مجلة وفاء wafaamagazine
كتبت صحيفة النهار:
مع أن كلام رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بعد الجلسة الاستثنائية لمجلس الوزراء أمس في السرايا رسم علامة فارقة لجهة تأكيد علني رسمي بوجود مشكلة في القضاء طلب من أركان السلطة القضائية نفسها ووحدها معالجتها عملاً بمبدأ فصل السلطات وعدم تدخل السلطة التنفيذية في عملها فإن ذلك لم يكف للجزم بأن المواجهة الخطيرة بين “بعض القضاء” والقطاع المصرفي تتجه إلى الانحسار والمعالجة. إذ أن غموضاً استمر يحوط الأجواء والمناخات المشدودة خصوصاً أن التراجع عن دعوة الأركان الثلاثة للسلطة القضائية رئيس مجلس القضاء الأعلى ومدعي عام التمييز ورئيس التفتيش القضائي إلى حضور الجلسة رسم علامات شكوك إضافية حول التباينات والانقسامات داخل السلطة السياسية من جهة وداخل القضاء من جهة أخرى كما بين السلطتين من جهة ثالثة. ولذا يبدو واضحاً أنه لن يكون ممكناً بلورة أيّ اتجاه ستتخذه الأزمة إلّا في اليومين المقبلين علماً أن جمعية المصارف قرّرت المضي في إضرابها المقرّر غداً والثلثاء كما أن رئيس الجمعية سليم صفير سيعقد اليوم الأحد مؤتمراً صحافياً يشرح فيه بإسهاب موقف الجمعية من التطورات الأخيرة.
وقد عقد مجلس الوزراء الجلسة الاستثنائية برئاسة رئيس الوزراء نجيب ميقاتي الذي أكّد بعد الجلسة أنّ “الهدف هو حفظ التوازنات في البلد وانطلاقاً من مبدأ التعاون بين السلطات طالب المجلس بأخذ القانون مجراه من دون أيّ تمييز أو استنسابية وحل الأمور القضائية وفق القوانين من قبل أركان السلطة القضائية كل وفق صلاحياته”. وشدّد على حرص المجلس على استقلال القضاء وعدم التدخل فيه، مشيراً إلى أنّه “تمّ تكليف وزير العدل لمعالجة مكامن أي خلل وعرضها على مجلس الوزراء وتمنينا على مجلس النواب الإسراع بإقرار مشروع الكابيتال كونترول وشددنا على صون حقوق المودعين كافة خصوصاً صغار المودعين”.وقال: “اتّصل بي أمس وزير العدل وطلب بأن يكون الحوار بيننا كوزراء أولاً”، مضيفاً: “كلنا داخل مجلس الوزراء وحتى القضاة تحدّثوا عن خلل في السلطة القضائية وأدعو جمعية المصارف لعدم الذهاب إلى الأمور السلبية ونحن نتعاون معاً للخروج من هذه الأزمة”.
وتابع: “أموال المودعين ستُدفع ولا تفرحوا بما يحصل في المصارف الآن لأن كبار المودعين هم من يرفعون الدعاوى ومن هنا، ما رح يبقى مصاري لصغار المودعين”.
وأردف: “نحن موجودون لا لحماية المصارف ولا حاكم المركزي بل نحن نحمي المؤسّسات والبلاد ونريد للأمور أن تسير وفق القوانين”، لافتاً إلى انّ “الاستقالة “مش واردة” بتاتاً.
وشهدت الجلسة مداخلات للوزراء في الموضوع المتعلق بالقضاء، وكرّر الرئيس ميقاتي ما قاله في تصريحه بالأمس لجهة الحرص على استقلالية القضاء وعلى عدم التدخل في شؤونه، معتبراً أن “الطريقة التي تتم بها بعض التحقيقات تسيء الى القضاء والنظام المصرفي”، وطلب من السلطات القضائية تصويب الأمور .
في المقابل، وفي وقت كانت جمعية مصارف لبنان أكّدت أمس أنها تنتظر القرار الحكومي لتحدّد في ضوئه موقفها من الإضراب، أفادت مصادر مصرفية أن الجمعية ماضية في الاضراب يومي الإثنين والثلثاء المقبلين، على أن تجتمع مجدّداً مطلع الأسبوع لتحدّد الموقف من التطوّرات. وقالت إن المطلوب هو اعتماد وحدة المعايير في التعاطي مع المودع والمصرف.
وفي وقت لاحق، استقبل الرئيس عون في قصر بعبدا، وزير العدل القاضي هنري خوري الذي أطلعه على مداولات مجلس الوزراء الذي انعقد في السرايا، وقد أبدى الرئيس عون ارتياحه للموقف الذي صدر عن مجلس الوزراء في ما خص الحرص على استقلالية السلطة القضائية، وعدم التدخل في الشؤون القضائية، احتراماً لمبدأ فصل السلطات، على أن يأخذ القانون مجراه من دون أيّ تمييز او استنسابية، وحفظ حقوق الجميع، وفي مقدمهم حقوق المودعين. ورحبّ بتكليف وزير العدل وضع رؤية لمعالجة الأوضاع القضائية ومكامن أيّ خلل قد يعتريها، إضافة إلى عدم تحديد سقوف السحب للرواتب والمعاشات الموطنة في المصارف.
