مجلة وفاء wafaamagazine
لم تُخفِ إسرائيل قلقها من تطوُّر المفاوضات النووية في فيينا، والحديث عن إمكانية التوصّل إلى اتفاق فيها، لطالما دأبت على التحذير منه. الاتفاق الموعود، الذي تؤكد أنه سيكون مضرّاً بمصالحها وأمنها، تُلوّح في المقابل بأنه لن يكون ملزِماً لها، مع التهديد المتجدّذ بأن تنتقل المقاربة الإسرائيلية من «الدفاع المستمرّ إلى الهجوم المستمرّ»، حتى تحقيق أهداف الدولة العبرية، وعلى رأسها زعزعة النظام الإيراني وإسقاطه. هذه التهديدات جاءت على لسان رئيس حكومة العدو، نفتالي بينت، الذي لفت، في مستهلّ جلسة خاصة للجنة الخارجية والأمن التابعة لـ«الكنيست» أول من أمس، إلى أن «إيران موجودة على رأس قائمة التحدّيات التي تواجهها إسرائيل»، وهي «رأس الأخطبوط الذي يطلق باتجاهنا وعلى حدودنا أذرعته ووكلاءه»، محذراً من أن «المفاوضات في فيينا، والتي هي من دون شكّ مصدر للقلق، لا تُلزِم إسرائيل وهي ليست طرفاً في اتفاق يَنتج منها، وهي ستُواصل الحفاظ على حرية التصرّف بشكل كامل، في كلّ مكان وفي كل زمان، ومن دون أيّ قيود».
أريد لكلام بينت أن يظهّر اقتداراً إسرائيلياً في مواجهة إيران في اليوم الذي يلي الاتفاق، وهو كلام مُوجّه إلى الآذان الإيرانية لتأكيد استمرار الصراع مع أو من دون اتفاق، وأيضاً إلى آذان الإسرائيليين لتهدئة قلقهم جرّاء الفشل في صدّ إيران عن امتلاك القدرة النووية، والتي طالما أقرّ المسؤولون الإسرائيليون بأنها ستكون إشارة إلى جدّية التهديد الإيراني للكيان العبري. على أن هذا التصعيد الكلامي يؤشّر، في المقابل، إلى محدودية خيارات إسرائيل، والاستعاضة عنها بالتهديدات التي كانت لتلجأ إلى تنفيذها لو أنها متاحة عملياً لديها أو لدى غيرها. وعلى أيّ حال، يشي حديث بينت بأن التقدير الإسرائيلي هو أن تَوصّل المتفاوضين إلى اتفاق نووي جديد بات أكثر رجحاناً ومعقولية، بعد أسابيع من التقديرات التي كادت تؤكّد فشل المفاوضات.
توحي تصريحات رئيس وزراء العدو بأنّ إسرائيل أنهت جولات تكلّلت بانتصارات ساحقة على إيران
كذلك، توحي تصريحات رئيس وزراء العدو بأن إسرائيل أنهت للتوّ جولات ومعارك تكلّلت بانتصارات ساحقة على إيران، يراد اليوم التأسيس عليها للانتقال إلى مرحلة جديدة، تهدف إلى إسقاط النظام، فيما الواقع يكشف النقيض تماماً. فإسرائيل، بمسؤوليها وخبرائها ومُعلّقيها وخلاصات مراكزها البحثية، تقرّ، مباشرة وغير مباشرة، بأن عقدَين من الزمن في أقلّ تقدير، انتهيا إلى فشل إسرائيلي بيّن، على رغم كلّ الخيارات التي تمّ سلوكها على الأصعدة الأمنية والسياسية والاقتصادية والأمنية، بأيدٍ إسرائيلية أو أميركية. ويُضاف إلى ما تَقدّم أن الرهان الأخير لتل أبيب، والمتمثّل في جرّ واشنطن إلى مواجهة عسكرية مع طهران، آل إلى العجز عن حمْل الولايات المتحدة على تبنّي هذه المقاربة، وهو ما يُعزى، من ضمن أسباب أخرى، إلى قوّة الردع الإيرانية.
إزاء ذلك، وبينما تتحضّر تل أبيب لليوم التالي للاتفاق الذي ترى أنه بات مسألة وقت، يَجدر التذكير بأن إسرائيل لم تحارب إيران من منطلق سعْي الأخيرة إلى استحصال القدرة النووية فحسب، بل أساساً لأن النظام الإيراني يرى أن عداءه للكيان العبري هو جزء لا يتجزّأ من هويّته، وهو الذي سيتحكّم بتلك القدرة. وفي حال الفشل الإسرائيلي في منْعه من امتلاكها، فستكون لذلك تداعيات وسلبيات تسعى تل أبيب إلى حصْرها، وهو ما يعني انطلاق جولة جديدة من الصراع وإن بأشكال مختلفة. وفي هذا الإطار، قال بينت، في خطابه أمام «الكنيست»: «ما تفعله بنا إيران، يجب أن نفعله بها»، في إشارة إلى دعْمها لقوى المقاومة في المنطقة، والذي بات يمثّل تهديداً للعمْق الاستراتيجي للكيان، من شمال فلسطين المحتلة إلى جنوبها. وإذ يريد رئيس وزراء العدو إيصال رسالة بأن إسرائيل ستسعى إلى استنزاف إيران، تنبئ المقارنة مع المحطّات والمنعطفات التاريخية بين الجانبين، بأن تل أبيب إنّما تركض خلف مزيد من الشيء نفسه؛ فهي لم تترك وسيلة سابقاً إلّا ولجأت إليها، ما يعني أنها لا تمتلك خيارات دراماتيكية، ولا هي قادرة على فرْض حصار على دولة بحجم ايران، كما أنها قاصرة عن دفع الأميركيين إلى ما لا يريدونه بناءً على موازنة لديهم بين ارتفاع الكلفة ومحدودية الجدوى. باختصار، دون ترجمة تهديدات بينت، عقبات لا تملك إسرائيل حلّاً لها، أو في الحدّ الأدنى كثير من القيود والأسئلة المفتوحة المرتبطة بالسقوف والخطوط الحُمر القائمة في المنطقة، والتي سيكون لتجاوُزها أثر سلبي على أيّ اتفاق نووي، سيكون مُقيّداً لتل أبيب، شاءت ذلك أم أبت.