الأخبار
الرئيسية / آخر الأخبار / هل يعود لبنان إلى الخط 29؟

هل يعود لبنان إلى الخط 29؟

مجلة وفاء wafaamagazine

 

الجميع في انتظار الوسيط الأميركي عاموس هوكشتاين، في الأيام القليلة المقبلة، ومعه الردّ الإسرائيلي المُفترض على طرح لبنان. فهل سيأتي فعلاً في الموعد المفترض؟

طوني عيسى 

إذا كان الإسرائيليون قد أبلغوا هوكشتاين فعلاً بردّ واضح، فإنه سيزور لبنان ويستكمل الوساطة. لكن الموفد الأميركي الذي أصرّ على لبنان أن يزوِّده موقفاً واضحاً ومكتوباً، ليتمكن الإسرائيليون من التعاطي معه بوضوح، مُجبر على العودة إلى لبنان بجواب إسرائيلي واضح ومكتوب أيضاً، وفق ما يطالب الجانب اللبناني.

 

في إسرائيل، هناك غموض وصمت في التعاطي مع هذا الملف. ولا يُعرف إذا كان هوكشتاين قد تبلَّغ الردّ فعلاً أم انه ما زال ينتظر، أو انه تبلّغ ردّاً ملتبساً وينتظر إيضاحه لإبلاغه إلى الجانب اللبناني. ولكن، إذا لم يكن الوسيط الأميركي قد حصل على هذا الجواب الواضح حتى اليوم، فهل سيزور لبنان، وما الهدف من الزيارة في هذه الحال؟

بل إن السؤال يمكن أن يُطرَح معكوساً: إذا لم تتم زيارة هوكشتاين في موعدها المقرّر أواخر هذا الشهر، فما هي العواقب المحتملة مع حلول استحقاق الحفر من «كاريش» وبدء المنصة التابعة لشركة «إنرجين» باستخراج الغاز هناك في النصف الأول من أيلول المقبل؟

 

إنّ تأجيل زيارة هوكشتاين، إذا حصل، من شأنه ان يضع ملف الترسيم على صفيح ساخن. ولكن، في المقابل، يعتقد البعض أن قيام الوسيط الأميركي بزيارة فاشلة للبنان، والإعلان عن تعثّر الوساطة في هذا التوقيت الدقيق، ربما يكونان أسوأ من تأجيل الزيارة.

الإسرائيليون يتذرّعون اليوم بأن حكومتهم في وضعية انتقالية، وأن الانتخابات التشريعية المقررة في مطلع تشرين الثاني ستتكفّل بتشكيل حكومة تتمتع بالغطاء التمثيلي، وتتمكن تالياً من حسم الخيارات في ما يتعلق بترسيم الحدود مع لبنان.

 

يعني ذلك أن هوكشتاين الذي كان يلوم الجانب اللبناني على ارتباكه ويدعوه إلى توحيد الموقف في هذا الملف أصبح الآن أمام وضع معاكس: موقف لبناني موحَّد مقابل انقسام أو إرباك في إسرائيل.

وفيما كان الوسيط الأميركي يُحمِّل لبنان مسؤولية تعثّر المفاوضات، بات اليوم أمام موقف لبناني «معتدل»، بعد التخلّي عن الخط 29 والقبول بالخط 23 الذي كان الإطار التفاوضي الأساسي في الناقورة، والتخلّي تالياً عن أي مطلب في حقل «كاريش» المضمونة فيه مخزونات الغاز، مقابل الاكتفاء بحقل «قانا» الذي ما زالت مخزوناته قيد الدرس.

 

على الأرض، لن يجرؤ الإسرائيليون على المباشرة في استخراج الغاز من «كاريش» في الموعد المقرر بعد نحو أسبوعين، لأنهم على رغم التهويل العلني ليسوا مستعدين للدخول في حرب على الجبهة الشمالية لا يُعرف إلى أين ستقود.

وفي المقابل، تتوالى رسائل «حزب الله»- بالمواقف بعد المسيَّرات- محذرةً من أن عدّة المواجهة جاهزة وبكامل الجدية. وهذه المرّة، حتى خصوم «الحزب» السياسيين في الداخل لم يعترضوا على مواقفه، ما يعني أن أي خطأ إسرائيلي في التعاطي مع هذا الملف سيدفع الجميع إلى المجهول. وهذا ما يضعه الأميركيون في طليعة الاهتمامات ويعملون لتجنّبه.

 

إذا أبقى هوكشتاين على موعد زيارته لبيروت بعد أيام، فعلى الأرجح سيكون منع التصعيد العسكري هو الهدف الأساسي، لا التوصّل إلى اتفاق، في انتظار حلحلة سياسية ربما تتحقق بعد الانتخابات في إسرائيل وتشكيل حكومة.

 

ولكن، في هذا الستاتيكو الممنوع فيه التصعيد العسكري، سيكون البديل الأسلم هو التصعيد السياسي. ولمجرد أن يتبلّغ اللبنانيون رفضاً أو غموضاً في التعاطي مع طروحاتهم في الجانب الإسرائيلي، فإنهم سيردّون بتصعيد مماثل.

 

يعني ذلك أن يعود اللبنانيون إلى السقف الذي سبق الإقرار بالخط 23، أي العودة إلى الخط 29 الذي يجعل «كاريش» مادة نقاش على طاولة التفاوض والتقاسم. وهذا الأمر يستثير الإسرائيليين بقوة، نظراً إلى حاجتهم إلى بدء الاستخراج من هذا الحقل، في لحظة يحتاج فيها الأوروبيون غاز المتوسط، تعويضاً للغاز الروسي.

 

سيجد الجانب اللبناني نفسه مضطراً إلى رفع السقف مجدداً، في الوقت المستقطع، وحتى عودة الحرارة إلى الوساطة والمفاوضات. ومقابل الرغبة الإسرائيلية في تحقيق المزيد من المكاسب، والمطالبة بما هو أكثر من الخط 23 كاملاً وحقل «قانا» كاملاً، سيضطر لبنان إلى التشدد، وقد يجد أنّ الخيار الأفضل هو عودة التمسك بالخط 29 بوصفه خط حدود لا خط تفاوض.

 

ومن شأن هذا الأمر أن يعود بالإطار التفاوضي إلى النقطة الصفر. لكن المفاوضات ستدخل في سُبات خريفي. وسيبقى الهاجس منع الدخول في الحرب، صغيرة كانت أو كبيرة.

 

 

 

 

الجمهورية