الأخبار
الرئيسية / آخر الأخبار / العلامة الخطيب :حراجة الوضع وما يتهدد بلدنا يستدعيان رص صفوفنا والعمل يدا واحدة لاجتراح الحلول للازمات

العلامة الخطيب :حراجة الوضع وما يتهدد بلدنا يستدعيان رص صفوفنا والعمل يدا واحدة لاجتراح الحلول للازمات

مجلة وفاء wafaamagazine

وجه نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى العلامة الشيخ علي الخطيب رسالة الجمعة التي قال فيها:
“الحمد لله الذي لم يتخذ صاحبة ولا ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا باسط الرزق ومالك الملك مميت الاحياء ومحيي الموتى ذي الجلال والاكرام الذي بعد فلا يرى وقرب فشهد النجوى تبارك وتعالى، والصلاة والسلام على رسوله المنتجب وحبيبه المصطفى ابي القاسم محمد وعلى آله اساس الدين وعماد اليقين وعلى جميع الانبياء والمرسلين والشهداء والصالحين . والسلام عليكم ايها الاخوة المؤمنين ورحمة الله وبركاته ، واوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى ومراعاة امره ونهيه والامر بالمعروف والنهي عن المنكر لتكونوا من الذين ورد ذكرهم في سياق المدح في قوله تعالى في سورة التوبة (التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين )، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر احد اهم الواجبات التي فرض الله على المؤمنين القيام بها وحذر من التهاون فيها وتركها قال تعالى ( فلما نسوا ما ذكروا به انجينا الذين ينهون عن السوء واخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون ) واعتبر سبحانه المتخلفين عن القيام بذلك من الظالمين وان النجاة مقرونة بالقيام بهذا الامر وسوء المصير والتعرض للعذاب بالتعامي عنه واهماله ، وفي الحالين فان النتيجة بالنجاة او العذاب ليس امرا يختص بالآخرة بل تعم ايضا الحياة الدنيا .فان الامر بالمعروف والنهي عن المنكر عملية اصلاحية مستمرة وهي حاجة اجتماعية دائمة لمنع الانحراف السلوكي للافراد والذي اذا لم يجد من يقف امامه ليقومه يتحول الى ان يتسع ليصبح ظاهرة اجتماعية يصعب اصلاحها وتقويمها ويعطل اساسا الهدف الرسالي الذي كانت الرسالة لاجله ، فقد كان الهدف من الرسالات الالهية التربية وضبط السلوك الانساني على اسس قويمة تحقق للانسان الحياة الآمنة وتوصله الى ان يكون هادفا في الحياة وتؤهله للقيام بتحقيق الغاية التي وجد من اجلها وهو ما يصطلح عليه في التعبير القرآني، وفي الثقافة الاسلامية والتعابير النبوية الشريفة وما اثر عن ائمة اهل البيت (ع) ب ( الصالح ) و (الصالحون ) فالغاية التي من اجلها كان هذا التركيز على هذه العملية وهي الامر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي لا يقتصر على النتائج الاخروية وهي الاهم في النتيجة بل تشمل النتائج الدنيوية ايضا، على ان النتائج الاخروية لا يمكن ان تتحقق الا من خلال ما يتحقق من صلاح دنيوي فان صلاح الاخرة للمرء من صلاح دنياه افرادا وجماعات والعكس صحيح ايضا، وعملية الاصلاح هذه ليست عملية تطلق شعارا مجردا في الهواء بلا اساس عقائدي تعتمد الاجتهاد البشري وتستخلص من التجارب فقط التي تحتاج الى وقت زمني كبير تدفع الانسانية للوصول اليه غير مكتمل البنيان وكمبادئ غير مترابطة ومنسجمة لتأتي اكلها بسهولة ويسر، وانما تعبر كل هذه المسافات وتختصر الزمن بما من الله على البشرية من رسالاته التي حملها انبياءه ورسله بعد ان اكتملت فيهم عناصر المهمة وكانوا النموذج الذي تبرز فيه نتائجها بما يحملون من مواصفات مكتملة فقدمهم الله نماذج للبشرية تصدق ما تخبر به الرسالة عن قرب وعيان وليس مجرد تنظيرات تحتاج الى الاختبار غير معلومة النتائج ، وقد تكون على خلاف ما ادعاه اصحابها من المدعين والمنظرين على فرض صدق نياتهم ان لم يكونوا تجارا يبيعون ويشترون بحياة الناس”.

واذا ما استعرضنا حياة أي نبي من أنبياء الله تعالى ورسله وما جاء به من مبادىء وتشريعات وقواعد واسس اخلاقية واجتماعية وما كان عليه من ممارسات فلن نجد اي افتراق عنها او اختلاف بل سنجد الالتزام الدقيق والتطابق الكلي معها، فقد كان رسول الله (ص) بل حتى الائمة (ع) من اوصيائه اكثر حرصا وتشددا في الالتزام بها اكثر مما كانت دعوتهم للناس والطلب منهم في القيام بها وقد كان ذلك سببا لتصديق من آمن بدعوته اكثر ممن آمن بالعودة الى النصوص وتفحصها بل استنكر على المؤمنين من اتباعه ان يقع منهم ذلك بما اوحي اليهم من نص قرآني حيث قال تعالى ( يا ايها الذين آمنوا لما تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله ان تقولوا ما لا تفعلون).

