مجلة وفاء wafaamagazine
كتبت صحيفة النهار
تصاعدت على نحو واسع وحادّ الحملة المعارضة ضد انعقاد الجلسة التشريعية لمجلس النواب بما يضع هذا التطوّر في واجهة المشهد الداخلي في انتظار المجريات التي سيؤدي اليها في مطلع الأسبوع المقبل. ولم يكن تطوّراً عادياً أن يوقّع 46 نائباً من الكتل النيابية المعارضة والنواب المستقلين بياناً مشتركاً يعلنون فيه رفضهم المشاركة في أي جلسة تشريعية وينكرون شرعية هكذا جلسات وسط حقبة الفراغ الرئاسي اذ أنّ هذا الموقف الجماعي، ومهما آل إليه مصير الجلسة التي يعتزم رئيس مجلس النواب نبيه بري توجيه الدعوة إلى عقدها الأسبوع المقبل، فإنّها لم تمر مروراً عادياً أو سهلاً هذا إذا لم تنجح الحملة المعارضة الرافضة للجلسة في الحؤول دون عقدها.
ونظراً إلى الطابع الدستوري والسياسي والميثاقي المتداخل حيال هذه الجلسة، فإنّ بيان النواب الـ46 الذي صدر عصر أمس رافضاً الاعتراف بدستورية الجلسة وقانونيتها قد أطلق مناخا من الصعب على رئاسة المجلس والكتل الداعمة لانعقاد الجلسة تجاوزه وعدم احتساب عواقب وتداعيات القفز فوقه. ولعلّ أكثر الكتل التي ستغدو في موقع الاحراج والحشر هي كتلة “التيار الوطني الحر” التي إن ذهبت بعيداً في تغطية الجلسة والمشاركة فيها ستواجه الاتهامات الكثيفة بكونها حصان طروادة وبكونها تمارس سياسة الازدواجية الفاقعة بين رفضها انعقاد جلسات مجلس الوزراء لحكومة تصريف الأعمال في ظل الفراغ الرئاسي فيما توافق وتشارك في جلسات تشريعية لمجلس النواب بعد إبرام صفقات سياسية من خلال جدول أعمال الجلسة. وستكتسب الأيام الثلاثة المقبلة طابعا حاسماً في تقرير مصير الجلسة كما في فرز المواقف السياسية والنيابية الحاسمة منها.
أما بيان النواب الـ46 فوقّعه كلّ من النواب ملحم خلف، نجاة صليبا، بولا يعقوبيان، ميشال الدويهي، فراس حمدان، ابراهيم منيمنة، ياسين ياسين، الياس جراده، حليمه القعقور، وضاح الصادق، مارك ضو، شربل مسعد، سامي الجميل، نديم الجميل، الياس حنكش، سليم الصايغ، ميشال معوض، فؤاد مخزومي، أشرف ريفي، أديب عبد المسيح، نعمة افرام، جميل عبود، غسان سكاف، إيهاب مطر، جورج عدوان، ستريدا جعجع، غسان حاصباني، جورج عقيص، فادي كرم، سعيد الاسمر، نزيه متى، كميل شمعون، غياث يزبك، رازي الحاج، ملحم الرياشي، شوقي دكاش، انطوان حبشي، الياس اسطفان، بيار بو عاصي، زياد حواط، ايلي خوري، غادة ايوب، جهاد بقرادوني، ميشال الضاهر، جان طالوزيان وعبدالرحمن البزري وأكّدوا فيه رفضهم المشاركة بأيّ جلسة تشريعية قبل انتخاب رئيس للجمهورية.
