مجلة وفاء wafaamagazine
قطار مجلس نواب العام 2018، بات على بُعد يومين من بلوغه محطته النهائية وتسليم الراية لخلفه، فتسدل الستارة بعد غد الأحد على مجلس لم يكن محظوظاً، عاصَر اشتعال الأزمة الأسوأ والاخطر في تاريخ لبنان، وتشظّى بالاستقالات والانقسامات وما تفرّع عنها من استعراضات ومزايدات ومبالغات وتناقضات ومناكفات في شتى المجالات.
ويوم الاحد ايضاً، تفتح الستارة على مجلس نيابي منتخب، يتأهّب بتلاوينه المختلفة للدخول في ولاية مجلسية جديدة، تعترضها من يومها الأول أزمة اقتصادية ومالية خانقة، طريقها مزروع بمطبّات وتحديات واستحقاقات و«اختبارات جدية» تُمتحنُ فيها كل العناوين والوعود والشعارات التي اطلقت في الساعات والاعتصامات.
وها هي الأزمة قد سارعَت الى استقبال الولاية المجلسية الجديدة بنار حامية معيشيا وماليا: ازمة رغيف، ازمة اساسيات، شح في الدواء، ازمة محروقات واسعار مشتعلة لمشتقاتها، وكهرباء معدومة، وقطاع اتصالات مهدد، وخدمات لم يعد لها أي وجود حتى في ابسط المجالات، يُفاقم كل ذلك فلتان محتكري الاساسيات الحياتية وعصابات الغرف السوداء والتلاعب بالدولار والاعدام النهائي لليرة. وما من شك أن هذه الحماوة الخبيثة في افتعالها، واهدافها، والمريبة في توقيتها، والموجعة للناس في اعبائها وضغوطها، تؤشّر الى مرحلة قاتمة، مفتوحة على شتى الاحتمالات والسيناريوهات غير المحمودة، وتؤشر ايضا الى ان المجلس النيابي الجديد كسابقه لن يكون محظوظاً.
مشهد مأزوم
المهمّ في المشهد الداخلي، هو انّ سَكرة الانتخابات وتحضيراتها الصاخبة التي لا يستطيع أي طرف أن يدّعي بأنه سَلم من شظاياها، قد انتهت، وبات البلد امام واقع جديد مع مجلس نيابي جديد حددت صناديق الاقتراع الاحجام التمثيلية لكل طرف، والتي لن تزيد منها، حفلة المزايدات والمبالغات و«الزَكزكات» والاستفزازات، و«الشماتات» التي يجري تقاذفها بين بعض الاطراف. بل أنّ جل ما تَأتّى منها هو الاصرار المريب على ابقاء واقع البلد في ذروة تأزّمه، وحقنه بعناصر توتير اضافية تُبقيه على سكّة الاشتباك وتعميق الانقسام في الوقت الذي يوجِب فيه وضع البلد المنهار، طَيّ صفحة الانتخابات وسلوك المسار المؤدي الى فتح ابواب الإنفراج.
المواطن محبط
واذا كان المواطن اللبناني قد عَوّل على انتخابات تفضي إلى نتائج، أيّاً كانت هذه النتائج، تفرض التقاء المكوّنات الداخلية على اولوية البحث عن قواسم مشتركة فيما بينها تُغلّب مصلحة لبنان واللبنانيين على كلّ الإعتبارات والحسابات السياسيّة والحزبيّة، إلا أنّ الصورة العامة تبدو تشاؤمية ومُقلقة للمواطن اللبناني الذي بات يشعر بإحباط وخيبة امل موجِعة وصادمة من اولويات أخرى تجنح في اتجاه التوترات لا العلاجات، وتتبدّى في ما بدأ يلمسه ويراه من غرور فاقع ضربَ رؤوس بعض الفائزين ولغة التحدّي المتعمّد تجاه بعض الاطراف، ومن اصرار على التلهّي بحفلة «التباهي بالإنتصارات» وتسخير بعض المكونات الحزبية كل ماكيناتها وطاقاتها ومنصاتها لتسجيل نقاط على مكونات اخرى، واستفزازها بالشماتة والاستهزاء والمفاخرة بكسرها واحتلال صدارة التمثيل.
تكبير أحجام!
