مجلة وفاء wafaamagazine
توازياً مع ضرْبها الجهود الروسية – السورية لإيجاد تسوية للمنطقة الشرقية، تستعدّ «قسد» لإجراء انتخابات في مناطق سيطرتها، تستهدف من خلالها تصدير صورة «إجماع» على مشروع «الفدْرلة» الإثنية الذي تسعى إليه، برعاية أميركية. وفي خطواتها التمهيدية لذلك الاستحقاق، أعادت «قسد» تفعيل سياسة التغيير الديموغرافي، بسحْبها البطاقات الشخصية من سكّان الحسكة المتحدّرين من محافظات أخرى، في ما يمثّل امتداداً لنهج دأبت عليه منذ سنوات، عنوانه العنصرية والتعسّف وفرْض السطوة بالقوّة والترهيب
على رغم إرسالها إشارات في شأن استعدادها لتسوية ملفّ المنطقة الشرقية من سوريا، تُواصل «قوات سوريا الديموقراطية» (قسد) العمل على ترسيخ وجودها كـ«إدارة ذاتية» مُعلَنة من طرف واحد، في محافظات لا تزال تسعى إلى تغييرها ديموغرافياً، لتضْمن لنفسها استمرارية الوجود على الخارطة السورية مستقبلاً. وتتّكئ «قسد»، في ذلك، على خوف السكّان من الاعتقالات التعسفية التي يمكن أن تطاولهم بناءً على تقارير كيدية تُقدَّم من عملاء محليين لِمَا يُعرف باسم «الاستخبارات العسكرية»، فيما قد يفضي التظاهر إلى اعتقال غير محدود المدّة في سجون «قسد»، أو في السجون التي يشرف عليها الاحتلال الأميركي، بتهمة موالاة تنظيم «داعش» أو الانتماء إليه. ولا يستثني هذا التعسّف المناطق ذات الصبغة الكردية شمال الحسكة، حيث يمكن أن يُعتَقل الكرد على أساس موالاة النظام التركي، أو «إثارة الفتن والتحريض على الفوضى»، وهي التُّهم التي غالباً ما تُوجَّه إلى مَن يوالون «المجلس الوطني الكردي»، أو حتى المدنيين الذين قد يتظاهرون للمطالبة بكشف مصير أبنائهم من القُصّر الذين تختطفهم «قسد» عبر تنظيم «جوانن شورشكر»، المعروف أيضاً باسم «الشبيبة الثورية»، والذي يُعدّ من الأجنحة الأكثر تطرّفاً في هيكليتها.
دستَرة العنصرية
تَشترط «قسد»، لإطلاق حوار مع دمشق، الاعتراف بـ«الإدارة الذاتية»، وهو ما تَرفضه الحكومة لكونه يضفي شرعية على مشروع «فدرلة سوريا» على أُسس إثنية. ويَفترض «العقد الاجتماعي» الذي تطالب به «قسد» وجود إدارات ذاتية للسريان والعلويين والدروز، مدافِعةً بأن هذه المطالب مستمَدّة من الدستور السوري الذي عُمل به في عام 1950. كما تَفترض أن اللغتَين السريانية والكردية ستكونان لغتَين رسميتَين في المنطقة الشرقية إلى جانب اللغة العربية، كما إزالة كلمة «العربية» من اسم البلاد واستبدال «الديموقراطية» بها، ليصبح «الجمهورية الديموقراطية السورية»، فضلاً عن استبدال اللون الأصفر باللون الأسود في علَم الدولة، علماً أن الأصفر مستوحًى من الراية العسكرية للفصائل الكردية.
