صنعاء | لا يزال الغاز اليمني، المقدّرة كمّيته بـ10.3 تريليون قدم مكعّب في حقل نفطي واحد (القطاع 18) في محافظة مأرب، على قائمة الاهتمامات الأميركية والفرنسية في اليمن، حيث تتواصل مساعي المبعوث الأميركي، تيم ليندركينغ، لاستئناف إنتاج الغاز وتصديره عبر منشأة وميناء بلحاف الواقع على البحر العربي في محافظة شبوة (شرق)، في إطار المحاولات الأميركية لتأمين موارد بديلة من الغاز الروسي للأسواق الأوروبية. وأدّت هذه المساعي، الهادفة إلى حرمان اليمن من الاستفادة من ثرواته الغازية التي تقدَّر قيمتها وفق سعر اليوم بأكثر من 400 مليار دولار، إلى تشكّل تيّار عريض، حتى من بين المحسوبين على التحالف السعودي – الإماراتي، رافض لعقْد هكذا صفقات كارثية من خلال حكومة عبد ربه منصور هادي، التي بدا لافتاً تحذير وزير الخارجية السابق فيها، أبو بكر القربي، من تقديمها المصالح الأميركية والفرنسية على المصلحة اليمنية.

وفي اتّجاه البدء بتنفيذ المشروع الأميركي – الفرنسي، سلّمت الإمارات، أخيراً، مهمّة حماية منشأة التسييل ومرفأ التصدير الخاص بالغاز المسال في منطقة بلحاف، لميليشيات موالية لها تابعة لنجل شقيق الرئيس السابق، طارق محمد عبد الله صالح. ووفقاً لمصادر محلية، فإن القوات الإماراتية أمرت ما تبقّى من عناصر «النخبة الشبوانية» المحسوبة عليها، بالانسحاب من محيط المنشأة، ليحلّ محلّها مقاتلو صالح، أواخر الأسبوع الماضي. وتفيد المصادر بأن قيام تلك الميليشيات باستقطاب وتدريب المئات من المجنّدين في معسكر العلم في شبوة، يأتي في إطار الترتيبات الأميركية – الفرنسية لتأمين الأنبوب الرئيس الناقل للغاز من «القطاع 18» شمالي مأرب إلى بلحاف. وبحسب المعلومات، فقد اشترطت أبو ظبي على حكومة هادي فتح حساب خاص لها في «بنك أبو ظبي» بغرض تحويل حصّة اليمن من مبيعات الغاز إلى العاصمة الإماراتية، وذلك أسوة بتحكّم السعودية بإيرادات مبيعات النفط الخام الذي يُصدّر بحدود 2.8 مليون برميل شهرياً من موانئ شبوة والضبة في المكلا (مركز محافظة حضرموت)، وتوريدها لحساب خاص في «البنك الأهلي السعودي». كما اشترطت الإمارات أن يُسخَّر جزءٌ من الإيرادات لصرف رواتب شهرية لميليشيات موالية لها يصل عديدها إلى 100 ألف عنصر في المحافظات الجنوبية.

 
 
سلّمت الإمارات مهمّة حماية منشأة التسييل ومرفأ التصدير الخاص بالغاز المسال في بلحاف لميليشيات موالية لها


من جهته، واصل ليندركينغ لقاءاته التي كان بدأها الأسبوع الماضي باجتماعه مع هادي، والسفير السعودي لدى اليمن، محمد آل جابر، في الرياض. وأعقبت ذلك زيارته منشأة بلحاف، وعقْده اجتماعاً مع سلطات محافظة شبوة الموالية للإمارات، داخل المنشأة. كما عقد المبعوث الأميركي، والقائمة بأعمال السفير الأميركي لدى اليمن، كاثرين ويستلي، الثلاثاء، في العاصمة السعودية، محادثات مع وزير خارجية هادي، أحمد عبيد بن مبارك، تركّزت على الترتيبات الجارية لإعادة إنتاج الغاز، ودور ذلك في رفد خزينة الحكومة الموالية للرياض بالعملات الصعبة. وفيما جرى تداول معلومات عن مفاوضات بين شركة «توتال» وحكومة هادي لتعديل سعر بيع الغاز اليمني، كشف وكيل وزارة التخطيط والتعاون الدولي في حكومة صنعاء، مطهر العباسي، عن تنازل مؤسّسة الغاز الكورية «كوجاس» عن حقّها في عقود شراء مليونَي طنّ سنوياً من الغاز الطبيعي لصالح اليمن، لافتاً إلى أن هذه الكمّية يمكن لليمن بيعها بالأسعار الجارية بسعر 60 دولاراً لكلّ مليون وحدة حرارية (المليون طنّ من الغاز يساوي 52.7 تريليون وحدة حرارية).

 
 


وعلمت «الأخبار»، من مصادر نفطية، أن وزير النفط في حكومة هادي، عبد السلام باعباد، كلّف شركة استشارية أجنبية التفاوض مع «توتال» وشركائها لإعادة النظر في الأسعار التعاقدية السابقة التي تُلزم اليمن ببيع كلّ مليون وحدة حرارية من الغاز بسعر 3 دولارات، وفق اتفاقية وُقّعت بين الشركة والجانب اليمني قبل 25 عاماً. وقالت المصادر إنّ باعباد وافق على إعادة إنتاج الغاز وتصديره من قِبَل «توتال» وشركائها الأميركيين، شرط تعديل الأسعار والبيع وفق المؤشرات الآسيوية، وتحديد كمية الإنتاج. لكن واشنطن وباريس تُراهنان، على ما يبدو، على الانقسام بين حكومتَي صنعاء وهادي، لتمرير صفقة جديدة خارج نطاق أيّ مفاوضات يمكن أن تفضي إلى تعديل أسعار الغاز، وهو ما يتوقّعه خبراء نفط في صنعاء، أكدوا إلى«الأخبار» أنّ «توتال ضلّلت الجانب اليمني عام 2005، وقدّمت معادلة لتحاصص صافي عائدات مبيعات الغاز بأسعار مقيّدة غير عادلة بحدود 3 دولارات لكلّ مليون وحدة حرارية، بحيث يتمّ احتساب حصّة الحكومة من صافي الأرباح بناءً على قسمة إجمالي العوائد التراكمية على إجمالي النفقات التراكمية». وأشاروا إلى أنه «عند احتساب حصة الحكومة اليمنية بعيداً عن الأسعار المقيّدة، فإن حصّة اليمن من صافي الأرباح سوف ترتفع 90%، ولهذا ترفض توتال تعديل الأسعار، وتواصل تُحرّكاتها لعقد صفقات من تحت الطاولة».