وأشار النواب الـ46 إلى “الحرص على السلطة التشريعية -التي نمثل جزءاً منها- لا سيما أنّها أضحت السلطة الشرعية الوحيدة، بعد الخلل الذي أصاب السلطتين التنفيذية والقضائية، ممّا يُرتب عليها مسؤولياتٍ جمّة وموجبات، على رأسها إعادة تكوين السلطة بما يصون أحكام الدستور بدءًا من إنتخاب رئيس الجمهورية وما يليها من انتظام للمؤسسات الدستورية”. وأكّدوا “التزامهم المطلق بالمواد 49 و74 و75 من الدستور، التي تنص صراحةً على أنّه عند خلو سدة الرئاسة يضحى المجلس النيابي هيئة انتخابية ملتئمة بشكلٍ دائم، منعقدة وقائمة حكماً وبحكم القانون، حصراً من أجل انتخاب رئيس للجمهورية”. وثمّنوا “جميع المبادرات الآيلة الى التطبيق الحرفي للمواد المشار اليها من الدستور لا سيما مبادرة الزميلين ملحم خلف ونجاة صليبا المتواجدين بصورة متواصلة في المجلس النيابي منذ 24 يوماً تحقيقاً لتلك الغاية”. واشار البيان إلى أنّ “المادة 75 من الدستور، الآتية بعد المادة 74 منه، تنص بوضوح على أنّ المجلس النيابي، في ظل شغور سدة الرئاسة، هو (هيئة انتخابية لا هيئة اشتراعية)، وبالتالي يُمنع على المجلس النيابي التشريع، قبل انتخاب رئيس للجمهورية. فهذا النص الدستوري الخاص والصريح لا يسمح بأيّ توسع في تفسيره، وإنّ هذا المنع هو مُطلق ولا يحتمل أيّ استثناء ولا تمييز بين ما هو (تشريع الضرورة وتشريع غير الضرورة)، إذ لا أولوية تعلو فوق أولوية انتخاب رئيس للجمهورية، بل الموجب الدستوري المتوجب على النواب يحصر مهمتهم فقط وحصراً بهذا الإستحقاق الى حين إتمامه. علاوةً على ذلك، فإنّ المادة 57 من الدستور، تعطي رئيس الجمهورية حق طلب مراجعة القانون من المجلس النيابي، وبالتالي فإن التشريع بغياب الرئيس، يفقد حلقة أساسية في آلية التشريع، وينسف مبدأ فصل السلطات والتعاون بينها المكرّس في دستورنا، ويُعدّ تعدٍّ من سلطة على سلطة أُخرى”.
وأضاف: “إنّ تسيير أمور المواطنين وتفعيل عمل المؤسسات الدستورية لا يكون من خلال إطالة مدة الفراغ في رئاسة الجمهورية أو التطبيع معه ومحاولة تنظيمه بآليات ووسائل غير دستورية، بل بانتخاب رئيس للجمهورية فوراً؛ فالإمعان في عقد جلسات لحكومة مستقيلة والتوجه لعقد جلسات تشريعية لمجلس النواب، في ظل غياب رئيس للجمهورية، يكرس واقعاً مخالفاً للدستور ويُظهِّر إمكانية لإدارة الدولة من دون حاجة لرئيس الدولة، الأمر الذي يمسّ بروح إتفاق الطائف وأُسس نظامنا الديموقراطي. ان مخاطر شغور سدة رئاسة الجمهورية، في ظلّ هذا الإنهيار الدراماتيكي القاتل للوضع الاقتصادي والاجتماعي والإنساني، تُهدد بسقوط الدولة اللبنانية ومعها الوطن! والناس تنتظرنا، وتنتظر منا أنْ ننتخب رئيسٍا إنقاذيا إطلاقاً لقطار الإنقاذ، والتاريخ ينتظر منا هذا الحدث الإستثنائي، ونريد أنْ نكون على قدر المسؤوليات الجسام التي نتحملها، وعلى قدر الأمانة التي نحملها، وعلى قدر آمال الناس التي انتخبتنا”.
وختم: “لكلّ هذه الأسباب المبينة أعلاه، فإنّ عقد جلسة تشريعية، أيّاً يكن سببها، هي مخالَفة للدستور وبمثابة ضربة قاتلة لأساسات النظام اللبناني. وأيّ جلسة، بهذا الصدد، لا تستقيم وهي بحكم المنعدمة الوجود والباطلة، ولا يمكن أنْ تنتج عنها أيّ مفاعيل؛ وهذا يُرتِّب موجباً دستورياً على النواب بعدم المشاركة بأيّ “جلسة” من هذا النوع وعدم الاعتراف بها، وأيّ مشاركة من قبلهم أو اعتراف منهم بها يُعَدّ انتهاكاً صارخاً لأحكام الدستور؛ لذلك، إنّنا لن نشارك بأيّ جلسة تشريعية قبل انتخاب رئيس الدولة، ولن نعترف بأي من قوانينها وسنمارس تجاهها أي حقّ يمنحه إيّانا الدستور للطعن بها”.