استنكر رسول الله على اتباعه ما استنكره على غيرهم من اتباع سائر الامم والديانات الذين كانوا يحرفون كلام الله بما يتوافق مع اهوائهم ومصالحهم ، لذلك فان عملية الاصلاح التي مارسها الانبياء والاولياء لم تكن تنبع من بنات افكارهم مما توحي به اهواؤهم ومصالحهم وانما وحي الهي، كانت شخصياتهم تمثل النسخة التطبيقية لها وكان الامر بالمعروف والنهي عن المنكر أمرا ضروريا للمؤمنين لانهم ليسوا انبياء معصومين. فهم قد تضل بهم الطريق و يحتاجون دائما للتذكير بالكتاب والنموذج ليعرفوا اخطاءهم وليتذكروا النموذج ليعودوا الى جادة الصواب”.

وتابع الخطيب :”ومن اعظم الاخطار التي غالبا ما يقع بها بنو البشر ان يعتادوا الاخطاء ولا يعملوا على الاصلاح ويتكرر منهم ذلك، والضمير ما زال فيه بعض من حياة مما يشعرهم بالتأنيب والرجوع الى جادة الصواب فيعملون على الاحتيال على هذا الضمير بخلق الذرائع والتبريرات التي يوهمون انفسهم بها مما يخلق لديهم ما يسمى بحالة الازدواجية والتمايز وعدم التطابق بين ما يؤمن به وبين ما يقوم به وهي اشبه من ناحية النتيجة بالنفاق فهو يؤمن بشيء ويعمل بخلافه وهو بهذه الحالة يصبح اقبح حالا لانه يعطي انطباعا مغلوطا وصورة سيئة عن الايمان مما يؤثر سلبا على الدعوة والايمان لان الناس تتأثر بالعمل اكثر مما تتأثر بالكلام والبرهان، لذلك فإن المؤمن يجب ان يكون احرص الناس على اخيه المؤمن فقد جعله الله تعالى وليا له كما ورد في قوله (المؤمنون بعضهم اولياء بعض ) ومعنى ذلك انه ينصر بعضهم بعضا وينصح بعضهم بعضا فلا ينساقون وراء الدعايات والاشاعات التي يقصد بها الفتنة بينهم والانتقاص منهم والهتك لحرمات بعضهم البعض، ويعرض وحدتهم للتشتت وقوتهم الى الضعف ويفتح الابواب مشرعة للاعداء للنفاذ منها وللرياح السوداء الخبيثة للنفث بنار العداوة بين المؤمنين وللتفسيرات الخبيثة لكل كلمة بحملها على غير المقصود منها وبدل السلوك من هذا الباب الوعر والخطر فان الطريق الاقصر هو التواصل والوصل لا الانفصال والفصل. وقد اوصانا تعالى بذلك وشدد على حرمة المؤمن وانها بكلام رسول الله (ص) اعظم من حرمة الكعبة الشريفة، فكيف لنا ان نستسهل على انفسنا ان نقع في ارتكاب ذلك ونعرض انفسنا ومجتمعنا لهذه العواقب ونحن نعلم المتربصين بنا شرا خصوصا في هذا الظرف الصعب الذي تكالبت فيه علينا الامم وهي تنتهز الفرصة لتمزيقنا والاجهاز علينا وقد تكون مشاكلنا بل هي بالتأكيد كذلك امور يمكن حلها بكلمة طيبة، وليست بالتأكيد غير عصية على الحل وحتى هذه الكلمات ستجد من يحورها ويعطيها تفسيرات لا تحتملها خصوصا اذا كانت ممن عرفت مواقفه ولم تخف حميته في الدفاع بالكلمة والحرف عن هذا النهج وهذا الخط وهو مما نعتز به ولا يمكننا الا ان نكون كذلك”.

أضاف اعلامة الخطيب :”إننا نأبى ان نعتبر احدا عدوا لنا من ابناء بلدنا ولا نجيز لانفسنا ان نذكره بكلمة سوء الا من سفك لنا دما او اراد اتهامنا كطائفة باتهام باطل او ناصر لنا عدوا ومع ذلك لا نجيز لانفسنا ذلك الا وفق اخلاقياتنا وادبياتنا التي تعلمناها من ائمتنا وساداتنا فكيف مع بعضنا البعض ونحن على وحدة في الدين والموقف السياسي والوطني.

ان حراجة الوضع الاجتماعي والسياسي الداخلي بما نعانيه ويعانيه شعبنا وما يتهددنا ويتهدد بلدنا واهلنا من اخطار يدعونا اليوم كلبنانيين الى رص صفوفنا والعمل يدا واحدة
من اجل اجتراح الحلول للازمات الخطيرة التي ستأخذ بلبنان الى الهاوية التي يستحيل علينا الخروج منها ان لم نستعجل اجتراح الحلول لها وتتحمل الحكومة والقوى السياسية مسؤولياتها وتعمل كفريق واحد وتلقي خلفها المناكفات وتأخذ في اولى اهتماماتها مصلحة المواطن ويكون على راس اهتماماتها توفير احتياجاته الضرورية العاجلة من المحروقات ولقمة العيش وتمكينه من الانتقال الى عمله واعادة النظر بالموازنة بما يتلاءم مع حجم المعاناة لكل القطاعات وبالشكل العادل والا يكون “هناك ابن ست وابن جارية” وبالتعبير الشعبي الواضح، فيما القوى السياسية تعرف طريق الخروج من الازمة بشكل واضح ولكنها فيما لو ارادت ذلك وتخلت عن انانياتها وارادت فعلا بناء دولة حقيقية راعية لابنائها يحكمها القانون والمؤسسات يتساوون في الحقوق والواجبات ولا تعرف المحاصصة والمحسوبيات”.

وختم الخطيب :”استغفر الله لي ولكم ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ونتوب اليه انه غفور رحيم، ( والعصر ان الانسان لفي خسر الا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر)”.