أمّا بخصوص العملية التعليمية، فتقول مصادر من «المجلس الوطني الكردي»، المعارِض لـ«حزب العمال الكردستاني» وفروعه في سوريا، إن المناهج التي تفرضها «قسد» على مناطق الشمال الشرقي من سوريا «تحمل طابعاً عنصرياً ومغالطات تاريخية نسفت مراحل مهمّة من تاريخ البلاد، لجهة تدريس تاريخ الزعيم الأوحد للكردستاني (عبدالله أوجلان)، وترسيخ المناهج للفكر الكردستاني كإيديولوجيا يجب أن يُعمل بها من قِبَل كامل المكوّنات وبشكل قسري». وتَلفت المصادر، في حديث إلى «الأخبار»، إلى أن اعتبار المنطقة الشرقية جزءاً من «كردستان الكبرى» ومن «الدولة السورية» في الوقت نفسه، يُعدّ «ازدواجاً في التبعية، ومحاولة لترسيخ فكرة قد لا تتّفق معها كلّ المكوّنات». واللافت أن أبناء قيادات «قسد» يتوجّهون إلى المدارس الحكومية، في وقت تَفرض فيه هذه القيادات قيوداً شديدة على تحرّك الطلاب والعملية التربوية في مدارس المنطقة الشرقية، وهذا ما يشي بأن القائمين على مشروع «الإدارة الذاتية» غير مقتنعين تماماً بما يقومون به.
ديموغرافيا القوّة
خلال الأيام الماضية، فرضت «قسد» استخراج «بطاقة وافد» على سكّان الحسكة المتحدّرين من محافظات أخرى، وخصوصاً محافظة دير الزور، في ما يستهدف، على ما يبدو، إحداث تغيير في البنية المجتمعية، لمصلحة رفْع نسبة الأكراد. وعمدت «قسد»، في السعْي لإنفاذ مشروعها هذا، إلى سحْب البطاقات الشخصية من السكّان عبر حواجزها الأمنية، لتُلزمهم باستخراج البطاقة التي تُخرجهم من تعداد سكّان الحسكة، والذي تُبيّن مصادر حكومية أنه لم يكن يتجاوز قبل الأزمة مليون نسَمة، يشكّل الكرد نسبة 30% منهم. وكانت محاولات خفْض نسبة المكوّن العربي في الحسكة بدأت منذ تنفيذ «قسد» إحصاءً في 11 أيلول 2019، اعتبرت فيه أبناء العشائر العربية المتحدّرين من دير الزور والرقة «وافدين»، معتمِدةً على حجّة نزوح البعض منهم خلال فترة الحرب.
فرضت «قسد» استخراج «بطاقة وافد» على سكّان الحسكة المتحدّرين من محافظات أخرى
أمّا بخصوص بقيّة المحافظات، فتُفيد المصادر الحكومية، «الأخبار»، بأنه لم يكن ثمّة تواجد للأكراد في محافظة دير الزور، في حين كانوا يشكّلون 1% من إجمالي سكّان الرقة، وذلك وفقاً لآخر آخر إحصاء رسمي في سوريا، أُجري عام 2004، وشمل أيضاً الكرد غير الحاملين للجنسية السورية، والمعروفين بـ«مكتومي القيد». ومن هنا، تَعدّ المصادر أيّ زيادة في تلك النسب غير مستندةٍ إلى أسس علمية، فيما تَعتبر مصادر كردية معارضة لـ«قسد» أن الأخيرة تعتمد التغيير الديموغرافي كوسيلة لفرْض سيطرة مستدامة على المنطقة الشرقية، فضلاً عن «إقصائها المكوّن العربي من الأدوار الفاعلة في الإدارة الذاتية»، حيث لا يتعدّى وجود عبد المهباش في منصب الرئيس المشترك الحالي لـ«مجلس سوريا الديموقراطية»، الغايات الإعلامية؛ إذ تكشف مصادر قريبة منه أنه «لا يملك القدرة على اتّخاذ أيّ قرار، ويقتصر وجوده على توقيع قرارات جاهزة تأتي من مكتب مظلوم عبدي، لتَصدُر بختم الرئاسة المشتركة»، مضيفة أن هذا الوجود «طارئ ومؤقت، بمعنى أن الانتخابات التي ستُجريها قسد بشكل متسلسل في مناطقها، بدءاً من منصب المختار (كومين)، وصولاً إلى قيادة مجلس سوريا الديموقراطية، ستزيح المهباش، لتُحِلّ مكانه شخصية مسيحية في الدورة القادمة، وبذات التوصيف الدقيق لمهامّه».
