مجلة وفاء wafaamagazine
هذا المشهد لا يحتاج الى منجّمين، او مبصّرين، أو ضاربي مندل، او قارئين في الفناجين، لتحديد وجهته النهائية وأي هاوية سينزلق فيها ويقبع في قعرها، ذلك انّ المسار المؤدي إلى الكارثة الحتمية رسمه الانقسام السياسي، وباتت المسألة مسألة وقت لا اكثر، وعلى ما تنذر المؤشرات الاقتصادية والمالية، فإنّ نفاد هذا الوقت قد بات وشيكاً جداً.
والمفجع في هذه الكارثة، انّ العقل السياسي المدمّر يدوس عمداً نداءات ونصائح أصدقاء لبنان وأشقائه، وتحذيرات كلّ المؤسّسات المالية الدولية، التي ما زالت تتوالى وترى انّ فرصة العلاج والإنقاذ لم تنعدم كلّيا، بل ما زالت متاحة، وعلى القادة السياسيين ان يبادروا سريعاً إلى التقاطها وإعادة بث الروح في الدولة اللبنانية عبر التوافق على انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة تقطع مسار التدحرج المتسارع على كلّ المستويات.
الوضع أكثر من مخيف
لا يندرج ما تقدّم في سياق التهويل، بل يعكس بدقة خلاصة تقييم للمؤسسات العالمية للوضع في لبنان وتعقيداته الماليّة والاقتصاديّة والسياسيّة. وفي هذا السياق، علمت «الجمهورية» انّ لقاء «غير رسمي»، عُقد في الفترة الاخيرة في عاصمة دولة كبرى، بين أحد كبار المسؤولين الماليين الدوليين، وشخصيات لبنانية، بينها اقتصاديون ومصرفيون ورجال اعمال.
مصادر موثوقة تسنّى لها الإطلاع على مجريات اللقاء، لخّصت لـ»الجمهورية» أجواءه وقالت: «ما قاله المسؤول المالي الدولي في هذا اللقاء رسم صورة اكثر من مخيفة لمستقبل الوضع في لبنان».
ولفتت المصادر، انّ المسؤول الدولي أبلغ الحاضرين قوله: «انّ ازمة لبنان المالية والاقتصادية شديدة الخطورة والتعقيد، ونرى بوضوح انّ الصراعات السياسية الدائرة في لبنان زادتها عمقاً وتعقيداً».
وبحسب المصادر، فإنّ المسؤول عينه قارب بنبرة قاسية أداء السياسيين اللبنانيين حيال الأزمة، واستخدم لفظاً حاداً تجاههم، اتبعه بالقول: «حتى الآن لم نستطع ان نفهم لماذا يعطّل القادة في لبنان كل ما من شأنه ان يساعد لبنان في تجاوز ازمته وكأنّهم غير لبنانيين ينتمون إلى دول اخرى». ثم توجّه إلى الحاضرين بسؤال قائلاً: «هذا الأداء يدفعني إلى ان أسألكم :»هل انّ قادتكم لبنانيون؟»، لقد اقتربنا من الشك في ذلك، فلو كانوا لبنانيين بحق، لتحمّلوا مسؤولياتهم تجاه بلدهم ولما تأخّروا عن القيام بواجباتهم تجاهه»؟!
اضاف المسؤول، وفق ما تنقل المصادر الموثوقة: «أنا أشعر بالأسف لإيرادي هذا الكلام، ولكنني اشعر بالأسف أكثر على لبنان واللبنانيين، فهذا المنحى نشهده منذ سنوات، وقبل انفجار الأزمة في بلدكم، أطلقنا تحذيرات عاجلة آنذاك، وقلنا انّ مالية لبنان ليست سليمة، ومع الأسف قابلها السياسيون في لبنان بالإهمال، وحكومتكم اقدمت على خطوة انتحارية بإعلانها عن التوقف عن دفع السندات، وكانت النتيجة ان سقط بلدكم في الأزمة التي توشك مع مصاعبها المتزايدة، ان تصبح الأزمة الأسوأ في العالم بعدما كانت قد صُنّفت من بين ثلاث اسوأ ازمات».
