مجلة وفاء wafaamagazine
يبدو أنّ لبنان سيبقى وإلى أجل غير مسمّى، رازحاً تحت تأثير الهزّة العنيفة التي ضربته، وزادت الانقسام الداخلي عمقاً واتساعاً، وصعدت بالواقع السياسي الى أعلى درجات التشنج، وفتحته على شتى الاحتمالات والسيناريوهات السياسية وغير السياسية. ورسمت في الوقت نفسه علامات استفهام حول مصير الملف الرئاسي، وخصوصاً انّ جدار التعقيدات بات سميكاً جداً، إلى حدّ انّ مختلف الاوساط السياسية باتت تتقاطع عند فرضية ترحيل الملف الرئاسي لأشهر طويلة، وربما إلى ما بعد الربيع المقبل.
وعلى ما تشي الأجواء الصدامية الممتدة على اكثر من جبهة، فإنّ ارتدادات الهزة، قد لا تقلّ عن عنف الهزّة نفسها، ولاسيما انّها مصحوبة بكتل انفعالية ساخنة، تهدّد بقطع ما بقي من اوصال تربط ما بين المكونات السياسيّة، وخصوصاً انّ الخطاب السياسي لدى بعض المكونات يقوده الانفعال، وبات محكوماً بنزعة المواجهة في شتى الإتجاهات.
مواجهة شاملة
وإذا كان «التيار الوطني الحر» قد اتكأ على انعقاد جلسة مجلس الوزراء ليشهر سلاح المواجهة الشاملة مع الجبهة الممتدة من رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي، إلى حركة «امل» ورئيس مجلس النواب نبيه بري، إلى حليفه «حزب الله»، وتجنيد مواقع التواصل الاجتماعي لتصويب غير مسبوق على رأس تفاهم مار مخايل المعقود مع الحزب، فإنّ السؤال الذي يطرح نفسه في موازاة ذلك يتوسّل جواباً حول الأفق الذي ستبلغه هذه المواجهة، وهل يمكن لها أن تعدّل أو تغيّر أو تقلب في الموازين الداخليّة؟ وهل انّ المنحى الإنفعالي سيمكّن التيّار من أن يأكل العنب الرئاسي، ويميل الدفّة الانتخابية لمصلحة شخصية يريدها لرئاسة الجمهورية؟
التيار: معركة وجود
القراءة البرتقاليّة للمواجهة القائمة، تقاربها بوصفها «معركة وجود» يخوضها «التيار الوطني الحر» مع ما يسمّيها «منظومة التعطيل وخرق الدستور وانتهاك الميثاق وكسر الشراكة»، التي تبدّت بشكل فاضح في «التحالف الرباعي الجديد» الذي يسعى إلى تثبيت وقائع جديدة، متجاوزاً موقع ودور ومكانة رئيس الجمهورية، ورئيس التيار النائب جبران باسيل اكّد أن «لا عودة إلى الوراء، ولن نخضع لهذه المنظومة بأي شكل من الاشكال».
وتؤكّد القراءة البرتقالية، «انّ ما حصل لناحية محاولة تكريس خرق للدستور بإلغاء رئاسة الجمهورية ومصادرة قرارها وصلاحياتها، بعقد جلسات غير دستورية لحكومة غير موجودة، يثبت التيار في الموقع الاول للتصدّي لهذا المنحى مهما كلّف الامر، ومن هنا، فإنّه لا مكان على الإطلاق لمجاملة احد اياً كان، امام الخطيئة التي يمعنون في ارتكابها بحق لبنان. والرسالة التي اطلقها النائب باسيل شديدة الوضوح لناحية ان يتحمّل كل طرف مسؤولياته لأنّه «ما بيمشي الحال هيك».
واللافت في القراءة البرتقالية التصويب المباشر على «حزب الله»، من دون أن تقفل الباب نهائياً امام من سمّتهم «الصّادقين من الشركاء»، ملقية الكرة في ايديهم للمبادرة إلى تصويب الخطأ، بما يجعل من التأزّم الحاصل، فرصة جديدة للإنقاذ بالتفاهم مع الجميع».
