مجلة وفاء wafaamagazine
كتبت صحيفة “النهار”:
مع أن كثيرين “راهنوا” على اللمسة الشكلية “الطارئة” التي أضافها رئيس مجلس النواب نبيه بري في لقائه الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان، مستبدلاً كلمة “التحاور” بـ”التشاور” وكأنها مؤشر الى موقف تلييني مرن لـ”الثنائي الشيعي” قد يُطلق التعطيل والتعقيد من القبضة الآسرة، غير أن التوغل في التفاؤل لم يكن في محله للذهاب بعيداً في توقع إيجابيات. والواقع أن تعبير “التشاور” بدل “التحاور” بدا بمثابة تلطيف وتهذيب لشروط لم تتبدل بعد ولم تكن بحجم جوهري ليتم الحكم عليها ما دامت المعلومات التي استُجمعت عن مهمة الموفد الفرنسي في زيارته السادسة للبنان منذ تكليفه المهمة الرئاسية المستعصية لم تخالف الانطباعات التي سبقت جولته لجهة استبعاد حصول أي اختراق جدي في جدار الازمة الرئاسية.
وفق تقاطع المصادر والمعطيات عن جولة الموفد الفرنسي، فإن لودريان جال واقعياً، ومرة جديدة، بين “خنادق” القوى السياسية ليجد أن شيئاً لم يردم الهوة الضخمة التي لا تزال تفصل بين موقفي “المحور الممانع” بقيادة “الثنائي الشيعي” والقوى المعارضة والنواب التغييريين والمستقلين. وإذ لم يحمل لودريان واقعياً أي خريطة طريق جديدة فإنه إستند بقوة واضحة إلى “البيان المرجعي” للجنة السفراء الخمسة الذي صدر قبل أسبوعين واعتبره الناظم الواضح لبلوغ الانتخابات الرئاسية، وسأل كل من التقاهم عن موقفهم من التزام الآلية التي لحظها بيان “الخماسية”.
وأما الأبرز في المواقف التي عبر عنها لودريان، وفق ما ينقل عنه عدد من الذين التقوه، فهو اعتباره أن “البديل الثالث”، أي المرشح الثالث الذي لا ينتسب الى أي من الافرقاء والذين طرحوا حتى آخر جلسات مجلس النواب الانتخابية في حزيران (يونيو) الماضي، هي الوصفة الوحيدة للوصول الى حل ينتخب بموجبه رئيس الجمهورية على أساس ما نص عليه بيان الخماسية من آلية للتشاور السريع والتوافق أو وضع لائحة محدودة بأسماء مرشحين ومن ثم عقد الجلسات المفتوحة لانتخاب الرئيس.
ولكن أوساط بري قالت إنه خرج من اجتماعه مع لودريان بـ”انطباعات ايجابية” عكسها في البيان الذي صدر عن مكتبه الاعلامي وتأكيده بعد اتمام “التشاور” التوجه إلى القاعة العامة للبرلمان للانتخاب بدورات متتالية. وقالت إنه لم يتم الاتيان في عين التينة على أي اشارة من لودريان الى مسألة أن الحل الرئاسي يبنى على قاعدة “المرشح الثالث”. ويقصد بهذا الموقف الذي لا يتقبله ويرفضه بري ولا يسير فيه وهو يقضي بازاحة المرشحين سليمان فرنجية وجهاد أزعور من بورصة المرشحين بحسب ما نقل نواب التقوا الموفد الفرنسي في سفارة بلاده في قصر الصنوبر. وأضافت أن لودريان لم يتطرق إلى “المرشح الثالث” في عين التينة تحديداً بل أيّد وجهة نظر بري التي تؤكد التوجه الى “التشاور” الذي يسبق جلسة الانتخاب. وخاطبه بري: “اطلق على هذا الامر ما تريد… تشاور أو حوار او تلاقٍ بين النواب على أن يحصل ذلك قبل عملية انتخاب الرئيس”.
وأفادت معلومات أخرى أن لودريان قال لمن التقاهم إن “لبنان السياسي” سينتهي اذا بقيت الأزمة على حالها ومن دون رئيس للجمهورية ولن يبقى سوى “لبنان الجغرافي”. ونقل عنه قوله “فلننس كلمة حوار لأنها غير ناجحة ولنستبدلها بـ”المشاورات” أيconsultations بدلاً من négociations. وأشارت المعلومات نفسها إلى أن بعض من التقوا لودريان استنتجوا أنّ محاولاته تُحرّكها مخاوف لدى الخماسية من أنّ عدم اتمام الاستحقاق الرئاسي خلال حزيران (يونيو) أو تموز (يوليو) سيؤدي الى تأجيله طويلاً جداً لأن الدينامية الدولية لن تكون مساعدة في الفترة المقبلة.
