الرئيسية / آخر الأخبار / هل انتهت أزمة الغاز؟

هل انتهت أزمة الغاز؟

مجل وفاء wafaamagazine

ذكر موقع “سكاي نيوز”، أنّ الحظ حالف أوروبا العام الماضي بعد أن حصّنت عدة عوامل متزامنة دول القارة العجوز من تبعات شديدة الخطورة بعد انخفاض واردات الغاز الروسي عقب الحرب في أوكرانيا. لكنّ محللين يحذّرون في الوقت نفسه من مغبة الإفراط في التفاؤل حالياً حتى مع وجود مخزونات غاز مرتفعة الآن مقارنة بمتوسط السنوات الماضية.

تأتي تلك التحذيرات من منطلق ما يحمله الرهان على استمرار العوامل الإيجابية التي شهدها العام الماضي من مخاطرة كبيرة.

وبلغت أسعار الغاز الأوروبية ذروتها العام الماضي مُتخطية نحو 362 دولاراً/ ميغاوات ساعة.
وتبلغ الأسعار حالياً أدنى مستوى لها منذ صيف العام 2021.

ورغم انخفاض أسعار الغاز على ذلك النحو إلا أنها لا تزال تشكل “ضعف المتوسط التاريخي لها”.

والسؤال الذي يطرح نفسه حاليا: “هل سوف تستمر مستويات الأسعار الحالية؟”
ارتفاع الأسعار في النصف الثاني

رغم تراجع الطلب حالياً، تشير تقديرات عديد من المحللين إلى ارتفاع محتمل بأسعار الغاز في أوروبا بدءًا من النصف الثاني من العام الجاري، مدفوعاً بالارتفاع التدريجي لمعدلات الاستهلاك، فضلاً عن عودة الطلب الصيني للأسواق.

وطبقاً لبيانات مؤشر “تي تي إف” الهولندي، تبلغ أسعار الغاز حوالي 36 دولاراً / ميغاوات ساعة، في تراجع حاد عن المستويات غير المسبوقة التي سجلها العام الماضي.

يرجع ذلك التراجع إلى مخزونات الغاز التي هي في أعلى مستوياتها حالياً بعد انتهاء موسم التدفئة في أوروبا، بالإضافة إلى تراجع الطلب. لكن محللي بنك “غولدمان ساكس” يقولون إن الأسعار قد تصل إلى 109.7 دولار في النصف الثاني.

الحظ والمجازفة

الكاتب المتخصص بمجال الطاقة والسلع في بلومبيرغ، غافير بلاس، يقول في مقال له نُشر حديثاً إن الأسعار ربما تستمر على هذا المستوى “في الفترة الحالية فقط”، وذلك في معرض تحذيره من إفراط أوروبا في التفاؤل والنظرة المستقبلية الإيجابية بخصوص أسعار الغاز ومستويات التخزين الحالية.

استهل الكاتب مقاله بالإشارة إلى تصريحات المفوضة الأوروبية لشؤون الطاقة، كادري سيمسون، الأسبوع الماضي، والتي تحدثت بشيء من التفاؤل لدى إشارتها إلى خروج أوروبا من فصل الشتاء الماضي بمخزونات “نصف ممتلئة” مع نظرة إيجابية للمستقبل.

هذا التفاؤل في تقدير بلاس يعتمد على عاملي الحظ والمجازفة، بعد أن ساهمت مجموعة من العوامل في ذلك، وأهمها:

  • درجات الحرارة المعتدلة نسبياً والتي أسهمت في الحد من الاستهلاك بصورة كبيرة خلال فصل الشتاء.
  • سياسة صفر كوفيد في الصين العام الماضي، وبالتالي تراجع الطلب الصيني، الأمر الذي ساعد على تمكن دول القارة العجوز من استيراد كميات كبيرة من الغاز الطبيعي المسال حتى وصلت حد الأمان في مخزوناتها السنوية قبيل موسم الشتاء.
  • خلال موسم الشتاء الماضي شكّل الغاز الطبيعي المسال ثُلثي واردات أوروبا طبقاً لوكالة الطاقة الدولية.
  • نحو 50 بالمئة من هذه الواردات كانت شحنات من المفترض أن تذهب للصين التي لم تكن بحاجة إليها في ظل سياسة صفر كوفيد التي اتبعتها بكين.

لكن بينما انخفض مخزون أوروبا من الغاز الطبيعي إلى ما نسبته 55 بالمئة “فقط” بنهاية موسم التدفئة الأخيرة، وهي معدلات مرتفعة عن متوسط السنوات العشر الماضية والتي تبلغ في حدود 33 بالمئة، يشير الكاتب في الوقت نفسه إلى أن تلك المعدلات كانت لها ثمن آخر، يبرز في انكماش القطاع الصناعي الذي يعتمد أساساً على استهلاك معدلات كثيفة من الطاقة.

وبالتالي فإن “أزمة الغاز لم تنته” طبقاً لما يؤكده عديد من العاملين بالقطاع الصناعي في القارة، تبعاً لذلك.

