مجلة وفاء wafaamagazine
بعد 3 سنوات على الأزمة، قرّرت الدولة تغيير سعر الصرف الرسمي واعتماد سعر صرف 15000 ليرة لبنانية مقابل كل دولار أميركي، أواخر الشهر المقبل، بدلًا من 1507 ليرات كـ”إجراءٍ تصحيحيٍ لا بدّ منه… بعدما بات من المُلحّ تصحيح تداعيات التدهور الحاد في سعر الصرف وتعدّديته على المالية العامة، وذلك تقليصًا للعجز وتأمينًا للاستقرار المالي”.
تساؤلات عديدة تُطرح إزاء خطوة المالية غير الواضحة، على مستويات عديدة أوّلها التوقيت، أي بعد 3 أعوام على الأزمة، وما سيحلّ بمنصّة “صيرفة” ومصير الودائع والقروض وسعر صرف الدولار في السوق الموازية واتجاه التضخّم وما إلى ذلك من أسئلة، مهما أُجيبَ عنها، تبقى النتيجة العملية واحدة على المواطن: ارتفاع في الأسعار وخسارات إضافية.
لا يمكن فهم الاعتبارات النقدية الاقتصادية والقانونية التي أُخذت لتغيير السعر الرسمي، إذ ليس هناك أيّ اعتبار يوصي بأن يكون السعر الرسمي 15 ألف ليرة ولا الدولار الجمركي كذلك، هذا ما يؤكّده الخبير الاقتصادي، البروفسور بيار الخوري لـ”النهار”. ولا إجابة واضحة وتقنية عن الأسئلة التالية: لماذا اعتماد 15 وليس 20 ألف ليرة أو 12 ألفًا؟ ولماذا لا يُعتمد سعر المنصّة أو سعر الدولار الحرّ؟ “فهنا يكمن الخطر”، وفق الخوري، إذ لا جواب لدى السلطة ولا مبرّرات اقتصادية على الإجراءت التي تطلقها، فهي تقوم بإجراءت ولا تضع سياسات.
إضافةً إلى أنّه ليس في قانون النقد والتسليف ما يُسمّى “الدولار الرسمي” بل هناك “الدفاع عن سعر الصرف” فالدور الأساسي لأيّ مصرف مركزي في العالم هو ضبط الأسعار ولجم التضخّم. ففكرة سعر الصرف الرسمي مأخوذة من الأنظمة ذات سعر الصرف المُدار، فيما لبنان لا يتبنّى هذه الأنظمة، لا بطبيعة نظامه الاقتصادي ولا بانفتاحه على التجارة الخارجية والرساميل، وفق الخوري. حتى إنّ تعدّد الأسعار هو اجتهاد حصل بعد أزمة 2019 وهو غير موفَّق قانونيًا ولا اقتصاديًا.
علميًا، يبرّر حكّام البنوك المركزية والفيديرالية سلوكهم المتعلّق بالقرارات الاقتصادية المفصلية، ولا يمكن للتبرير أن يكون لتلبية حاجات الدولة عامةً، بل لتلبية حاجات الاقتصاد ومصلحة الإقتصاد الوطني.
وفيما أكّدت وزارة المالية أنّ إجرائها هو “خطوة أولى باتجاه توحيد سعر الصرف تدريجًا”، بحسب الخوري، فإنّ “توحيد سعر الصرف ضرورة ملِحّة، للإسهام في استقرار العملة، لكن التوحيد لا يكون عبر فرضه بإجراءٍ خارج نطاق العرض والطلب، ولا يمكن الجزم إن كان هذا الإجراء فعلًا هو خطوة تجاه توحيد سعر الصرف إذ إنّه سلوك غير مضمون لكونه غير متوقَّع”.
كذلك، منصّة “صيرفة” تعكس روح السوق وتواكب حركة الدولار في السوق السوداء ارتفاعًا وتراجعًا. واعتماد سعر متحرِّك للمنصّة يلتمس أقلّه روح العرض والطلب، وهو أفضل بكثير من الأسعار الجبرية المفروضة كالـ1500 والـ3900 والـ8000 والـ15000، فهي أسعار لا علاقة لها بمشروع النموّ الاقتصادي.
وعن اتّجاه سعر الدولار في السوق السوداء، يؤكّد الخوري أنّه على سعر 15 ألف ليرة، سنكون بحاجة إلى سيولة أكبر في الاقتصاد. وهنا يجب البحث في حجم الليرات التي ستلمّها الدولة مقابل مدى حاجة الناس إلى الليرة لتسديد نفقاتها، وإلى أي مدى تدفع الحكومة للخدمات التي تُسدّد بالدولار على 15 ألف ليرة، ومدى حاجة المصارف إلى سيولة لتسعير الودائع على 15 ألف ليرة بدلًا من 8000 ليرة بموجب التعميم 151، وكم ستلمّ المصارف من السوق القروض بالدولار على سعر 15 ألف ليرة. فمجموع كل هذه العناصر، يحدّد اتجاه سعر الصرف، وفق الخوري.