المطلقة». وسأل: «ما الأسباب الموجبة للتلاعب بقانون الانتخاب؟ إذا تركناه كما هو «ما بصير شي» وتُجرى العملية الانتخابية من دون أي إشكالات. فلماذا نعمل اليوم على خلقها وخلق إشكال دستوري وميثاقي؟ نأسف لهذا الأمر». ولفت إلى أنّ «ما حصل لجهة احتساب الـ59 كأكثرية مطلقة يُعتبر تعديلاً للدستور ويؤدي للطعن بما حصل». واعتبر أنّ «الأكثرية المطلقة هي 65 نائبًا بحسب الدستور».
لا مجلس وزراء بعد
والى ذلك، علمت «الجمهورية»، أن لا عودة قريبة الى جلسات مجلس الوزراء قبل هدوء هذه العاصفة. وقالت مصادر وزارية لـ«الجمهورية»: «اننا قادرون على عمل الكثير لو كنا نملك رؤية واحدة وقراراً وطنياً موحّداً، وكل منا يحاول إنجاز امر ما، لكننا لا نعلم من أين نبدأ ونصطدم بغياب رؤية بناء الدولة». وأضافت: «يجب ان نضع مصلحة الجميع والوطن فوق كل اعتبار ونلتفت فقط الى هموم الناس عند اتخاذ القرار. ما نقوم به هو رسم سياسات استراتيجية جيدة مع صناديق النقد والمجتمع الدولي لمعالجة المشكلات، لكن عملياً فليعلم الجميع اننا نعيش حصاناً مقنّعاً غير مرئي، لأنّ هناك من لا يراه وغير معلن، لأنّ لا احد من الجهات الخارجية تجرّأ وجاهر به على العلن، وكل التعاطي معنا لنرى الوجه الجميل منهم، بينما الخبث يظهر عند التنفيذ. نحن في القرارات الداخلية والامور التي تحتاج الى تمويل داخلي «بيمشي الحال»، لكن هناك مشكلة كبيرة في التمويل الخارجي، وكل القرارات التي سنتخذها من التمويل الداخلي محفوفة بالمخاطر إذا لم يكن لدينا مصادر تمويل خارجية بالعملة الاجنبية».
تطورات قضائية
ووسط هذه الاجواء، سُجّلت تطورات قضائية على خطّي قضيتي انفجار المرفأ وحوادث الطيونة. فقد تقدّم النائبان علي حسن خليل وغازي زعيتر بدعوى ردّ إلى محكمة الاستئناف المدنية في بيروت بحقّ المحقق العدلي في قضية انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار. ورفع البيطار جلسة استجواب رئيس الحكومة السابق حسان دياب، بعد تبلّغه دعوى مخاصمته من الهيئة العامة لمحكمة التمييز. من جهته، رفع النائب نهاد المشنوق دعوى ضدّ الدولة اللبنانية ممثّلة بهيئة القضايا في وزارة العدل، لما اعتبره خطأ جسيماً في قرار البيطار بملاحقة واستجواب المشنوق كـ«مدّعى عليه» خلافاً لمواد في الدستور والقانون.
عقوبات أميركية
فرضت وزارة الخزانة الأميركية أمس عقوبات على النائب جميل السيد ورجلي الأعمال جهاد العرب وداني خوري، بشبهة الفساد والمساهمة في تقويض حكم القانون في لبنان. وأوضحت وزارة الخزانة في بيان، أنّ كلاً «من الرجال الثلاثة استفاد شخصياً من الفساد والمحسوبية المستشريين في لبنان، لجمع ثروات شخصية على حساب الشعب اللبناني ومؤسسات الدولة».
وأشار البيان، الى أنّ «بينما يواجه الشعب اللبناني صعوبات يومية للحصول على سلع وخدمات عامة مثل الأدوية والكهرباء والمواد الغذائية في ظل أزمة اقتصادية مدمّرة غير مسبوقة، يتصرّف أفراد من الطبقة السياسية اللبنانية مع محسوبين عليهم، من دون عقاب، لتحقيق الثروات الشخصية وإخفائها».
وأوضحت السلطات الأميركية، أنّ النائب جميل السيد المقرّب من «حزب الله»، «سعى إلى الالتفاف على السياسات والقوانين المصرفية الوطنية»، و«قد ساعده مسؤول حكومي رفيع المستوى على تحويل أكثر من 120 مليون دولار إلى استثمارات في الخارج».
وفي تغريدة له، أشار السيّد، بعد إعلان فرض هذه العقوبات عليه، أنّه «لن يكون لي تعليق على ما يُسمّى العقوبات الأميركية»، داعياً وسائل الإعلام إلى مؤتمر صحافي ظهر اليوم.
أما جهاد العرب المقرّب من رئيس الوزراء السابق سعد الحريري، «فقد حاز على مناقصات عدة بقيمة مئات ملايين الدولارات مع تضخيم الفواتير المقدّمة للحكومة في مقابل «رشاوى دفعها إلى مسؤولين حكوميين».
