الرئيسية / آخر الأخبار / عائلة مافيا سوداء: الحلم الأميركي معكوساً

عائلة مافيا سوداء: الحلم الأميركي معكوساً

مجلة وفاء wafaamagazine

«ما يحدث في ديترويت، لا يحدث في أي مكانٍ آخر»؛ «كانت ديترويت عاصمة الجريمة في الولايات المتحدة الأميركية»؛ «كان الشباب الاميركيون من أصل أفريقي، يعملون بجدٍ لكن لا يحصلون على أية نتيجة»: بهذه الجمل، افتتحت حلقات المسلسل الأميركي BMF أو (عائلة مافيا أميركية من أصل أفريقي Black Mafia Family)، الذي تنتجه شركة «ستارز Starz» الأميركية، متناولاً حياة رجل العصابات الأميركي الشهير القادم من جنوب غرب ديترويت ديمتريوس فلينوري المعروف بـ «بيغ ميتش» وشقيقه تيري الشهير بـ «ساوثويست تي» وعصابتهما التي اشتهرت في أواخر ثمانينيات القرن الماضي.

في البداية، وقبل أي شيء، يجب الإشارة إلى أنَّ بطل العمل الممثل ومؤدي الراب ديمتريوس «ليل ميتش» فلينوري، يؤدي دور «والده» في هذا العمل، أي بمعنى أنَّه يعيد تصوير ما حدث في حياة والده حين كان شاباً، وهو لما يولد بعد (على الأقل في هذا الجزء). والحكاية أنَّ منتج المسلسل كورتيس جاكسون الشهير بكونه مؤدي الراب المعروف فيفتي سينت، اتصل بديمتريوس فلينوري الأب، وهو موجود في السجن حالياً، طالباً إذنه لصناعة مسلسل عن حياته. كان شرط الوالد الوحيد أن يكون ابنه هو بطل العمل، وهو ما كان. هنا تجدر الإشارة إلى أن فلينوري الإبن أدى بطريقة مذهلة شخصية والده، على الرغم من أن والده قد دخل السجن وهو لا يزال في السابعة من عمره. النقطة الثانية التي تحسب للمسلسل، هي أنّ أجواءه تدور –كما أشرنا- في ثمانينات القرن الماضي. ومن هنا فإن المتابع الفعلي يشعر أنه أمام عملٍ دقيق تاريخياً، ثقافياً، اجتماعياً، كما لو أنّه صوّر فعلياً في تلك الحقبة الزمنية. تسريحات الشعر، الألفاظ المتبادلة، طريقة الحديث، عدم وجود وسائل تواصل اجتماعي، عدم وجود كمبيوترات –إلا في ما ندر-، طبيعة الحياة/ الحركة، السيارات. كل هذه التفاصيل التي تم الإلتفات إليها حال صنع المسلسل، جعلت المشاهد أمام عملٍ مبهر على أقل تقدير. المسلسل إذاً مأخوذ عن قصة حقيقية، كتبه راندي هيغنز حول الشقيقين فلينوري، اللذين صنعا امبراطوريتهما الخاصة للتجارة بالمخدرات في أواخر ثمانينيات القرن الماضي. «علينا أن نسمّيها عائلة»، عصابة الـ «فيفتي بويز» عائلة»، هكذا قال بيغ ميتش في إحدى الحلقات. لا نريد إسماً آخر لما نحن عليه، من هنا كانت البدايات. الصبيان القادمان من أفقر المناطق في الولايات المتحدة، يصبحان بعد سنوات زعيمين كبيرين للمخدرات في كل الولاية. طبعاً وكعادة كل عصابة جديدة، عليها أن تشق طريقها ضمن عصابات المنطقة، وهذه الطريقة غالباً ما تكون معبّدةً بالموت والدماء، وهو ما حصل فعلاً في هذه الحكاية: عائلتهما الأصلية تضررت، شقيقتهما الصغيرة تعرضت للخطف، وقتل الفتى المعجب بها من قبل خصومهما، أمّهما ووالدهما تركا منزلهما بسبب تلك التهديدات، فضلاً عن مضايقات الشرطة