واعتبر عون أن “الإسراع في انجاز مشروع خطة التعافي ومشاريع القوانين المرتبطة بها، إضافة إلى إقرار مجلس النواب لقانون “الكابيتال كونترول”، من المسائل التي تفرض مصلحة المواطنين إنجازها في اسرع وقت، لا سيّما وانه لم يعد من مبرّر لأي تأخير لها، فضلاً عن إقرار قانون الأموال المحولة إلى الخارج والمباشرة في تنفيذ عقد التدقيق الجنائي”.
وفي سياق المواقف السياسية من الأزمة، علّق رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع في بيان، على موضوع المصارف، وقال: “ممّا لا شك فيه ان بعض أصحاب المصارف والقيمين عليها يتحمل جزءاً من المسؤولية في ما آلت إليه ودائع المودعين وبالتالي يجب أن يلاحقوا قانونياً. لكن ما يحدث الآن في ما يتعلّق بموضوع المصارف يتطلب مقاربة شاملة وموضوعية وغير استنسابية لمحاسبة جميع المسؤولين الفعليين والحقيقيين كل بحسب مسؤوليته ودوره. إن ما يحدث الآن هو نوع من مهزلة من جهة، ونوع من تضليل للرأي العام من جهة ثانية، ونوع من تجهيل للفعلة الحقيقيين من جهة ثالثة. إن المسؤولية الكبرى في ما آلت إليه الأوضاع تقع أولا على السلطة السياسية، وعلى الحكومات المتعاقبة والأكثريات النيابية بخاصة بعد العام 2016… إن ملاحقة ومحاكمة بعض اصحاب المصارف والقيمين عليها هو شيء، وتدمير القطاع المصرفي في لبنان برمته شيء آخر… بات معلوماً أن هذه الإجراءات باتت مكشوفة أمام الرأي العام ولا تنطلي على أحد، ولذلك، لا نفهم كيف أن الإجراءات القضائية تتابع بشكل استنسابي في هذا الملف، ويتم عرقلة التحقيق وتجميده في الملف الأكثر خطورة، ملف تفجير مرفأ بيروت. إضافة الى كل ما تقدّم، نخشى أن يكون الهدف من هذه الإجراءات دفع المصارف إلى الإغلاق، الأمر الذي سيمنع إجراء الانتخابات في موعدها لأنه سيتعذر على اللوائح فتح الحسابات وتحريكها أثناء الحملة، في مسرحية سياسية قضائية ظاهرها الانتصار للحقّ والقانون وباطنها تطيير الانتخابات”.
في المقابل، حمّل المجلس السياسي للتيار الوطني الحر، “الحكومة اللبنانية مسؤولية الفوضى المالية بسبب التباطؤ في إقرار خطة التعافي المالي واتخاذ القرارات التي تقطع الطريق على كل إستغلال سياسي هدفه دفع البلاد الى مزيد من التدهور”. ورفض التيار في بيان، بعد إجتماعه الدوري إلكترونياً برئاسة النائب جبران باسيل، كل محاولة للضغط على القضاء لكف يده عن الملفات المالية والمصرفية التي يحقق فيها والتدخل بشؤونه من خلال أيّ إجراء تعسفي قد يتم إتخاذه من خارج الأصول. وفي الوقت نفسه أكد التيّار حرصه على سلامة القطاع المصرفي وإصلاحه وإعادة هيكلته ليستعيد ثقة اللبنانيين والعالم به، ويؤدّي دوره في تمويل الإقتصاد، وهذا يستوجب انجاز التدقيق الجنائي والمالي واتخاذ القرارات وإقرار القوانين اللازمة مثل الكابيتال كونترول، التي لو أقرّت، لما كانت المصارف تعاني من الأحكام القضائية بحقّها.
في سياق آخر وعلى خط العلاقات اللبنانية- الخليجية، برز اتّصال بين الرئيس ميقاتي ووزير خارجية دولة الكويت الشيخ أحمد ناصر المحمد الصباح، جرى خلاله البحث في العلاقات اللبنانية- الكويتية والمسعى الكويتي لإعادة العلاقات اللبنانية- الخليجية إلى طبيعتها. وأفادت معلومات رسمية أن الوزير الكويتي “أبدى ارتياحه إلى الخطوات التي تقوم بها الحكومة اللبنانية لتصويب مسار العلاقات بين لبنان ودول الخليج”، متمنياً أن “يصار إلى إعادة الأمور إلى طبيعتها قريباً”.
بدوره، شكر رئيس الحكومة “دولة الكويت على وقوفها الدائم إلى جانب لبنان ومساندته خصوصاً في الأوقات الصعبة”. كما نوّه بـ”المساعي الطيبة التي يبذلها وزير خارجية الكويت لإعادة العلاقات اللبنانية- الخليجية إلى مسارها الصحيح .