وأبلغ المسؤول الحاضرين قوله: «آسف أن أقول لكم بأنّ بلدكم مهدّد، وصورة لبنان الآنية غير مطمئنة، وصورته اللاحقة، وكما سبق وقلت لكم، مخيفة ومخاطرها كبيرة جداً جداً جداً. اخشى ان اقول لكم انّ لبنان مقبل على ما قد يزيله من الوجود. واود ان الفت انتباهكم إلى انّ تدارك هذه المخاطر ممكن، وهذه المسؤولية تقع على السياسيين، في مراعاة معاناة اللبنانيين والاستجابة لنداءات اصدقاء لبنان بانتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة، تباشر فوراً في خطوات العلاجات والتعافي، والأساس فيها اصلاحات جريئة باتت واجبة في شتى المجالات».
وخلص المسؤول المالي الدولي الى القول: «هذا هو المسار الذي ينبغي على اللبنانيين سلوكه لإنقاذ بلدهم، وهو مسار طويل مداه سنوات، ويجب ان تعلموا انكم لم تعودوا تملكون الكثير من الوقت، والوقت في حالتكم اصبح قاتلاً لكم ولبلدكم».
تعميم السواد
هذه الصورة الأكثر من سوداوية، توازيها في المقلب الداخلي ممهّدات لتثبيت واقع لبناني اكثر سواداً. فالوضع الحكومي يتخبط في شلل تصريف الاعمال وعدم القدرة على اتخاذ قرار، وفي سجال محتدم بين «التيار الوطني الحر» وفريق رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي، على أتفه التفاصيل المرتبطة بالعمل الحكومي ومواكبة شؤون الناس، وها هو المثال الصارخ في ملف الكهرباء وبواخر الفيول والالتباسات التي رافقت وصول هذه البواخر، والنتيجة تعميم العتمة، والمؤشرات تشي بمزيد من التصعيد.
يضاف إلى ذلك استئناف التلاعب بالدولار بالتوازي مع ما كشفته مصادر اقتصادية عن لعبة خبيثة بدأتها عصابات السوق السوداء لمحو أثر الليرة اللبنانية نهائياً، عبر بث شائعات تبدو انّها مدروسة ومنظّمة عن مسار تصاعدي للدولار يتخطّى سقوفاً خيالية، وهو الامر الذي ينذر بكارثة كبرى وارتفاع اكثر من جنوني في اسعار السلع الحياتية والاستهلاكية.
على انّ الأخطر في موازاة التداعي السياسي والمالي والاقتصادي، هو الانهيار الصحي الذي يلوح مع عودة الحديث عن موجة جديدة لتفشي فيروس «كورونا» أشدّ خطورة واسرع انتشاراً من الموجات السابقة التي شهدها لبنان في السنتين الاخيرتين، في الوقت الذي تمر فيه المستشفيات في أسوأ معاناتها، وضعف امكانياتها وقدرتها على الاستمرار.
ملهاة وتضييع وقت
واما على المقلب الرئاسي، فالمائدة السياسية خالية تماماً مما يسدّ جوع البلد إلى الأمان والاستقرار، والصحن الرئاسي بلا مذاق توافقي، والطباخون المحليون ماضون في تضييع الوقت والاستغراق في ملهاة متواصلة تعطل انضاج أي توافق على انتخاب رئيس للجمهورية. وضمن هذه الملهاة، فإنّ الصورة الرئاسية ستكرّر نفسها في الآتي من الأيام، بدءًا بالجلسة الانتخابية الجديدة لمجلس النواب التي إن عُقدت، لن تخرج عن سكة الفشل الذي سلكته الجلسات السابقة، ورئيس المجلس النيابي نبيه بري يعتبر مسار الفشل سيستمر طالما انّ الاطراف لم تتحمّل مسؤولياتها تجاه وطن حاله بالويل، ويؤكّد انه من دون التلاقي والتوافق على انتخاب رئيس لا جدوى من عقد اي جلسة.