من الضاحية الى معراب
وفي اليوم الثاني لزيارته التقى لودريان رئيس “كتلة الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد في حارة حريك، وانتقل الى عين التينة حيث كان في استقباله بري. وأفاد بيان صدر عن عين التينة أن “الرئيس بري شكر جهود الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وإرساله مبعوثاً خاصاً له الى لبنان. وكرّر تمسكه بمبادرته لانتخاب رئيس للجمهورية مكرراً الدعوة ومن دون شروط مسبقة “للتشاور” حول موضوع واحد هو انتخاب رئيس للجمهورية ومن ثم الإنتقال إلى القاعة العامة لمجلس النواب للانتخاب بدورات متتالية رئيس من ضمن قائمة تضم عدداً من المرشحين حتى تتوج المبادرة بانتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية”.
وفي قصر الصنوبر التقى لودريان النائب ميشال معوَّض الذي تحدث عن “تقدّم إيجابي باستعمال رئيس مجلس النواب كلمة تشاور واعتماد مبدأ الجلسات المفتوحة ونحن منفتحون تحت سقف الدستور”، ونواب “كتلة الاعتدال الوطني” ونواب “اللقاء النيابي المستقل “. وزار بعد الظهر رئيس حزب الكتائب سامي الجميل في الصيفي، واكد الجميّل أننا سنتعاطى بإيجابية مع كل الطروحات لكننا لن نستسلم أو نسلم البلد لـ”حزب الله”. وقال: “أكدنا له إصرار حزب الكتائب على انتخاب رئيس بأسرع وقت واستعدادنا لتسهيل هذه المهمة والمساعدة باتجاه انتخاب رئيس وفي الوقت نفسه حذرناه من بعض المطبّات التي يمكن أن تكون في طور التحضير، على أمل أن يؤمن الضمانات اللازمة لنطمئن للمسار”.
وأوضح “أن الضمانات تتمحور حول نقطتين أساسيتين، الأولى: أن ليس المهم شكل الحوار والمناقشات بل هل هناك التزام من الرئيس بري بالدعوة لجلسة مفتوحة بدورات متتالية بغض النظر عن نتائج الحوار؟ أو إذا اختلفنا بالحوار لا تنعقد جلسة؟ لأنهم يتحدثون عن جلسة مشاورات وبعدها جلسة انتخاب، فهل جلسة الانتخاب مرتبطة بالنتائج الإيجابية وبالاتفاق بالمشاورات أم أنها بمعزل عن الاتفاق؟ نريد ضمانة بأن تكون الجلسة الانتخابية المفتوحة بمعزل عن الاتفاق على اسم الرئيس. أما الضمانة الثانية، فتتمثل بحضور نواب الممانعة، الجلسة، لأن بري يمكن أن يدعو لجلسة يقاطعها النواب ولا يؤمّنون النصاب وعملياً نكون عدنا الى نقطة الصفر”. وشدد على “أن الاسم الذي سينتج عن هذه العملية يجب أن يكون حيادياً إذ لا مكان لأن يفرض أحد رئيساً على اللبنانيين”.
وبعد الظهر زار لودريان بكركي والتقى البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي.
وعصراً زار المبعوث الفرنسي رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع في معراب، وقال جعجع على الأثر: “إن سُمّي حواراً أو تشاوراً لن نقبل بالأعراف، ولودريان قال إنّ بري كان إيجابيّاً لذا فليتفضّل ويدعو إلى جلسة”.
واضاف: “لن نقبل بمنح رئيس مجلس النواب صلاحيات ليست له وبأن يمرّ كلّ استحقاق به حكماً ونحن أوّل المدافعين عن صلاحيات الرئاسة الثانية بما يسمح به الدستور والقانون”. وأشار إلى أن “محور الممانعة يريد معرفة هوية الرئيس قبل جلسة الانتخاب وهذا غير وارد، وهم لم يقبلوا بالخيار الثالث فيما نحن أبدينا كلّ استعداد”.