مجلة وفاء wafaamagazine
هل يطير الوقت؟ لماذا نشعر بأن الزمن يمر سريعا جدا حين نكون سعداء، وبطيئا جدا حين نكون تعساء، مع أن الساعات هي ذاتها والثواني هي هي؟
يقول وليام شكسبير إن “المرح والعمل يجعلان الساعات تبدو قصيرة”، بينما يقول الكاتب الأميركي هنري فان ديك: “الوقت بطيء جدا لمن ينتظر، سريع جدا لمن يخاف، طويل جدا لمن يحزن، قصير جدا لمن يبتهج، ولكنه بالنسبة لأولئك الذين يحبون الوقت هو الأبدية”.
ويبقى السؤال: لماذا يمر الوقت بسرعة خارقة في الأوقات السعيدة، مثلا خلال إجازتنا في فصل الصيف حين نسافر ونلتقي الأهل والأحبة والأصدقاء، أو حين نكون مع من نحب في إجازة على أحد الشواطئ البيضاء الفاتنة في العالم؟ وهل هذا الإحساس بمرور الوقت مجرد انطباع أو وهم يخلقه الدماغ أم حقيقة واقعة؟
علاقتنا مع الوقت
صحيفة “لوفيغارو” (Le Figaro) الفرنسية بحثت في هذا الموضوع مؤخرا، وللإجابة عن هذه الأسئلة، التقت اختصاصية علم النفس العصبي ماري سيباغ التي شرحت هذه الظاهرة بقولها: “لا، لم يمر الصيف بسرعة كبيرة، حتى لو كان هذا هو شعورك. الوقت هو مرجع ثابت، علاقتنا به هي التي تتطور، وفقًا للسياق الذي نجد أنفسنا فيه”.
وأوضحت أن “هذا الشعور بأن الوقت يتسارع مع مرور السنين مرتبط بحقيقة أننا نعيش بشكل تلقائي وروتيني، وضمن سياقات مألوفة لنا حيث يقوم الدماغ بتنشيط الشبكات التي يعرفها، والتي تتطلب طاقة أقل، كما تشارك مناطق معينة من الدماغ في إدراكنا للوقت، لكننا نهتم بشكل أقل بحساب الزمن عندما يكون الفعل مألوفا وعاديا، وهذا هو السبب الذي يجعل الأشخاص الذين لديهم حياة يومية متكررة يشعرون بأن الوقت يمر بسرعة كبيرة من دون رؤية الأيام تمضي بالفعل”.
وذلك لأن الأيام متكررة ومتشابهة ويتلو بعضها بعضا، فلا يشعر معظم البشر بمرور الأيام والسنين، “ولكن قد تجد أحدهم فجأة يقول: ياه.. لقد مرت 10 سنوات منذ أن تزوجت أو تخرجت من الجامعة، على سبيل المثال”.
ولكن عندما نكسر الروتين، يحدث العكس تماما، ويصبح لدينا انطباع بأن الوقت صار أطول. وهنا توضح سيباغ أن “هذا يرجع إلى حقيقة أن الدماغ يسجل بيانات جديدة، ويستغرق وقتا أطول لمعالجة المعلومات وتخزينها”.
وهو ما يفسر سبب شعور الأطفال دائما بأن الوقت طويل وممتد؛ “فعندما يكون المرء صغيرا، فإن كل شيء جديد وغير معروف ويتطلب تشغيل دوائر عصبية جديدة في دماغ الأطفال، ولكن كلما كبرنا قل وجود الأشياء الجديدة، وتصبح الأمور مكررة وروتينية، وبالتالي يقل تشغيل الدوائر العصبية في الدماغ الذي أصبحت لديه خبرات سابقة يتعامل معها بتلقائية، وهو ما يعطي الانطباع بأن الوقت يتسارع”.
يرتبط الزمن أيضا بالحالة الذهنية والأنشطة والفعاليات التي نقوم بها، وكل هذا يتوقف على الشحنة العاطفية التي يحملها المرء تجاه فعل معين: “مثلا، عندما تشعر بالراحة، فإنك تستخدم موارد طاقة أقل ولهذا السبب، عندما نقوم بنشاط نستمتع به، يبدو أن اللحظة تمر بسرعة أكبر”، وذلك كما توضح
ماري سيباغ.