طروحات .. واشتباكات
وإذا كان شهر كانون الثاني قد اعتُبر فرصة لحراك جدّي لانتشال الملف الرئاسي من مغارة التعطيل، الّا انّ المجريات السياسية لا تشي بتبدّل في المشهد الرئاسي خلال ما تبقّى من الشهر الجاري، عن المنحى التعطيلي المعتمد منذ انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون، بل انّ المؤشرات المحيطة بالملف الرئاسي تنذر باشتباكات جديدة على حلبة الطروحات، بدءًا بالطرح المنتظر ربما اليوم، من قبل «التيار الوطني الحر»، بإعلانه مغادرة فريق الورقة البيضاء، وتبنّي شخصيّة معيّنة لرئاسة الجمهورية. وكذلك بما هو منتظر ان يطرحه حزب «القوات اللبنانية» لاحقاً، وسط حديث عن «plan b» مرتبط بالملف الرئاسي، قد يتظهّر مع نهاية الشهر الجاري. علماً انّ «القوات» ما زالت حتى الآن على موقفها من تبنّي ترشيح النائب ميشال معوّض والتصويت له في الجلسات الانتخابية التي سيعقدها مجلس النواب في هذا السياق.
خارج الصحن الرئاسي
وقالت مصادر سياسية لـ»الجمهورية»، انّ المسار المؤدي إلى التوافق على انتخاب رئيس للجمهورية يوجب جلوس الاطراف جميعها على طاولة التفاهم، وليس عبر مسارات اخرى، مثل طروحات أحادية الجانب من قِبل اطراف تقف على خصومة تامة مع كل المكونات السياسية، وتسعى في الوقت نفسه إلى تقديم نفسها على انّها الرقم الصعب في المعادلة الرئاسية، والممسكة وحدها بزمام الملف الرئاسي، وتعتبر انّ طروحاتها وترشيحاتها الممر الالزامي إلى انتخاب رئيس جديد للجمهورية، فيما هي في جوهرها محاولة متجدّدة لقطع الطريق امام بعض المرشحين. وبالتالي فإنّ مبادرة هذه الاطراف إلى ترشيح اي شخصية لرئاسة الجمهورية، اياً كانت هذه الشخصية ومهما كانت مواصفات هذه الشخصية، فلا يمكن إدخالها ابداً الى مدار التوافق.
ولفتت المصادر، الى انّ «التوافق الصادق والمسؤول هو جوهر الصحن الرئاسي، وبالتالي كل ما يجري هو خارج هذا الصحن، هناك من يتسلّى ويضيّع الوقت بطروحات لا تفك عِقَد التعطيل، بل تزيد الملف الرئاسي تعقيداً، وخصوصاً انّ اطراف هذه الطروحات رافضة او عاجزة عن صياغة التوافق المنشود. وتبعاً لذلك، فإنّ مشهد التعطيل المستمر منذ ما يزيد على الشهرين سيتكرّر لمديات طويلة».
في هذا السياق، يبرز توقّع عضو تكتل «لبنان القوي» النائب سليم عون، أن يخرج اجتماع الهيئة السياسية لـ»التيار الوطني الحر» اليوم بإسم أو سلة أسماء أو ربما بطرح جديد بالنسبة للانتخابات الرئاسية. وقال: «انّ الهدف ليس طرح إسم لتعقيد الأمور أكثر، لأنّ العملية دقيقة وحساسة».
العين على باريس
في هذه الاجواء المسدودة داخلياً، اكّدت مصادر مسؤولة لـ»الجمهورية»، انّ أفق التوافق الداخلي، وتبعاً لمواقف الاطراف، مقفل بالكامل، وليس في الأجواء ما يوحي بحصول اختراقات او مفاجآت توجّه البوصلة الرئاسية نحو الحسم القريب والتوافق على رئيس».