وبعيداً عن حفلة الانتصارات وما يُقال فيها، وعن التباهي باحجام نيابيّة يكبّرها أصحابها ويقدمونها كأحجام مقررة ومتحكمة باللعبة السياسية في البلد وبمسار كل الاستحقاقات السياسية والحكومية والرئاسية في الاتجاه الذي تريده، فيما ان الواقع هو خلاف ذلك تماما، حيث ان لتلك الأحجام فقط قوة عددية ككتلة نيابية في المجلس لا يستطيع احد ان ينكرها، الا انها ليست قوة تقريرية لها الكلمة الفصل في كل الملفات كما يجري تقديمها من قبل بعض الاحزاب، وبالتالي فإنّ فعاليتها محدودة.
تؤكّد على ذلك مصادر سياسية لـ«الجمهورية» حيث انها تعتبر «ان فعالية احجام بعض الكتل الكبيرة من عدمها، لا تحدّدها المواقف الاعلامية، ولا النظر اليها بمرايا سياسية مكبرة، علماً ان في المجلس السابق تجربة مع كتل كبيرة جدا، تمتلك كل الامكانيات السياسية والقدرات السلطوية، الا انها لم تستطع، باعترافها، ان تقدم شيئا. بل ان تلك الفعالية ستحدّدها بالتأكيد خريطة التحالفات السياسية التي سترسّم مع بداية الولاية المجلسية الجديدة، مَواقع كل الكتل، وحدود الاكثرية النيابية المقررة في مجلس النواب وغيره، وكذلك حدود الاقلية او ربما الاقليات التي ستَتمترس في خندق المعارضة».
الاكثرية والاقلية
ووفقاً للمشهد النيابي الجديد، فإنه، وعلى ما تؤكّد مصادر مجلسية لـ«الجمهورية»، انه «من المبكر الحسم المسبق لشكل خريطة مجلس النواب الجديد، ذلك ان خريطة التحالفات التي يمكن ان تربط بعض الكتل النيابية بعضها ببعض، وإن كانت ملامحها قد بدأت تعبّر عن نفسها في مواقف بعض الكتل النيابية، الا انها ستتظَهّر بشكلها الواضح والنهائي، تبعاً لكيفية تجاوز بعض الاستحقاقات العاجلة:
– الاستحقاق الأول، مع اولى جلسات المجلس النيابي الجديد، التي ستشكل محطّة الفرز الأولى للتوجهات النيابية، ربطاً بالتحدّي الذي يفرضه الاستحقاق المجلسي المتمثّل بانتخاب رئيس مجلس النواب ونائبه واعضاء هيئة مكتب مجلس النواب. وهذه الجلسة باتت على مسافة أيام قليلة، حيث يتوقع أن يدعو إلى عقدها خلال ايام قليلة «رئيس السن» نبيه بري لانتخاب رئيس مجلس النواب الذي ليس في نادي المرشحين لهذا المنصب سواه.
وعلى ما بات مؤكداً في هذا السياق، فإنّ أطرافاً نيابية حسمت موقفها سلفاً لناحية عدم التصويت للرئيس بري، مثل «القوات اللبنانية» وحزب الكتائب الى جانب بعض النواب الذين يقدمون أنفسهم سياديين وتغييرين. فيما يوازي ذلك، وبحسب معلومات «الجمهورية»، حسم كتلة اللقاء الديموقراطي لموقفها المؤيد لانتخاب بري، وكذلك عدد من النواب المستقلين، بالتوازي مع حركة المشاورات المكثفة التي تجري على قدم وساق بين كتل نيابية وازنة، لتمرير هذا الإستحقاق بتفاهم على «سلّة متكاملة» تتناول انتخاب رئيس المجلس (برّي) ونائبه (احد اعضاء تكتل لبنان القوي)، وسائر اعضاء هيئة مكتب المجلس.
– الاستحقاق الثاني، هو استحقاق تكليف رئيس الحكومة بعد اكتمال، حيث ستشكّل الاستشارات النيابية الملزمة التي سيدعو إليها رئيس الجمهوريّة فور دخول المجلس الجديد ولايته بكامل هيئته، واعتبار حكومة الرئيس نجيب ميقاتي مستقيلة، لتكليف شخصية سنية تأليف الحكومة، محطة الفرز الثانية لتوجّهات النواب. وما يجدر ذكره في هذا السياق هو أنّ اسم الرئيس نجيب ميقاتي الاكثر تداولاً لتأليف الحكومة الجديدة، وكذلك بدأت بعض الاوساط السياسية والنيابية الجديدة تطرح اسم السفير السابق نواف سلام.