الكثيرة. مصدر القوّة في «نجاح» هذين الأخوين هو صفتان ظهرتا بقوة في المسلسل: قوة شخصية بيغ ميتش وذكاء ساوثويست تي التجاري، إضافةً إلى إيمانهما بفكرة العائلة، وهو ما كانت تفتقده بقية عصابات الأميركيين من أصل أفريقي. لقد شابهت تجربة الأخوين المافيا الإيطالية، خصوصاً لناحية فكرة العائلة: إذ إنهما أعليا من شأن تلك الفكرة أكثر من غيرها؛ ولا يقتصر الأمر على قرابة الدم فحسب، بل إنّ من يدخل إلى عصابتهما يصبح «جزءاً من العائلة». وإذا ما خان، فإنه لا يخونهما فحسب، بل يخون «العائلة». ومن هنا فإنه يدفع الثمن أمام العائلة بأكملها، وليس لهما فحسب.
أدائياً، يمكن القول بأن المجموعة المختارة لتأدية المسلسل قد تم اختيارها بعناية: فلينوري الإبن أدى دور والده بعناية، فيما أدى مغني الراب والممثل الأميركي من أصل هايتي دافنشي (اسمه الحقيقي ابراهام دي جاستي) دور شقيقه بطريقة ملفتة للنظر، إذ تشعر أنَّك أمام عائلة حقيقية تمتهن الإجرام كحياة. هنا تجدر الإشارة إلى أنَّ المسلسل يزخر بمؤدي الراب وبدت مشاركة مؤدي الراب الأشهر حالياً سنوب دوغ، بدور رجل الدين الأب سويفت، فضلاً عن كاش دول (اسمها الحقيقي اركيشا نايت) بدور مونيك حبيبة فلينوري الأب، وسرايا مكنيل، ليل زاين، لالا أنتوني، ماركيس مور، وسواهم. يقدّم مؤدو الراب هؤلاء أدوارهم بشكل حقيقي وطبيعي لأن معظمهم أتى من أحياء فقيرة ومشابهة لتلك في ديترويت، فضلاً عن حياتهم بالقرب من «عصاباتٍ» تعمل بالطريقة ذاتها بشكلٍ أو بآخر؛ هذا أعطى المسلسل دفعاً وزخماً كبيراً بالتأكيد. في الوقت نفسه، هناك وجوه جيدة يمكن اعتبارها لامعةً في المسلسل مثل الممثل البريطاني إيريك كوفي أبريفا، الذي يؤدي دور لامارفيلدز وهو العدو الرئيسي للأخوين في هذا الجزء، ويذكر أن الشخصية التي أداها قد تم اعدامها عام 2008، واعتمد ابريفا على شهادات الشهود وتحقيقات الشرطة، فضلاً عن أشرطة فيديو حول الشخصية، كونه خريج «الأكاديمية الملكية الويلزية للفنون الأدائية» وهي جزء من مدرسة التمثيل البريطانية الستانسلافسكية المهجّنة method acting. كذلك يلفت مايلز ترويت النظر بأدائه دور «بي ميكي» أحد أعضاء عصابة الأخوين؛ علماً أنّ ترويت عرفه الجمهور عبر أدائه المذهل في فيلم «كين» (2018).
ويذكر أنّ منتج المسلسل فيفتي سنت ينتج منذ فترة مجموعة جيدة من المسلسلات مثل Ghost والمسلسلات المشتقة عنه، ويمثّل فيها في حال استدعى الأمر ذلك. في الختام تجدر الإشارة إلى أنَّ هذا النوع من الدراما أقرب إلى الواقع الذي جرى تحويله إلى دراما كون الكثير من التفاصيل قد ألغيت، وأضيفت شخصيات ليست موجودة أصلاً في الواقع، وهو ما يطلق عليه بالحرفة dramatization, هذه المسلسلات هي بشكل أو آخر –إن أعجبتنا طريقة تقديمها أو لا- تكتب التاريخ على طريقتها الخاصة، لا كما هو مكتوب ومعروف حتى. باختصار، هو مسلسل يستحق المشاهدة، لأسبابٍ كثيرة، آخرها وأقلها أهمية: القصّة حول أخوين قررا امتهان الجريمة.

عن Z H