وأوضحت وزارة الخزانة الأميركية، أنّ «العرب حاز مناقصتين بقيمة 200 مليون دولار بعد توسطه للتوصل إلى صفقة سياسية العام 2014 تمهيداً للانتخابات». وجهاد العرب من أبرز المقاولين في لبنان، وتعهّدت شركته «الجهاد للمقاولات اللبنانية» خلال السنوات الماضية مشاريع ضخمة في لبنان، قسم كبير منها بموجب عقود مع الدولة.
وتعرّض العرب، بعد إنتفاضة 17 تشرين، لحملة تتهمه بالفساد. وأعلن في حزيران إقفال جميع أعماله في لبنان، متحدثاً عن «هجوم وتحريض وافتراءات» ضده وضد أفراد عائلته.
كذلك، اتهمت وزارة الخزانة الأميركية داني خوري بكسب ملايين الدولارات من خلال مناقصات «مع فشله في احترام شروط هذه العقود بشكل واسع». ورأت وزارة الخزانة الأميركية أنّ خوري «استفاد من علاقاته برئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل للحصول على عقود كبيرة».
ولفتت الى أنّ «خوري اتُّهم وشركته بطمر نفايات سامة في البحر المتوسط، ما أدّى إلى تسميم مصائد الأسماك وتلويث شواطئ لبنان، في حين فشل في إيجاد حلّ لأزمة النفايات».
وداني خوري هو متعهّد سدّ بسري، الذي ووجه بناؤه بحملة شعبية لوقفه منعاً للإضرار بالبيئة في محيطه. ونجحت الحملة في دفع البنك الدولي إلى إعلان تعليق تمويل بناء السد إلى حين تبيان الحقائق.
وعلّق باسيل على العقوبات المفروضة على خوري على حسابه على «تويتر» قائلاً: «الظلامة الدولية لا ترحم! داني خوري، لا هو شريك لي في السياسة ولا أنا شريك له في الأعمال؛ لم أسعفه مرة في أشغاله ولا هو استفاد يوماً من معرفته بي في الجامعة».
وبموجب العقوبات، تُجمّد كل ممتلكات ومصالح الرجال الثلاثة المحتملة في الولايات المتحدة، أكانت حسابات مصرفية أو ممتلكات عقارية أو أصول أخرى، على ما جاء في بيان وزارة الخزانة. وتمنع هذه العقوبات المواطنين والشركات الأميركية بما فيها المؤسسات المالية التي لها وجود في الولايات المتحدة، من التعامل معهم، ما يحدّ من إمكان استفادتهم من الشبكات المالية والتجارية العالمية. وبرّرت وزارة الخزانة فرض هذه العقوبات بقولها، إنّ «الفساد قوّض حكم القانون والحكومة السليمة في لبنان الغارق في أزمة سياسية واقتصادية حادة جداً».
الخارجية الاميركية
من جهتها، قالت وزارة الخارجية الأميركية في بيان لها أمس، «أن الولايات المتحدة تقوم بإدراج ثلاثة لبنانيين شاركوا في أعمال فساد أو استغلوا منصباً رسمياً لمصالحهم الخاصة»، معتبرة «أن أفعالاً كهذه جعلت اللبنانيين يتحملون وطأة أزمة إقتصادية مدمرة سببها الفساد وسوء الإدارة الحكومية.
وقالت الوزارة في بيان: «إستخدم جهاد العرب وداني خوري صلاتهما الشخصية الوثيقة بالنخب السياسية لجني فوائد العقود الحكومية بينما فشلوا في الوفاء بشروط تلك العقود بشكل هادف. إستغل جميل السيد، عضو مجلس النواب اللبناني، منصبه للإلتفاف على السياسات المصرفية المحلية، ونتيجة لذلك تمكن من تحويل مبلغ كبير من العملة إلى الإستثمارات الخارجية من أجل إثراء نفسه. وأعمالهم تقوّض سيادة القانون ومبادئ الحكم الرشيد. وسيتم اتخاذ إجراء اليوم وفقاً للأمر التنفيذي الرقم 1344».
وشددت على «أن الولايات المتحدة فرضت عقوبات على هؤلاء الأفراد تضامناً مع الشعب اللبناني، الذي يطالب منذ فترة طويلة بالمساءلة والشفافية ووضع حد للفساد المستشري». وأكدت «الإلتزام بالعمل مع الحكومة اللبنانية وشركائها الدوليين من أجل مستقبل أفضل وأكثر إشراقاً للبنان». وختمت:» في عام 2021 ، قدمت الولايات المتحدة أكثر من 400 مليون دولار من المساعدات الإنسانية، بالإضافة إلى أكثر من 200 مليون دولار من المساعدات الأمنية».
ردٌ على الرياض
في غضون ذلك، دان «حزب الله» في بيان له القرار السعودي ضدّ مؤسسة «القرض الحسن»، واعتبره «عدواناً على لبنان وتدخلّاً سافراً في الشؤون الداخلية اللبنانية، وهو إنصياع ذليل للإدارة الاميركية وخدمة بائسة لأهداف العدو الصهيوني». وأكّد «أنّ هذا القرار المرفوض لا يقدّم ولا يؤخّر في عمل هذه المؤسسة الإنسانية التي كرّست نفسها لخدمة الفقراء والمحتاجين وذوي الدخل المحدود وعموم الشعب اللبناني».
الجمهورية