امّا الثالث فهو استحقاق تأليف الحكومة الذي سيشكل بدوره محطة الفرز الثالثة والثابتة، حيث انّ التأليف بالقوى التي ستشارك فيه، سيحدّد بشكل جَلي أيّ الأطراف التي ستشكّل الاكثرية أو بمعنى أدق الموالاة، وأيّ الاطراف التي ستشكل المعارضة.
يُشار في هذا السياق الى انّ الغالب لدى اكثرية القوى السياسيّة هو الذهاب الى حكومة شراكة، بعيداً عن صيغ الحكومات السابقة التي سُمّيت حكومات تكنوقراط، التي أثبتت فشلها وعجزها عن مواكبة تطورات الازمة بما تتطلبه من اجراءات وخطوات علاجية. واللافت في هذا السياق ان بعض القوى السياسية بدأت من الآن الترويج لرفضها تشكيل حكومة شراكة او حكومة وحدة وطنية، ولدعمها تشكيل حكومة اكثرية من لون سيادي او تغييري واحد. ويبرز حزب «القوات اللبنانية» في صدارة المتحمسين لحكومة كهذه.
حكومة صدامية
الى ذلك، اكد مرجع سياسي لـ«الجمهورية» انّ واقع البلد يفرض ان تجتمع كلّ القوى في حكومة تتشارَك مكوناتها في عملية الانقاذ، وبالتالي فإنّ رفض حكومة كهذه، يَستبطن توجهاً لقطع الطريق على حكومة جديدة جامعة تقوم بما هو مطلوب منها من مبادرات إنقاذية وخطوات اصلاحية. وكذلك يستبطِن إصرارا على التصعيد وتوجّهاً نحو الصدام، وإبقاء الوضع على ما هو عليه من تعقيد وارباك خدمة لغايات او اجندات، والنتيجة الطبيعية لذلك هي تسريع وتيرة الانهيار ومُفاقمة معاناة اللبنانيين. واخشى ان تكون اعادة إثارة الازمات الحياتية والمعيشية والمالية في الايام الاخيرة مُندرجة في سياق التوجه الى زيادة التوتير وتعميق الازمة اكثر».
واقع صعب
وسط هذه الصورة، تؤشر الاجواء السياسية بصورة عامة الى «واقع صعب» بَلغه المشهد الداخلي، تجاوز الإنقسام العميق بين القوى السياسية، ليبلغ حَد عدم قبول هذه القوى لبعضها البعض ورفضها التعايش مع بعضها البعض. وهو الامر الذي من شأنه ان يجعل من الارباك والتأزّم سِمة المرحلة المقبلة، بحيث يصعّب مهمّة المجلس الينابي الجديد بما قد يحوّله من ساحة للتشريع الى ساحة «لِتَشليخ» القوى السياسية لبعضها البعض. وكذلك الحال بالنسبة الى الحكومة حيث يجعل تشكيلها محفوفاً بصعوبات مانعة له.
منطقان متوازيان
يُشار في سياق هذا الإنقسام إلى صدام واضح بين منطقين يبدوان كخطين متوازيين لا يلتقيان، يرفض الاول التعايش مع «حزب الله» ويعتبر انّ المشاركة في حكومة يشارك فيها الحزب تُعدّ هزيمة امامه وتنفيساً للانتصارات التي حققها السياديون والتغييرون في الانتخابات، وإلغاء لكل الشعارات والمبادىء والمسلمات االتي اطلقت خصوصا في الحملات الانتخابية. امّا المنطق الثاني فيعتبر ان لا مجال او امكانية لأيّ طرف داخلي ان يضع «فيتو» على أي طرف، او الغاء أي طرف، وهذا ينسحب على «حزب الله» وخصومه، حيث لا قدرة لأحد على الغاء وجود او تجاوز أي من المكونات الاساسية في لبنان.
في سياق انتخابي متصل، اعلنت هيئة الإشراف على عملية الإنتخابات النيابية، في بيان امس، انها لحظت التزاماً مقبولاً في مختلف مراحل العملية الإنتخابية من قبل وسائل الإعلام والإعلان كافة والمرشحين واللوائح وهالَها ما حصل يوم الإقتراع الواقع فيه 15/5/2022 من الكَم الهائل من المخالفات المرتكبة من وسائل الإعلام كافة والمرشحين واللوائح والجهات السياسية، لا سيما بالنسبة لموجبات الصمت الإنتخابي. كما رصدت بعض مخالفات شراء الأصوات عبر شكاوى وردتها بهذا الخصوص من المرشحين واللوائح والجهات السياسية وغيرها وعبر إخبارات أحالتها، بعد دراستها، إلى النيابة العامة المختصة وفقاً للأصول. كما رصدت ارتفاعاً في حدة الخطاب الإنتخابي والسياسي.
