مجلة وفاء wafaamagazine
كتبت صحيفة “النهار”:
ينهي الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان اليوم زيارته الرابعة للبنان بعدما كلف بملف الازمة الرئاسية اللبنانية وسط مفارقة لافتة تتمثل في ان هذه الازمة تراجعت في مراتب الأولويات التي شهدتها لقاءات لودريان مع المسؤولين الرسميين والقيادات السياسية لتتقدم عليها مسألة التمديد لقائد الجيش العماد جوزف عون وأخطار المواجهات التي جرت على الحدود الجنوبية للبنان مع إسرائيل. وهي مفارقة تشكل في ذاتها ذروة دلالات وخلاصات هذه الزيارة، من زاوية تقويم داخلي لبناني قبل معرفة كيف سيكون عليه التقويم الفرنسي لنتائج جولة لودريان التي سبقتها زيارته للرياض وماذا ستقرر باريس على اثر عودة موفدها من بيروت. وتصاعد التركيز على ملف قيادة الجيش بات يشكل قلقا كبيرا لدى أوساط معنية تتخوف من المعطيات التي دفعت دولا عدة معنية بالملف اللبناني الى تقديمه كاولوية ضاغطة لا تحتمل تاجيلا وكأنها تتوجس من مخطط يجري تنفيذه عمدا لاصابة المؤسسة العسكرية، اخر المؤسسات التي تحمي الاستقرار في لبنان، بعطب خطير في رأسها وقيادتها بما يؤدي الى شل فاعليتها.
اما حصيلة اليوم الثاني من لقاءات لودريان، فلم تختلف بطبيعة الحال عن اليوم الأول لجهة تكرار العناوين الثلاثة الأساسية التي اثارها مع القيادات السياسية والكتل والنواب والمتعلقة تحديدا بالازمة الرئاسية والوضع في الجنوب والتمديد لقائد الجيش. بدا واضحا ان الدفع الفرنسي تضاعف من اجل إعادة الوضع في الجنوب الى مندرجات القرار 1701 وسط تصاعد نبرة لودريان من الاخطار المحدقة بلبنان في حال انزلاقه الى حرب ولو انه لم يأت ابدا على ذكر أي تعديلات للقرار 1701 خلافا لما تردد. ولكنه كان جازما في تحذيراته بقوله “لا تلعبوا بالنار لان بلدكم قابل للانكسار والتحطم بسرعة قياسية”. وفي الملف الرئاسي لم يسمع أي ممن التقوه أي تلميح لاي اسم او مرشح بل إشارات واضحة إلى تغليب الخيار الثالث وضرورة الحوار للانتخاب وفق أوسع توافق ممكن.
سجال ساخن
واما النقطة المثيرة للاهتمام فتمثلت في موضوع التمديد لقائد الجيش الذي كما فاجأ لودريان في يومه الأول البعض في إيلائه التمديد الذي تؤيده باريس أولوية تسبب البارحة بصدام حاد بين الموفد الفرنسي والمعارض الأساسي للتمديد والذي يشن معركة كسر عظم مع العماد جوزف عون أي رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل. الخلاف الحاد بين لودريان وباسيل اثار سجالا ساخنا تسبب باقتصار لقائهما على دقائق قليلة فقط ليرخي ذيولا على تداعيات هذا السجال لاحقا.
ذلك ان لودريان استهل يومه الثاني من اللقاءات بزيارة حارة حريك حيث التقى يرافقه السفير الفرنسي هيرفي ماغرو رئيسَ “كتلة الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد في مقر الكتلةK ثم توجه بعدها الى ميرنا الشالوحي حيث التقى النائب جبران باسيل وغادر بعد فترة قصيرة. وفي معلومات “النهار” ان باسيل الذي خاض في حوار ساخن مع لودريان بعدما تحدث الأخير مباشرة عن ضرورة التمديد لقائد الجيش فحاول باسيل احراجه بسؤال كرره اكثر من مرة : “كيف تقولون لنا وتدعوننا كل يوم الى احترام الدستور والقوانين وعدم القفز فوقها. وتطلبون منا خرقها اليوم عبر التمديد لقائد الجيش”.
ورد لودريان بان “بلدكم يواجه اليوم حالة طارئة لتسيير عمل الجيش. ومن الافضل لكم عدم دخولكم في اي ازمة جديدة”. وبلغ الامر بباسيل القول له “ان ما يظهر ان الوكيل بالانابة يثبت انه افضل من الأصيل ولماذا تتمسكون بجوزف عون الذي تقترب نهاية ولايته ويحال على التقاعد. يوجد عشرات الضباط من اصحاب الكفاءات والتجارب وفي امكان واحد منهم تسلم قيادة الجيش وادارة المؤسسة.”
ولاحقا اوضح المستشار السياسي لباسيل انطوان قسطنطين أنّ “الجديد الوحيد في لقاء اليوم (امس) أنّ النائب باسيل فوجئ بطلب الموفد الفرنسي التّمديد لقائد الجيش اللبناني، فكان جواب باسيل أنّ هذا الأمر مخالف للدستور والقوانين، وأنّ التّيّار لن يكسر المبادئ الّتي طالما سار على أساسها”. وقال قسطنطين “لم يحصل إشكال بل استُقبل لودريان بحسب البروتوكول الّذي تقتضيه علاقتنا مع فرنسا، وهناك فقط موقف مغاير لما طلبه وهو ليس جديدًا، بل سبق وأعلنه باسيل مرارًا”.