إحساس خادع بالزمن
ولهذا السبب عندما تكون في إجازة، تشعر بأن الوقت مرّ سريعا جدا، وقد أكد هذا دراسة أجراها باحثون من جامعة أوهايو الأميركية العام الماضي، إذ وجدوا أن العقل البشري يدرك بالفعل أن الوقت يمر بشكل أسرع أثناء أنشطة معينة، ولكن العلماء أوضحوا أن هذا ينطبق فقط على الأحداث الإيجابية في الحياة.
بحثت البروفيسورة سيلين مالكوك، المؤلفة المشاركة في الدراسة، في كيفية إدراك الناس للوقت عندما يتوقعون حصول حدث إيجابي أو سلبي، بالنسبة للأحداث الإيجابية، مثل الإجازة القادمة، يقول الباحثون إن الناس يحكمون على هذه الأنشطة على أنها أبعد مما هي عليه بالفعل. وعلى سبيل المثال، يشعر شخص يخطط لقضاء إجازة في هاواي بعد أسبوع أن هذا الأسبوع طويل جدا، ويبدو له وكأنه شهر من الزمن حتى يأتي، وذلك لأنه ينتظر حدثا سعيدا سيفرحه فيستعجل الزمن الذي يبدو بطيئا جدا، ولكن حين يأتي هذا الوقت فعلا، ويبدأ في قضاء إجازته حقا في هاواوي يشعر أن زمن هذه الإجازة قصير للغاية ومر بسرعة فائقة. وفي هذا السياق تؤكد مالكوك أن “الأحداث السعيدة، مثل الإجازة، تستمر لفترة أقصر بكثير من تلك غير السعيدة”.
وتوضح أستاذة التسويق في كلية فيشر للأعمال بجامعة أوهايو أن “الانتظار اللامتناهي على ما يبدو لبدء الإجازة، الذي يرافقه الإحساس بأن وقت الإجازة سيطير بسرعة، يؤدي إلى شعور الناس بإحساس خادع بالوقت لا علاقة له بالواقع، وبعبارة أخرى فإن الإجازة تنتهي في أذهانهم بمجرد أن تبدأ.. ليس لها مدة”، وذلك حسب ما ورد في البيان الصحفي الذي تم نشره على موقع الجامعة الرسمي وضم أهم ما ورد في الدراسة.
من ناحية أخرى، اكتشف الباحثون أن الأحداث السلبية لها تأثير معاكس تماما على العقل البشري، حيث يشعر الأشخاص الذين يتوقعون بدء نشاط غير سار، مثل اجتماع عمل مخيف بعد خسائر كبيرة تكبدتها الشركة، كما لو أن الحدث سيبدأ في أي دقيقة، كما أنهم يرون أن الوقت يمر بشكل أبطأ بكثير في أثناء الاجتماع نفسه فكأنه الدهر كله.
والغريب، كما اكتشف مؤلفو الدراسة أن هذه التأثيرات المعاكسة تعني في الواقع أن الناس يشعرون كما لو أن الأحداث السعيدة وغير السعيدة ستنتهي في الوقت نفسه. ومع ذلك، فإن الطريقة التي وصل بها الناس إلى هذين الموقفين المعاكسين هي قصة مختلفة تماما.
وتوضح الدكتورة غابرييلا تونييتو، المؤلفة المشاركة في الدراسة من كلية روجرز للأعمال، أن “التفكير في الأحداث الإيجابية والسلبية المستقبلية يقود الناس إلى اتخاذ طريقين مختلفين للوصول إلى النتيجة نفسها، حيث تبدو نهايات كلا الحدثين بعيدة بشكل مماثل”.
وهو ما يعني أن هناك إدراكا عميقا لدى الناس أن الوقت هو نفسه وأنه يمر حقا، ولكن الإحساس به هو الشيء المختلف، وهذا من ألاعيب العقل البشري وخدعه التي لا تنتهي.
وفي الحقيقة، فإن سؤال الوقت هو سؤال “فلسفي فيزيائي” في كثير من جوانبه فهو نسبي عند آينشتاين، ولكنه غير موجود عند كارلو روفيلي، أستاذ الفيزياء في جامعة “دي لا ميديتيراني” (Universite de la Mediterrannee) الفرنسية، فحسب رأيه فإن ما نراه على أنه وقت لا يمكن أن يكون أكثر من طريقتنا في تبسيط الكون، وهو يعتقد حرفيا أنه لا يوجد وقت.
وفي النهاية، نختم بما بدأنا به “الوقت بطيء جدا لمن ينتظر، سريع جدا لمن يخاف، طويل جدا لمن يحزن، قصير جدا لمن يبتهج، ولكنه بالنسبة لأولئك الذين يحبون، الوقت هو الأبدية”