ولفتت المصادر، الى انّ جمود الصورة الرئاسية، يبدو انّه حتى الآن اقوى من كل محاولات تحريكها وإخراجها من مربّع التعطيل، ولكن قد تبرز معطيات جديدة تكسر هذا الجمود وتحرّك الملف الرئاسي في اتجاه الايجابيات. ومن هنا تبقى العين على باريس وما سيؤسس له الاجتماع الثلاثي الفرنسي- الاميركي- السعودي حول لبنان.
الّا انّ مرجعاً سياسياً أبلغ الى «الجمهورية» قوله رداً على سؤال حول الاجتماع المذكور: «اننا نسمع كلاماً شبه جدّي عن تحضير لاجتماع ثلاثي في باريس الاسبوع المقبل، ولا نملك اكثر من ذلك. وفي اي حال، لا أريد ان أستبق نتائج الاجتماع إن عُقد، ولكن اي حراك خارجي، سواء أخذ شكل اجتماعات او مشاورات او مبادرات مباشرة تجاه لبنان، لا يمكن ان يُكتب له النجاح طالما انّ إرادة التوافق على رئيس الجمهورية غير متوفرة حتى الآن في لبنان.
ميقاتي
إلى ذلك، أكّد رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، أنّ «لبنان سيبقى متماسكاً وشامخاً وصامداً ولن ينهزّ ولن يرضخ لأيّ أحد»، مشدّداً على أنّ السلامة في هذا الوطن تكون بتعاون الجميع من أجل العمل على إنقاذه».
وقال ميقاتي خلال افتتاح مبنى الإدارة العامة لشركة طيران الشرق الأوسط، في مطار رفيق الحريري الدولي، امس: «بين أجنحة الأرز والأرز تاريخ واحد، فالارزة الشامخة لا يمكن ان تنحني لأحد، وستبقى صامدة رغم كل العواصف. وكما الأرزة رمز الوطن، هكذا الوطن سيبقى متماسكاً وشامخاً وصامداً ولن ينال منه أحد».
وقال: «يجب أن نكون يداً متماسكة لإنقاذ وطننا والحفاظ عليه، والسلامة تكون بتعاوننا جميعاً لأن نقوم بما يجب القيام به لإنقاذ لبنان».
«أمل» لرئيس يجمع
واعتبرت حركة «امل» في بيان لمكتبها السياسي «أنّ العنوان الأساس يبقى إجراء إنتخاب رئيس جديد للجمهورية من منطلق معادلة وطنية داخلية مبنية على الاتفاق على رئيس يجمع ولا يفرّق ويحلّ الأزمة بدلاً من إدارتها، وأي مسعى خارجي يفترض أن يدعم ويسهم في تحقيقه».
وشدّدت على ضرورة تحمُّل حكومة تصريف الأعمال مسؤولياتها كاملة، خصوصاً في الملفات المُلحّة والضاغطة اجتماعياً واقتصادياً وخدماتياً على كاهل المواطنين جميعهم، بعد أن استفحلت الأزمات وتجاوزت مرحلة الانهيار إلى تفكّك المؤسسات وحالة الجمود والهريان التي تضرب فيها، ما دفع الكثيرين إلى البحث عن حياة كريمة ولو عبر الهجرة غير الشرعية في مراكب الموت».
واكّدت انّ «القضايا المُلحّة للبنانيين خصوصاً في موضوع الكهرباء والعناوين الحياتية اليومية للمواطن تتجاوز «النكد السياسي»، والمناكفات التي يحاول بعض الأطراف ممارستها ضمن عناوين لم تعد تنطلي على أحد، وهي خارج اهتمام المواطنين». ودعت الكتل النيابية على اختلاف مشاربها إلى القيام بدورها التشريعي دون التنصّل من مسؤولياتها عبر إقرار القوانين، لا سيما منها التي تحفظ حقوق المودعين ومصالحهم قبل أي اعتبار آخ
الجمهورية