وتلفت القراءة البرتقالية «انّ الغاية المعلنة وغير المعلنة لتلك المنظومة، تتلخص بهدف وحيد وهو اختطاف رئاسة الجمهورية، وفرض انتخاب مرشّحهم على البيئة المسيحية، وتبعاً لذلك، فهذا الامر مرفوض، والتيار لا يقبل بهذا المسار المدمّر، كما لا يقبل بمنطق الاستفزاز والابتزاز الذي يُمارس جهاراً على التيار لحمله على تغيير قناعاته ومسلّماته، فهذا منطق عقيم لن يجنوا منه سوى الخيبة، ذلك انّ التيار يشكّل المعبر الإلزامي لانتخاب رئيس الجمهورية، ولن يتمكنوا من تجاوزه او املاء إرادتهم عليه».
وتصل القراءة البرتقالية إلى خلاصة ساخرة من بعض الاصوات التي باتت تعتبر انّ «التيار الوطني الحر» ورئيسه النائب باسيل، لن تقوم لهما قائمة بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون، وتقول: «هذا منطق الإلغائيين، يجعلنا اكثر تصلباً وتصميماً وثباتاً مع جمهورنا الواسع، فلن يستطيع احد ان يلوي ذراعنا، او ان «يزحزحنا» عن ثوابتنا وموقعنا كرقم صعب وفاعل في قلب المعادلة السياسية الداخلية».
عطالله: محاولة انقلاب
وفي السياق الهجومي، كشف عضو «تكتل لبنان القوي» النائب غسان عطالله «أنّ «حزب الله» وعد «التيار الوطني الحر» بأنّه لن يشارك بالجلسة الحكومية وشارك فيها»، قائلاً: «الذي حدث هو شيء خارج عن الدستور».
أضاف: «إذا اعتقد «حزب الله» انّ هذا النوع من الجلسات قد يضغط على التيار للذهاب بالأسماء المطروحة لرئاسة الجمهورية فهو أمر «مُحزن» وقواعد التيار لا تتغيّر بالضغط».
واعتبر عطالله أنّ «المرحلة تشبه إنقلاب عام 1990، واليوم كان «في محاولة هيك» وفشلت وميقاتي يؤدي ما كلّفه فيه الثنائي الشيعي».
وقال: «حزب الله» أمّن حاضنة لتروكيا جديدة لا تمثل الدستور والميثاق، ومشهد الحكومة بالأمس يؤكّد هذا الوصف».
لا ردود
على انّ اللافت للانتباه في مقابل الهجوم البرتقالي، يبدو انّ قرار الجهات المستهدفة بالهجوم هو عدم النزول إلى حلبة السجال مع «التيار الوطني الحر» ورئيسه. فالرئيس ميقاتي يتجنّب الردّ المباشر على ما طاله من هجوم سياسي وتجريح شخصي، ورئيس المجلس النيابي نبيه بري يبدو وكأنّه أدار الأذن الطرشاء للمنطق الانفعالي، فيما «حزب الله» وعلى رغم الامتعاض الذي لا تخفيه اوساط قريبة منه من «الافتراء» عليه، آثر الصمت حيال ما طاله من شريكه في تفاهم مار مخايل، تاركاً الكلام المباح ليُقال عبر قنوات الإتصال واللقاءات المباشرة. وأُفيد في هذا السياق، بأنّ ابواب التواصل بدأت تطرق بين الجانبين.
قراءة الخصوم
الّا انّ لمن أدرجهم التيار ورئيسه في جبهة الخصوم، قراءة مختلفة لا تعطي التيّار ورئيسه أفضلية ان يبقى في موقع الهجوم في هذه المواجهة، وخصوصاً انّ الجهة المقابلة له أوسع من أن يستطيع ان يجاريها، كونها تمتلك بدورها ما قد يجعله يعود الى التموضع سريعاً في موقع الدفاع. فضلاً عن انّه في مكان آخر، يقف على حافة مواجهة مفتوحة مع خصومه التقليديين وفي مقدّمهم «القوات اللبنانية» وحلفاؤها في المقلب السيادي والتغييري. وكذلك مع الحزب «التقدمي الاشتراكي» ووليد جنبلاط. ولا يخرج من هذه المواجهة ايضاً، الرئيس سعد الحريري، الذي وإن كان قد انكفأ شخصياً عن الحياة السياسية، إلّا أنّ جمهوره ما زال في قلب المواجهة بمفعول رجعي يمتد إلى العلاقة النارية التي احتدمت بين الطرفين بعد انتفاضة 17 تشرين.
