مجلة وفاء wafaamagazine
ينظّم المنتدى الأدبي “لقاء” سلسلة ندوات فكريّة خاصّة، حملتْ أولاها عنوان “الفكر الدينيّ بين النصّ والممارسة”، وأقيمت في دار الإفتاء الجعفريّ في جبيل. قدّمت الندوة الدكتورة زينة زغيب، وحاضر فيها الدكتور عماد يونس فغالي رئيس “لقاء”، والخوري الأستاذ الدكتور باسم الراعي، والشيخ محمّد حيدر أحمد معاون مفتي بلاد جبيل وكسروان.
حضر الندوة نخبة من المفكّرين والأكاديميّين والأدباء والإعلاميّين الذين شاركوا في حوارٍ تفاعليّ راقٍ حول الموضوع المتناول.
الدكتورة زينة زغيب
بعد الترحيب افتتحت د. زغيب الندوة بالقول “… يظنُّ البعض أنّ الفكرَ والدّينَ لا يلتقيانِ أبدًا، لا بل يُحرّمُ التساؤلاتِ أو الجدالاتِ، ويربطُ الأمرَ بأنّه مساسٌ بالدّين أو كُفرٌ أو تضليلٌ للحقيقة”، وأضافت “أما ميّزنا الله عن سائر المخلوقات بأنّنا عُقلاء؟ فلمَ لا نُسخّرُ هذا العقلَ في شتّى المجالات حتّى في الدين؟! الناس أجناس”. وقاربت كيفية قراءة البعض للنصوص الدينية فـ “منهم من يقرأُ النّصوصَ الدينيّةَ قراءةً تعيينيّةً ويحفظُ التعاليمَ ويُطبّقُها بحذافيرها، وصولاً إلى حدِّ التعصّبِ. ومنهم من يلجأُ إلى القراءة التضمينيّة التّحليليّة ويعمّقُ التأويلَ ويصلُ به الأمرُ أحيانًا إلى الضّياع. هذا لأنّ النصّ يحيا مع القارئ، والتعامل مع المكتوب تحدّده ثقافةُ المتلقّي ووعيُهُ وخلفيّتُهُ ومُستواهُ الفكريُّ.”
الدكتور عماد يونس فغالي
في مداخلته، تساءل مؤسّس “لقاء” ورئيسه “هل الدينُ يفكَّر أم لا؟” مشيرًا “إنْ نقلْ بمصطلح “الفكر الدينيّ”، نرُحْ إلى قبولٍ بالدينِ يفكَّر. وإنْ نعُدْ إلى اعتبار الدين علاقةً تصاعديّة من الإنسان إلى الإله في فعلِ عبادة، نُلزَمْ بمنظومة حُسن العبادة وجودتها. ونذهبُ إلى أبعد، إلى تحسين الأداء الممارساتيّ في العبادة على الصعيدين المسلكيّ والطقوسيّ. وهذا يتطلّب فكرًا وجهدًا تفكيريّا”.
وأضاف “مسلّمةٌ واحدة تشملُ كلَّ شيء. الله خلق الإنسان وأحبّه، ويريد له الخيرَ فقط. أيّ نصٍّ يُفهَم هكذا، ويطبَّق على هذا الاعتبار، مقبولٌ من الجميع. وإذا أراد عالِمٌ تفسيرَ نصٍّ أنّ اللهَ يُحذّر من عاقبة، لا ينصّبنّ العالِمُ هذا نفسَه المعاقِب. “ليدع الله يفعل”. ولفت د. فغالي إلى أنّه “أمَا علينا اعتبار الله يقبلنا كما نحن، في ضعفاتنا وحتى في ابتعاداتنا عنه؟ أما علينا الابتعاد عن تنصيب ذواتِنا حكّامًا قساةً باسم الله والكتاب في حقّ أخينا الإنسان، الطرف الثابت في الدين؟” واختتم كلمته بالقول “فإذا اعتبرنا اللهَ مَن وضع الدين، فعلَ لأجل الإنسان، بفعلِ محبّته له. هلاّ أحببنا أخانا الإنسان، فنشبه الله؟”.
الخوري الأستاذ الدكتور باسم الراعي
اختصر أ. د. باسم الراعي إشكاليّة العنوان لتُصبح “إلى أي مدى يكون الفكر الديني أمينًا للنص حتى ينقل مقاصد النص في الممارسة؟” وقال “هنا يصير السؤال على الشكل الآتي: “كيف تقرأ تمارس؟”. وأضاف “إذا أردت أن أكون دقيقًا أكثر أصوغ السؤال على الشكل التالي: “كيف تقرأ تعمل؟” هكذا تبدو العلاقة تبادلية بين القراءة والفعل. تعني القراءة هنا كيف أفسّر لأعمل وكيف أعمل لأفسر. بهذا يأتي الفكر الديني تعبيرًا عن هذه العلاقة”.
وبيّن الخوري الراعي أنّ “التفسير يستدعي الفعل والفعل يستدعي التفسير. كلاهما يحكمان على تطابق الفكر الديني الذي يقف بين النص والممارسة مع مقاصد النص الحقيقية. هذه العلاقة تظهر أيضًا مدى تحرّر الفكر الديني من عملية استغلال النص، حتى يبقى النص هو الأفق الذي يحكم هذا الفكر، وبالتالي تأتي القراءة صائبة والفعل مطابقًا لها”.
الشيخ محمّد حيدر أحمد
المداخلة الأخيرة كانت لمعاون مفتي بلاد جبيل وكسروان الذي اعتبرَ أنْ “عندما يقدّم المفسّرون الأوائل الذين باسم السماء فسّروا، كالسيّد المسيح والنبيّ الأكرم، تفسيرهم موجبٌ ولا مردَّ له. لكن حين يتحوّل النصّ إلى مجرّد سجين عند هؤلاء الذين يحكمون قبضتهم على نواصي الكلمات والحروف، ويقدّمون لنا الأفكار مسمومةً جانحةً نحو الشرّ، لا يمكننا أن نقبل بذلك ونثور، كما ثار السيّد المسيح وكما ثار محمّد أو عليّ والحسين، وأيّ فاضلٍ في هذا التاريخ المجيد. وتساءل: “هل ينبغي أن يكون كلّنا بلونٍ واحد؟ وأن نكونَ بعبقِ عطرٍ واحد؟ أم أنّ عطورَنا المختلفة تبعث في ما بيننا جمالاً؟ وتؤكّد على الرونق الأثيل الذي أراده الله لخلقه”. وختم مداخلته بالقول “لتكن المحبّة ممارسة حقيقيّة في ما بيننا، ولقاءً دائمًا في ما بيننا”.
بعد المداخلات، فُتح باب النقاش والحوار، فأدلى الحاضرون بآرائهم ووجهات نظرهم، طارحين بعض التساؤلات التي أجاب عنها المحاضرون.
وختمت د. زينة زغيب الندوة بالقول “نحن نولد مسيّرين في انتقاء ديننا ولكنّنا في حياتنا مخيّرين في عدّة أمورٍ، فأن نؤمن أو لا، نحن أحرارٌ، ولكن ألاّ نفكرّ، فهذا طرحٌ لا يجدر أن يكون نافذًا”.