كذلك التقى لودريان رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل الذي أوضح أن “المشكلة ليست عند المعارضة بل عند “حزب الله” المُتمسّك بمرشحه والرافض لأي كلام حول إسم آخر، وبات مصدر التعطيل واضحاً” لافتا إلى أنه “لا يُمكن المساواة بين المُعطّل والمخوّن وبين الموافق مع التوافق والذي يحضر جلسات انتخاب الرئيس”. ودعا الجميّل “حزب الله وحلفاءه إلى التعالي عن منطق الفرض، ولا خيار سوى بمرشحين جامعين يحظيان بثقة ودعم كلّ الأطراف” وشدد على “أننا بحاجة الى مؤسسة وطنية عسكرية جامعة في تطبيق الـ1701 وتثبيت سيادة الدولة على كامل الأراضي اللبنانية”، مطالبا بـ”عدم زعزعة قيادة الجيش في هذه الفترة، ونحن غير قادرين على تعيين قائد جديد للجيش، وندعو إلى تأجيل تسريح قائد الجيش في هذه الفترة المصيريّة” .
كما التقي لودريان النائبين ميشال معوض وفؤاد مخزومي إلى غداء عمل في قصر الصنوبر في حضور السفير ماغرو ثم التقى النواب مارك ضو وميشال دويهي ووضاح الصادق وبعدهم “كتلة الاعتدال الوطني” . ونقل ضو عن لودريان “انه لم يلمس اي اصرار لدى أي طرف على مرشح رئاسي معيّن والكل منفتح على الخيار الثالث ونحن أكدنا على ضرورة الانتقال الى مرحلة الأسماء”.
قلق أميركي
اما في ما يتصل بالوضع الحدودي جنوبا فبدا لافتا امس إبراز السفارة الأميركية في بيروت قلقها مجددا من تمدد الصراع الى لبنان اذ كتبت على حسابها عبر منصة “إكس”: “لا نزال نشعر بالقلق إزاء احتمال امتداد هذا الصراع إلى ما هو أبعد. وعلى وجه الخصوص، لا تريد الولايات المتحدة رؤية صراع في لبنان، حيث سيكون للتصعيد آثار خطيرة على السلام والأمن الإقليميين، وعلى رفاهية الشعب اللبناني. إن استعادة الهدوء على طول الحدود الإسرائيلية اللبنانية أمر في غاية الأهمية”. وأضافت “يشكل التنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن رقم 1701 عنصراً رئيسياً في هذا الجهد”. وتابعت السفارة الأميركية “تلعب اليونيفيل دوراً حيوياً على طول الخط الأزرق، ونتوقع أن تعمل جميع الأطراف على ضمان سلامة قوات حفظ السلام”.
تزامن هذا الموقف مع تعرض الهدوء الذي يسود الجنوب منذ سريان الهدنة في غزة لبعض الخروقات حيث سمعت أصوات قوية في المناطق الحدودية الجنوبية وافادت المعلومات انها دوي صواريخ اعتراضية للقبة الحديدية، وافيد ان عدداً من القذائف الإسرائيليّة سقط عند أطراف بلدة رامية ورميش. وكان الجيش الإسرائيلي حذر قبل الظهر من تسلّل طائرة مسيّرة من لبنان. وذكرت إذاعة الجيش الإسرائيلي أنّ صفارات الإنذار دوّت في الجليل الأعلى. ونقلت وكالة “رويترز” عن قوة الأمم المتحدة الموقّتة في لبنان، أنّ إسرائيل ردّت على إطلاق نار من لبنان عبر الحدود. من جهته، أعلن الجيش الإسرائيلي انفجار صاروخين اعتراضيين من القبّة الحديديّة فوق أطراف بلدة رميش الحدودية. وقال “مقاتلاتنا نجحت في اعتراض تهديد جوي اجتاز الأراضي اللبنانية باتّجاه إسرائيل”. وحلقت مسيّرات إسرائيلية على علو منخفض فوق بلدات جنوبية.
وفي السياق اعتبر رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع “إن الملايين العشرة التي وعدت بها الحكومة تعويضًا للأضرار التي لحقت بالمواطنين والممتلكات في الجنوب من جراء تبادل القصف الصاروخي والمدفعي بين “حزب الله” وإسرائيل، يجب أن يدفعها الوزراء الذين صوّتوا على هذا القرار من جيوبهم، ذلك أنّ أكثرية، وأكثرية كبيرة من الشعب اللبناني لم تفوِّض أحدًا بإطلاق الصواريخ من لبنان على إسرائيل حفاظًا على دوره الإقليمي”. اضاف” إنّ ما يشهده الجنوب من تبادل للقصف ليس مساندة لغزة بتاتًا، وأكبر دليل أنّ العدوان على غزة استمر وما زال مستمرًا، وهل يمكن أن يلحق الدمار بغزة أكثر مما لحق بها؟ وبالتالي ما الدور الذي أداه إطلاق الصواريخ والقذائف من لبنان؟ الجواب : أنّ دور هذه القذائف والصواريخ هو لمجرد أن يُبقي “حزب الله” ، إيران في معادلة الصراع العربي الإسرائيلي”.