وستكون المشاركة في الانتخابات القادمة إلزامية للسكّان، خاصة للقاطنين في المخيّمات ومقارّ الإقامة المؤقّتة، فيما سيكون الحرمان من المساعدات أو حتى الطرد من المخيّم، العقوبة غير المعلَنة في حال الامتناع عن التصويت. كما قد يتعرّض المقاطِعون للاعتقال من قِبَل «الأسايش»، خصوصاً أن رفع نسبة المشاركة ضروري بالنسبة إلى «قسد»، حتى تستطيع تصدير صورة إعلامية مفادها بأن سكاّن المنطقة يريدون «إدارة ذاتية» معترَفاً بها من قِبَل دمشق، ومشرعَنة الوجود في دستور جديد، ما زالت «قسد» من غير المرَحَّب بهم على طاولة نقاشه، حتى لدى الدول التي تقيم علاقة مباشرة معها، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية.
الأطفال في خدمة «الشبيبة»
يُعدّ تجنيد الأطفال في صفوف «قوّات سوريا الديموقراطية» (قسد) من المهام المباشرة لتنظيم «جوانن شورشكر»، المعروف أيضاً بـ«الشبيبة الثورية»، وهو من التّنظيمات الأكثر تطرّفاً، إلى حدّ وصْفه بـ«الذراع القذرة» لـ«حزب العمال الكردستاني». تكشِف مصادر كرديّة معارضة لـ«قسد»، في حديث إلى «الأخبار»، أن عدد الأطفال الذين تمّ تجنيدهم بعد اختطافهم منذ بداية العام الحالي، يقارب 400، من بينهم نحو 50 فتاة. وغالباً ما تتلقّى عوائل الأطفال المختطفين اتصالات تؤكّد تجنيد أبنائهم في صفوف «الوحدات الكردية»، حيث سيخضعون لدورة تدريبية لمدّة 6 أشهر، لن يتمكّنوا خلالها من التواصل مع عوائلهم.
ويَعترف مكتب «حماية الطفل» التابع لـ«قسد» بتلقّيه 333 شكوى من ذوي أطفال جُنّدوا بشكل قسري، في الشهرَين الأخيرَين من العام الحالي، فيما تَنقل مصادر «الأخبار» الردود الغريبة التي يتلقّاها هؤلاء حين مراجعتهم مراكز «الإدارة الذاتية» الأمنية للمطالبة بإعادة أبنائهم، إذ يتمّ إبلاغهم بأن تنظيم «الشبيبة الثورية» لا يتبع «قسد». ومع أن هذا التبرير يستهدف التنصّل من المسؤولية، إلّا أن «قسد» اعترفت بإعادة 620 طفلاً من الجنسَين خلال العام الجاري، تّم تجنيدهم في السنوات الماضية. غير أن المصادر تقول إن من تمّت إعادتهم حتى بداية العام الحالي لا يتجاوزون 150 طفلاً فقط، في حين لا تتوافر إحصائية لعدد مَن جُنّدوا بشكل قسري في صفوف «قسد» قبل بلوغهم سن الثامنة عشرة.
ويُنقل الأطفال المستهدَفون بعمليات التجنيد، والذين تراوح أعمارهم بين 12 و16 عاماً، إلى معسكرات تدريب مغلَقة في منطقة المالكية في ريف الحسكة الشمالي الشرقي، أو إلى معسكرات بالقرب من جبل عبد العزيز جنوب المحافظة. وفي حالات أخرى، يُنقَل الطفل إلى معسكرات تابعة لـ«حزب العمال الكردستاني» بشكل مباشر في إقليم «كردستان» العراقي. وتفيد معلومات «الأخبار» بأن عمليات الخطف المُسجَّلة في مناطق ذات صبغة كردية في الحسكة وحلب (القامشلي – عامودا – الدرباسية – عين عرب – مخيمات شمال حلب)، تفوق تلك المُسجَّلة في مناطق أخرى، والسبب في ذلك هو أن عملية «أدلجة» الأطفال الكرد، تُعدّ أسهل منها في حالة أقرانهم من المكوّنات الأخرى. وتستمرّ هذه العمليات، المُصنّفة كـ«جرائم حرب»، على الرغم من توقيع قائد «قسد»، مظلوم عبدي، في حزيران 2019، خطّة عمل مشتركة مع الأمم المتحدة لـ«تطبيق صكوك القوانين الدولية المتعلّقة بحماية حقوق الأطفال المتأثرين بالنزاع المسلح في سوريا».
الاخبار