جلسة الحكومة
من جهة ثانية، وعلى وَقع تلاعب السوق السوداء بسعر الدولار، وتفاقم الازمات الحياتية والارتفاع المريع في اسعار المحروقات والاساسيات، تعقد حكومة الرئيس نجيب ميقاتي اليوم آخر جلساتها قبل دخولها في مدار تصريف الاعمال ربطاً ببدء ولاية المجلس النيابي الجديد.
وفيما ينتظر ان تدرس الحكومة في جلسة مجلس الوزراء اليوم جدول اعمال يزيد عن 100 بند، يزداد عبء الازمات مع شح مادة الطحين، والصرخة من فقدان الادوية وخصوصاً للامراض المستعصية، وكذلك الانهيار المُتسارِع للعملة والقفزات الخطيرة التي تسجّلها اسعار المشتقات النفطية، وصولاً الى قطاع الاتصالات المهددة استمراريته على حَد ما اعلن وزير الاتصالات جوني القرم، الذي اعتبر انّ اليوم هو آخر مهلة لمجلس الوزراء لمنع انهيار قطاع الاتصالات، ملوّحاً بالاستقالة في حال عدم الاخذ بمقترحاته لإنقاذ هذا القطاع عبر إقرار رفع التعرفة بشكل مدروس للقطاع الثابت والخلوي، مشيراً الى انه «لم يأت الّا ليُحسِّن القطاع وليس ليَكون شاهد زور على انهياره، واذا كانت هناك مصلحة لأحد ان يدمّر القطاع فذلك لبيعه بـ»تراب المصاري».
إجتماع ثلاثي
من جهة ثانية، اعلنت قيادة الجيش – مديرية التوجيه انه «بتاريخ 19 / 5 / 2022 عُقد اجتماع ثلاثي في رأس الناقورة برئاسة قائد قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان ورئيس البعثة اللواء ارولدو لاثارو، وحضور وفد من ضباط الجيش اللبناني برئاسة منسق الحكومة اللبنانية لدى قوة الأمم المتحدة العميد منير شحاده. وجرى التطرق خلال الاجتماع الى الاعتداءات الإسرائيلية اليومية والمتكررة للسيادة اللبنانية براً وبحراً وجواً، وأعاد تأكيد التزام لبنان بالقرار 1701 ومندرجاته كافة. كذلك شدد الجانب اللبناني على ضرورة انسحاب العدو الإسرائيلي من الأراضي اللبنانية المحتلة كافة، ومنها: مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والقسم الشمالي المحتل من بلدة الغجر والنقاط الـ 17 المعتبرة كخرق دائم».
هيل
الى ذلك، أشار مساعد وزير الخارجية الأميركية السابق دايفيد هيل، في مقال له، الى ان «الأفكار التفاؤلية التي راوَدت الكثيرين بأن المرشحين المستقلين في لبنان سينجحون في حجز مقاعد نيابية كثيرة وتوجيه ضربة لـ»حزب الله» وحلفائه هي مجرّد أوهام، وما ينتظر لبنان في الايام المقبلة هو حالة من الشلل التام».
واعتبر «انّ المكاسب التي حققتها المعارضة المسيحية المناهضة لـ»حزب الله» مثيرة للإعجاب، ولكنها لم تكن كافية لها لتوجيه المشهد السياسي».
واشار الى انّ كتلة «حزب الله – أمل» استحوذت على جميع المقاعد الشيعية، مما أعطى هذا الفصيل تأثيراً حاسماً في الخيارات السياسية المقبلة».
عقوبات جديدة على «الحزب»
وفرضَ مكتب مراقبة الأصول الأجنبية، التابع لوزارة الخزانة الأميركية، عقوبات على رجل الأعمال اللبناني و«الميسر المالي» لـ«حزب الله» أحمد جلال رضا عبد الله، بالإضافة إلى 5 من شركائه و8 شركات له في لبنان والعراق.
وقالت وزارة الخزانة، في بيان: يسلّط هذا الإجراء الضوء على طريقة عمل «حزب الله» في استخدام غطاء الأعمال التجارية التي تبدو مشروعة لتوليد إيرادات وزيادة الاستثمارات التجارية عبر قطاعات عدّة لتمويل «حزب الله» وأنشطته الإرهابية سراً.
الجمهورية