مجلة وفاء wafaamagazine
كتبت صحيفة “نداء الوطن”
على شاكلة الدولة المتحلّلة و”هياكلها” المتآكلة والمتساقطة مع اتساع رقعة الانهيار تحت أرضية المؤسسات، لم تستطع اهراءات المرفأ الصمود أكثر بعدما وقفت شاهدة على إجرام منظومة “النيترات” الحاكمة طوال عامين على انفجار الرابع من آب… ولأنها كذلك، وضعتها السلطة نصب أهدافها، فسعت جاهدةً إلى هدمها عنوةً لطمس معالم الجريمة، ولمّا لم تنجح في تحقيق المراد، وجدت ضالتها في النيران لتقوم بمهمة هدم الصوامع، فتركتها تلتهم هياكلها المتصدعة حتى انهار الجزء الشمالي منها بعد ظهر الأمس إيذاناً ببدء انهيار جزئها الجنوبي خلال الساعات المقبلة.
وعلى أطلال الدولة وفوق أنقاضها، يقف “حزب الله” في الصفوف الأمامية ناظراً وناظماً لحياة اللبنانيين ومقرّراً لمصيرهم في الحرب والسلم بلا شريك ولا حسيب، فما يراه مناسباً يجب أن يروه مناسباً تحت طائل تخوين المعترضين واتهامهم بالعمالة، أو اعتبارهم في أحسن الأحوال “بلا كرامة”… وهذا ما ينطبق راهناً على واقع حال الترسيم الحدودي البحري، حيث رفع “حزب الله” منسوب الخطر والتحدي، فدشّن أمس مرحلة “العد العكسي” لاندلاع الحرب مع إسرائيل، مستهلاً إياها بنشر إعلامه الحربي صوراً حرارية التقطتها رادارات صواريخه وتبيّن إحداثيات المنصات العائمة الإسرائيلية وسفن الحفر والإنتاج في حقول النفط والغاز موسومة بعبارة “في المرمى” مع مقتطف صوتي مسجّل لأمين عام “الحزب” السيد حسن نصرالله يقول فيه “اللعب بالوقت غير مفيد”، وهي رسالة تهديدية استهدفت بشكل أساس مهمة الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين ووضعتها “في المرمى”، سيما وأنها تزامنت مع وصوله إلى بيروت لاستئناف نقاشاته مع المسؤولين حيال الجواب الإسرائيلي على الطرح اللبناني للترسيم.
وإذ يجتمع الرؤساء الثلاثة في قصر بعبدا صباح اليوم على نية البحث في “الموقف الرسمي الموحّد” الذي سيتبلغه هوكتشاين، لم يُخفِ إعلام “حزب الله” وضع الوساطة الأميركية في مرمى رسائله “الدقيقة” فشدد على أنّ التسجيل المصوّر الذي عرضه الإعلام الحربي “يحمل الكثير من الرسائل المباشرة وغير المباشرة للعدو وللمفاوض الأميركي الذي عاد إلى لبنان”، وذلك بالتوازي مع الحرص في الوقت عينه على تظهير دوريات راجلة من عناصر “القمصان السود” بمحاذاة الشريط الحدودي تأكيداً على الجهوزية البرية كما البحرية لخوض غمار الحرب في حال لم يحمل هوكشتاين طرحاً يلقى استحسان قيادة “حزب الله” لقضية الترسيم والاستخراج… و”الصباح رباح” اليوم كما عبّر نصرالله مساءً، في معرض إشارته إلى ترقّب ما سينقله الوسيط الأميركي عن الجانب الإسرائيلي، وأضاف: “تناقشنا في قيادة “حزب الله” ودرسنا الخيارات ووضعنا نفسنا إما في (صورة) حل الأمور بإيجابية لصالح لبنان وإما الذهاب الى حرب، واتخذنا هذا القرار (…) هناك فرصة تاريخية والأمر يحتاج إلى مخاطرة محسوبة، فلنذهب الى المخاطرة”… وتوجه إلى كل من يسأل “حزب الله” عمّن كلفه مهمة الدفاع عن لبنان بالقول: “حلّ عنّي، أنا ألله مكلّفني”.
وبالتزامن مع وصول هوكشتاين إلى بيروت حيث استهل لقاءاته بوزير الطاقة وقائد الجيش والمدير العام للأمن العام محذراً من مغبة أن تؤدي الأجواء التصعيدية التي يبثها “حزب الله” إلى ارتدادات سلبية على أرضية المفاوضات، لفت الانتباه البيان الذي أصدرته وزارة الخارجية الأميركية وشددت فيه على استحالة “التوصل إلى حل ضروري وممكن” في قضية الترسيم الحدودي البحري بين لبنان وإٍسرائيل “إلا من خلال المفاوضات والديبلوماسية”، منوهةً في هذا المجال بأن زيارة الوسيط الأميركي الراهنة إلى لبنان “تأتي لمناقشة الحلول المستدامة لأزمة الطاقة في لبنان بما في ذلك التزام إدارة بايدن بتسهيل المفاوضات حول الحدود البحرية”.
في الغضون، تفاعلت خلال نهاية الأسبوع قضية التصادم الذي حصل في بلدة رميش الحدودية بين عناصر “حزب الله” وأبناء البلدة، بحيث أهاب البطريرك الماروني بشارة الراعي بالأجهزة الأمنية “القيام بواجبها في حماية أبنائنا وطمأنتهم، فيشعرون أنهم ينتمون إلى دولة تحميهم وتضمن سلامتهم وحرية عملهم في أرضهم، بموجب قرار مجلس الأمن 1701 الذي يمنع أي قوى مسلحة من التواجد في منطقتهم”.
كما تطرقّ الراعي في قداس الأحد إلى مستجدات قضية التعرّض للمطران موسى الحاج والتي “تشكل امتحاناً لمدى قدرة المسؤول عن هذه الحادثة على وضع حد للتطاول على الكنيسة المارونية”، فقال: “كان البعض يشكو من تدخل الطوائف بالدولة، فإذا بالدولة تعتدي على طائفة تأسيسية”، ووضع في ضوء ذلك مروحة من المطالب لإنهاء تداعيات هذه القضية، بما يشمل إعادة جواز سفر المطران وهاتفه وتسليمه الأمانات من مال وأدوية، والكف عن تسمية اللبنانيين المتواجدين في فلسطين المحتلة بالعملاء، محذراً في المقابل المسؤولين في حال عدم العمل بموجب هذه المطالب، من أنهم “يتسببون بشر كبير تجاه أبرشيتنا في الأراضي المقدسة”.