في موازاة، ذلك تصاعدت السجالات الحادة بين “القوات اللبنانية ” و”التيار الوطني الحر” حول هذا الملف وردت الدائرة الإعلامية في حزب “القوات” على بيان ل”التيار” فاعتبرت أن “من أوجه الوقاحة أن يتشدّق التيار الوطني الحر بشمّاعته المعهودة ألا وهي الحرص على موقع الرئاسة، وأن يجاهر بتذكير اللبنانيين بسنوات العهد المشؤوم الذي بلى الدولة والشعب بجحيم غير معهود”.وأشارت إلى أنّ “آخر مَن يحقّ له ادّعاء الحرص على الرئاسة، هو الذي يوم ائتُمِنَ عليها، سلّمها عن سابق تصوّر وتصميم، وبعد تفاهم اذعان يُبادل السلطة بالسيادة، إلى الفريق المسلّح، الذي قبض على قرار الدولة والرئاسة ضُمنًا”.وقالت، إنّ “آخر مَن يحقّ له ادّعاء الحرص على الرئاسة، هو الذي قبل طواعيّةً بأن يتحوّل رئيس الجمهورية في عهده إلى أداة ممانِعة تسهر على ضرب علاقات لبنان العربية والدولية وتُجاهر بنسف كلّ أسس الاستقرار خدمةً لمآرب الحليف وتنفيذًا لمطامع أهل البِلاط”.وأضافت، “ان مقارنة الزمن المأسوي الحالي الذي خلّفه عهد التيار وحكم الممانعة بفترة الشغور الرئاسي ما بين عاميّ 2014 و2016 لمحاولة تبرير قرار الممانعة بالانقضاض على رئاسة الجمهورية والجمهورية، لهي محاولة مُعيبة ورخيصة، وكأنّ ما حلّ اليوم بالشعب اللبناني لا يُوازي شيئًا في ضمير تيّارٍ ومحورٍ لا ضمير لهما”.ولفتت إلى أن “إن كان من ضرورات تشريعية استثنائية في السابق حتّمت الذهاب إليها، فلأنّها كانت قادرة على تدعيم المسار الانقاذي، وسط تعطيل ممنهج للانتخابات الرئاسية مارسته الممانعة على مدى عامين ونصف العام على قاعدة إما العماد ميشال عون رئيسا وإما الفراغ. أمّا اليوم، فأيّ تشريع هو الضروري في ظلّ انهيار غير مسبوق بتاريخ لبنان؟ وهل المطلوب أن يُصبح تشريع الضرورة عادة لبنانية من العادات اللادستورية التي يتمّ اعتمادها عند كلّ شغور وكأنّ غياب رئيس الجمهورية هو حالة طبيعية؟”وتابعت، “فلا يصحّ ادّعاء الحرص على موقع الرئاسة في رفض انعقاد حكومة تصريف الاعمال حتّى لو توفّر بند الضرورة مقابل التفاوض على تهريب جلسة تشريعية شرط تمرير قرارات وتعيينات تحاصصية فئويّة، في غياب رأس الدولة وفي ظلّ انهيار غير مسبوق، إذ ان جلسة للضرورة القصوى تختلف عن جلسة لتعيين أفراد، وجلسة لحاجات الناس وميثاقية الطابع تختلف عن جلسة مقايضة ومحاصصة، واللافت أنه في الشغورين المسؤول هو نفسه ثنائي الحزب التيار وحلفاؤهما”.