تحوط أوروبي

وتماشياً مع ما ذهب إليه كاتب المقال بشأن أنه ليس بالضرورة أن يحالف الحظ أوروبا في سوق الغاز كل مرة، وأنه ليس بالضرورة توافر العوامل نفسها التي ساعدت القارة العجوز على بلوغ المستويات الحالية، تشير الأكاديمية المتخصصة في الشؤون الأوروبية، الأستاذة المساعدة في جامعة نيوهامبشير، إليزابيث كارتر، إلى أنه يُمكن القول إن أوروبا لا تراهن إنما “تأمل” في الأفضل، لكنها في الوقت نفسه عليها الاستعداد للأسوأ.

وتتيح مخزونات الغاز بمستوياتها الحالية “سهولة” الوصول إلى سعة 90 بالمئة قبل الشتاء المقبل في موسم التخزين الحالي الذي ينتهي في تشرين الاول المقبل.

وأوروبا بحاجة إلى إضافة 35 مليار متر مكعب من الغاز للمخزون الحالي بما يشكل كمية أقل من متوسط العقد الماضي، والذي كان في حدود 55 مليار متر مكعب.
خلال العام الماضي، بلغت مشتريات دول القارة 70 مليار متر مكعب بغرض التخزين، وهو ما كان له انعكاسات على ارتفاع الأسعار.
وتلفت الأكاديمية المتخصصة في الشؤون الأوروبية، إلى أن استراتيجية أوروبا سوف تستمر في التخطيط ليس فقط لظروف جيدة، وإنما تحسباً للظروف الأسوأ بما في ذلك إمكانية أن يكون الشتاء المقبل شتاءً قاسياً بالتالي عدم تكرار بعض العوامل التي ساعدتها العام الماضي.

وتوضح أنه “إذا اعتمدت الدول الأوروبية في استعداداتها على الوضع الراهن من حيث مستوى أسعار الطاقة، فإنهم يعرضون أنفسهم للخطر.. وأوروبا بشكل عام تتجنب المخاطرة”.

ثلاثة أضعاف السعر الحالي

يشترك عديد من المحللين في تبني تلك التحذيرات المرتبطة بضرورة عدم التعويل على استمرار الوضع الراهن لمدى أطول، وهو ما أكده “غولدمان ساكس” أخيراً، والذي تشير تقديراته إلى ارتفاع محتمل بأسعار الغاز في القارة العجوز خلال النصف الثاني من العام الجاري، بنسبة تصل إلى ثلاثة أضعاف المستويات الحالية.

بنى غولدمان ساكس تقديراته بناء على توقعات انتعاش الطلب على الغاز في الفترات المقبلة، لا سيما في ضوء انخفاض الأسعار حالياً وزيادة الإقبال عليه من قبل الأسر.

وكان الرئيس التنفيذي لشركة “شل”، وائل صوان، قد حذر في وقت سابق أيضاً، من أن الوضع الحالي بخصوص الطلب على الغاز والأسعار قد يكون قصيراً، لا سيما مع بدء زيادة استهلاك الصين التي لا تزال لا تشتري بكميات كبيرة بعد.

وقبيل أيام، أطلق الاتحاد الأوروبي، أول مناقصة دولية لشراء الغاز بشكل جماعي، تغطي الطلب الإجمالي لنحو 80 شركة أوروبية، من أجل الحصول على أسعار أفضل لتجديد المخزون قبل شتاء 2023-2024.

وتعد هذه الآلية جزءاً من إجراءات اتخذتها الدول السبع والعشرون العام الماضي للاستجابة لأزمة الطاقة الناجمة عن ارتفاع أسعار الغاز بعد الحرب الروسية الأوكرانية، وانخفاض إمدادات الغاز الروسي بشكل كبير.

خيارات محدودة

في السياق، يقول الكاتب البريطاني المتخصص في أسواق الطاقة، باتريك هيرين، إن “أوروبا ليست لديها خيارات كثيرة؛ فهي عليها أن تراهن على توافر الغاز الطبيعي المسال الجيد (مع الاعتماد على فرضية أن الصين واليابان وكوريا الجنوبية التي لا يزيدون وارداتهم).. على أوروبا كذلك أن تأمل ألا يكون الشتاء شديد البرودة، وبالتالي صمود المخزون الحالي”.

ويلفت إلى أن “مستويات التخزين الأوروبية مرتفعة الآن، ويبدو على الورق نظرياً أنه سيكون هناك الكثير لتلبية الطلب في الطقس البارد، ولكن إذا كان هناك طقس بارد بالفعل فسيتم تصريف الغاز المخزن بسرعة”.

ويعتقد هيرين بأن مستوى التخزين المرتفع يخفي الافتقار إلى أشكال أخرى من الإمداد المرن”، مشيراً إلى أنه “قبل 20 عاماً كان هناك حقل خرونينجن الهولندي الذي كان قادراً على زيادة الإنتاج لتلبية الطلب عند الحاجة، كما لا يزال لدى المملكة المتحدة الكثير من الحقول في بحر الشمال، لكن كل هذه الفرص قد ولت، وصار الاعتماد على الإمدادات الواردة من النرويج أو من المنتجين المحليين، وهي إمدادات ثابتة وغير مرنة”.

ويختتم الكاتب البريطاني المتخصص في أسواق الطاقة، حديثه قائلاً: “إن الغاز الطبيعي المسال أمر حيوي للغاية في تلبية الطلب خلال الطقس البارد.. وإذا كان الجو بارداً أيضاً في آسيا في الشتاء المقبل، فستكون هناك منافسة وأسعار أعلى”.

(سكاي نيوز)