وتعتبر قراءة الخصوم «انّ باسيل كبّر الحجر كثيراً، حيث انّه بعد انتهاء فترة العسل التي امضاها خلال الولاية الرئاسية البرتقالية، ممتلكاً قدرة التحكّم والقرار خلالها، فَقَدَ كل تلك الامتيازات، ودخل في صراع مرير للبقاء على قيد الحياة السياسية، مثقلاً بخلافات واشتباكات سياسية مع جبهة واسعة من الخصوم، وبهبوط مريع عن عرش التمثيل المسيحي إلى رتبة شريك في هذا التمثيل، ولكن ضمن حدود محصورة، إلى جانب قوى مسيحية اساسية صار لها حضور فاعل، نمّته إخفاقات التيار وسياساته الالغائية لكل هؤلاء. وأمام هذا الواقع لم يعد يملك سوى سلاح التصعيد، اعتقاداً منه انّ بذلك يتمكن من تحصين ذاته وتأمين مقومات استمراره رقماً فاعلاً في المشهد السياسي».
وتصل قراءة الخصوم إلى خلاصة مفادها، انّ باسيل يقود معركة خاسرة، محاولاً من خلالها ان يحقق القدر الأعلى من المكاسب والمعنويات السياسية على الحلبة الرئاسية، فيما هو في الواقع أسقط نفسه في المأزق، وهو يدرك في الوقت نفسه انّه يستحيل على ايّ من الأطراف السياسيّة أن يتبرّع بالترياق لفريق سمّم البلد، وسمّم علاقاته بالجميع، ونزّه نفسه وشيطن كلّ الآخرين، وسلوكه انتقامي من الجميع، بحيث لم يترك للصلح مطرحاً مع أحد، حتى مع اقرب حلفائه.
الفشل التاسع
وسط هذه الأجواء، ينعقد مجلس النواب اليوم في جلسة انتخابية، لا يُنتظر منها سوى تسجيل فشل تاسع في انتخاب رئيس للجمهورية.
على انّ مجريات جلسة اليوم، لا يبدو انّها ستكون بمنأى عن التأثر برياح الاشتباك السياسي الاخير، وهو الامر الذي قد يعدّل بعضاً من المشهد الانتخابي، وخصوصاً في ما خصّ التصويت بورقة بيضاء مقابل تصويت جبهة السياديين والتغييرين للنائب ميشال معوض. وكذلك تشتت بعض الاصوات لصالح مرشحين مغمورين.
وإذا كانت الاجواء السابقة لانعقاد الجلسة تؤشر إلى انّ ثنائي حركة «أمل» و»حزب الله» ماضيان مع حلفائهما في التصويت بالورقة البيضاء، الّا انّ الأجواء معاكسة لدى «التيار الوطني الحر»، بعد تلويح رئيسه جبران باسيل بالاقتراع لإسم معين. وهو ما اكّدته مصادر في «تكتل لبنان القوي» لـ»الجمهورية»، بأنّ التوجّه هو للاقتراع وليس للتصويت بورقة بيضاء.
ورفضت هذه المصادر الإفصاح عن اسم الشخصية التي سيقترع لها نواب «تكتل لبنان القوي»، فيما توالت التكهنات من اكثر من مصدر، حيث رجح البعض، الّا يبادر التيار إلى الافصاح عن مرشحه الجدّي، سواء أكان من التيار او خارجه، طالما انّ وجهة الملف الرئاسي لم تتحدّد بعد، بل ان يلجأ إلى واحد من أمرين؛ اما التصويت من باب تقطيع الوقت، وتردّد في هذا السياق اسم الوزير السابق زياد بارود. واما بأن يردّ الطابة إلى خصومه وحلفائه من باب النكاية بهم، ويمنح اصواته للنائب ميشال معوّض، او ربما لمرشّح آخر مستفزّ لهم.