وفي السياق، اعتبر النائب غسان سكاف، أن “المادة 75 من الدستور تنص على ان المجلس النيابي يصبح هيئة ناخبة وليس اشتراعية، ومن هنا لن نشارك في الجلسة التشريعية”، وأضاف “لا لاستغلال او تفسير كلمة التئام لتعطيل نص المادة 75 وافقادها معناها وروحيتها وغايتها”.واعتبر ان “تسيير أمور المواطنين لا يكون من خلال التطبيع مع الفراغ أو التنظيم معه من خلال وسائل غير قانونية بل من خلال الضغط على المعطلين الذين انتجوا الأزمات الدستورية”. ولفت الى البيان الذي صدر عن مجموعة كبيرة من النواب المعارضين يعلنون فيه صراحة عدم الاعتراف بأي جلسة تشريعية وقال ان “عدم حضور هؤلاء النواب يوجه رسالة قوية للمجلس ومكتبه، مفادها حذار أن تدخلوا بلعبة تدخلون اليها قوانين تحمل التباسا”.وتابع: “عنوان الجلسة التشريعية المحاصصة لذلك لن نقبل بأي جلسة تشريعية قبل انتخاب رئيس للجمهورية”، لافتا الى انه “مهما أعطى التيار من تبريرات لحضوره الجلسات التشريعية التي كان يرفضها سابقا لن يقدر ان يقنع حتى مناصريه”.وأوضح ان “الرئيس بري يتجه اليوم الى عبارات تشريع الضرورة، لكن المفارقة انه حينها بحجة الميثاقية وحجة الحفاظ على موقع الرئاسة رفض فريق انعقاد جلسة لمجلس الوزراء فما الحجة اليوم للقبول بجلسة تشريعية؟”
وبدوره، سأل النائب وضاح الصادق: “كيف يطالب تكتل لبنان القوي ورئيسه جبران باسيل بمقاطعة جلسات مجلس الوزراء حمايةً لحقوق الرئيس المسيحي وصلاحياته، ثم يضرب عرض الحائط بتلك الحقوق والصلاحيات ويقبل بجلسة تشريعية لمجلس دوره الدستوري الوحيد الآن انتخاب رئيس؟”وأضاف عبر “تويتر”: “الاسوأ ان نفس هذا التكتل يساهم بعرقلة جلسات انتخاب الرئيس”.
في المقابل، أعلن رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد أنّنا “مصممون على أن ننتخب رئيساً لكل اللبنانيين يليق بتطلعاتهم ويحرص على وحدة صفهم ويستقوي بارادتهم وعزمهم ولا ينصاع لأوامر أحد”. وقال في احتفال اقامه “حزب الله” في بلدة جباع: “لأن في هذا الوطن مقاومة، تُستهدف الدولة والمؤسسات ويمارس التحريض وإثارة الانقسامات حتى إذا ما وصلنا الى استحقاق دستوري مثل استحقاق رئاسة الجهورية لا نستطيع ان ننتخب رئيس جمهورية يليق بشعبنا وبوطنه، يريدون إنتاج رئيس جمهورية للبلاد يليق بخدمته لمصالحهم ويريدونه حارسا على ما يريدونه لبلادنا، وهنا محل الاشكال، نحن مصممون على ان ننتخب رئيسا لكل اللبنانيين يليق بتطلعاتهم ويحرص على وحدة صفهم ويستقوي بارادتهم وعزمهم ولا ينصاع لاي أوامر، لا على تلفون ولا بالزيارات، هذه المسألة دونها عوائق ودونها صعوبات، لكن اذا لم يكن ذلك فلن يستطيع الآخرون أن يأتوا بالرئيس على شاكلة الخدم والحرس لمصالح الغرب الطامع في إدارة شؤون بلدنا لحماية مصالحه الاقليمية”.وأضاف: “ليس عندنا شروط خاصة لرئيس الجمهورية، وما نطرحه يطال كل اللبنانيين الذين يجب ان يمارسوا استقلالهم الوطني في اختيار رئيسهم، تحصل اجتماعات إقليمية ودولية بمعزل عن تلك الاجتماعات وما ينتج عنها فأن انتخاب رئيس الجمهورية اللبنانية هو شأن وطني داخلي اول ما يعنى به هو اللبنانيون انفسهم، لا نرفض مساعدات من احد لكن لا نقبل مصادرة قرار اللبنانيين من أحد أيضاً”.