وحول هذا الامر، قالت مصادر نيابية لـ»الجمهورية»: «من حقّ ايّ طرف ان يقترع لمن يريده من المرشحين المفترضين لرئاسة الجمهورية، ولكن إن كان هذا الاقتراع منطلقاً من خلفية الانفعال ومن باب النكاية، وهو يعلم انّ هذا الاقتراع لن يوصل إلى اي نتيجة، فهذا لا يعبّر سوى عن مراهقة سياسية لا أكثر ولا أقل».
الراعي يلتقي عبدالله
من جهة ثانية، إلتقى البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي ملك الأردن عبدالله الثاني بن الحسين، في حضور ولي العهد الأمير حسين بن عبدالله، يرافقه القائم بأعمال السفارة اللبنانية السفير يوسف رجي والقائم بأعمال السفارة البابوية المونسنيور ماورو لالي وكاهن رعية مار شربل المارونية في عمان الخوري جوزف سويد والمحامي وليد غياض.
واكّد الملك عبدالله خلال اللقاء، «على الوقوف إلى جانب لبنان ودعمه في جهوده لتخطّي الأزمات التي تواجهه».
ورأى الراعي انّ «لبنان يعاني من عدم وجود سلطة قادرة على الحسم، ما ولّد سلطات وأصحاب نفوذ وتقاسم سلطات، ويتحمّل عبئاً إقتصادياً كبيراً، وهويته مهدّدة وديموغرافيته تتغيّر بسبب وجود نصف مليون فلسطيني ومليون ونصف مليون سوري على أرضه».
وطالب الراعي الأردن بـ «عقد مؤتمر دولي برعاية الامم المتحدة، يتناول تطبيق الطائف نصاً وروحاً وقرارات مجلس الأمن الثلاثة 1680 و1559 و1701 لحلّ أزمة اللاجئين السوريين والقضية الفلسطينية وإعلان حياد لبنان».
قبلان: تشريع الضرورة
إلى ذلك، قال المفتي الجعفري الممتاز الشيخ احمد قبلان في بيان امس «إنّ حماية الدولة والمصالح الملحّة أكبر ضرورة وطنية، وكذلك ترك مصالح البلد كارثة مدمّرة، والقضية قضية أولويات بعيداً من لعبة الشّطب والتهديد بالإغراق السياسي، وقيمة الخيارات الوطنية تظهر باللحظات الحرجة، والخصومة السياسية لا تعني قلب طاولة البلد، ولعبة الثأر بالقضايا الوطنية خطيرة جداً، والفراغ الرئاسي يفترض لجوء القوى السياسية للمجلس النيابي كضامن وطني، واللعب فوق المسرح الخارجي انتحار، والمجلس النيابي ملاذ وطني وسلطة ميثاقية قادرة وحاسمة، والمشكلة بالرهانات الخارجية، والبلد شراكة إسلامية مسيحية، والضمانة وسط هذا الفراغ القاتم تكمن بالمجلس النيابي كقوة وطنية جامعة، ولعبة التحدّيات عار، فيما البلد على شفير هاوية، ولأنّ المصالح الوطنية العليا مهدّدة، فهذا يعني أنّ تشريع الضرورة فوق كل اعتبار، كما أنّ إنقاذ المصالح الوطنية يفترض جهوزية القرار السياسي لا شطبه، والمطلوب حماية الدولة من السقوط لا المساهمة بإسقاطها».
النازحون
وفي سياق متصل بملف النازحين، فقد كان هذا الملف محور اجتماع عقده وزير الخارجية في حكومة تصريف الاعمال عبدالله بوحبيب امس مع سفراء الدول الاسكندينافية لدى لبنان؛ السويد، النروج، فنلندا والدانمارك، وحضرته سفيرة سويسرا ماريون ويشلت، وشدّد بو حبيب خلال الاجتماع على «انّ لبنان لا يستطيع تحمّل وجود حوالى مليوني نازح سوري على أرضه من دون تحديد موعد لعودتهم إلى بلادهم»، مؤكّداً انّه «في حال توقفت المساعدات الدولية لهم سيعودون إلى بلادهم».
واكّد بو حبيب «انّ لبنان هو بلد نموذجي للتعايش بين المسلمين والمسيحيين، يجب الحفاظ عليه وحمايته من تداعيات النزوح السوري، اضافةً الى وجود اللاجئين الفلسطينيين على ارضه منذ 74 عاماً ينتظرون حلاً سياسياً».
الجمهورية