مجلة وفاء wafaamagazine
كتبت صحيفة “النهار”:
اتخذت مؤشرات التصعيد المتدحرج على جبهة الجنوب اللبناني وشمال إسرائيل في الأيام الثلاثة الأخيرة دلالات بالغة الخطورة لعلها الأولى بهذا المستوى منذ اندلاع المواجهات الميدانية بين “حزب الله” وإسرائيل في الثامن من تشرين الأول (أكتوبر) الماضي على هذه الجبهة الرديفة للحرب في غزة. ومع ان أياً من الجهات اللبنانية الرسمية والأمنية لم تتفاعل علناً مع تزايد اخطار اتساع المواجهات والعمليات الحربية في أعماق جديدة على جانبي الجبهة بما ينذر بالأسوأ، فإن المعطيات العسكرية والميدانية التي عكستها التطورات الميدانية في الساعات الـ48 الأخيرة دلت بوضوح على أن الفريقين يُعدان العدة لكل الاحتمالات وتحديداً لانفجار حربي واسع من دون أن يعني ذلك حكماً أن انفجاراً كهذا بات حتمياً وصار من المتعذر تجنبه. فنوعية الصواريخ التي زج بها “حزب الله” وكثافة تركيزها التدميري على المستوطنات في الشمال فاقت كل قواعد الاشتباك منذ اندلاع المواجهات، كما أن إسرائيل التي ضاعفت عدد الطلعات والغارات بالطيران المسيّر أو الحربي وأعلنت جهاراً أن رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو أعطى التوجيهات إلى الجيش الإسرائيلي لتوسيع الضربات على لبنان بدت عبر ذلك كما عبر تركيز أعلامها على الأسلحة الجديدة التي ادخلها “حزب الله” الى المعركة كأنها تهيّئ الأجواء لذروة الاحتمالات التصعيدية.
غير أن أوساطاً ديبلوماسية مراقبة عن كثب لهذه التطورات بدت كأنها تربط الهبوب الحار “للعاصفة الموسمية” الجديدة على الجبهة اللبنانية الإسرائيلية بتموجات الاقتراح التجريبي الذي طرحه الرئيس الأميركي جو بايدن لوقف حرب غزة انطلاقاً من الربط الواضح بين الجبهتين بما يعني أن مرحلة الغموض التي تفصل عن بت مصير مقترح الرئيس الأميركي تترجم ميدانياً بتزايد التصعيد في حرب غزة كما على الجبهة اللبنانية- الإسرائيلية. ولكن الأوساط نفسها حذرت بقوة من أي استهانة بخطورة تفلت الحسابات الميدانية في أي لحظة خصوصاً في ظل تحفز كل من إسرائيل و”حزب الله” لأن يكون الآخر يعد لضربة مفاجئة او مباغتة ربما تؤدي الى انفجار غير محسوب. ولذا توقعت الأوساط نفسها أن يتضح المسار الجدي للتطورات الميدانية في الأيام الطالعة علماً أنها كشفت عن ضغوط ديبلوماسية كبيرة للغاية بدأت تمارس في كل الاتجاهات الإقليمية لمنع انزلاق لبنان الى السقوط في حرب كبيرة. وفي اطار التحركات الديبلوماسية ذات الصلة يقوم اليوم وزير الخارجية الإيراني بالإنابة علي باقري كني بزيارته الأولى لبيروت بعد تعيينه ويلتقي رئيسي المجلس والحكومة ووزير الخارجية والسيد حسن نصرالله.
الوقائع الميدانية
وفي ابرز الوقائع الميدانية خلال الساعات الأربع والعشرين الاخيرة أفاد مراسل “النهار” عن سقوط إصابات إثر غارتين إسرائيليتين استهدفتا ميس الجبل، وذلك بعدما استهدف الجيش الإسرائيلي صباحاً منزلاً في بلدة حولا، حيث سقط مدنيان مزارعان فيه هما الشقيقان علي مصطفى ومحمد مصطفى قاسم.
وقد اعتبرت صحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية أن “تصعيد “حزب الله” يتزامن مع الوقت الذي توعّدت فيه حماس بحرب استنزاف في غزة. ويبدو أن الحزب يسعى إلى زيادة هجماته في الوقت نفسه الذي تزيد فيه حماس أيضاً هجماتها على الجيش الإسرائيلي في غزة. ويبدو أن هذا هو جزء من حملة ضغط شاملة لإظهار لإسرائيل أن محور المقاومة الإيراني يحقق النجاح بعد ما يقرب من ثمانية أشهر من الحرب”.
وكان “حزب الله” قد أسقط مسيّرة متطورة للجيش الإسرائيلي يوم السبت الماضي. وبحسب الإعلام العبري، فإن “حزب الله” بدأ باستخدام صواريخ كروز، ويُعد استخدام هذا الصاروخ تصعيداً خطيراً. وهذا يوضح كيف تقوم إيران بتصدير تكنولوجيتها إلى مجموعات مختلفة في المنطقة، وفق المصدر نفسه. وبرأي “جيروزاليم بوست”، فإن “حزب الله” على استعداد “لتوسيع الصراع”.
وأعلن “حزب الله” أمس الأحد تنفيذ هجوم جوي بمسيّرات انقضاضية على ثكنة يردن في الجولان، واستهداف رادار القبة الحديدية وأماكن الضباط والجنود ما أدى إلى تدمير الرادار وإيقاع قتلى وجرحى. وقال الحزب إنه شن هجوماً جوياً بِسرب من المسيّرات الإنقضاضية على مقر كتيبة الجمع الحربي في ثكنة يردن في الجولان المحتل، حيث استهدفت رادار القبة الحديدية فيها وأماكن استقرار وتموضع ضباطها وجنودها وأصابت أهدافها بدقة، ما أدى إلى تدمير الرادار وتعطيله وإيقاع الضباط والجنود بين قتيلٍ وجريح”.
من جهتها، أفادت الإذاعة الإسرائيلية الرسمية أن 4 مسيّرات اقتحمت أجواء إسرائيل من جهة لبنان، وقد تم إسقاط إحداها بمنطقة المطلة والأخريات بالجولان. وكان “حزب الله” أعلن السبت الماضي تنفيذ 10 عمليات هجومية ضد القوات الإسرائيلية، أبرزها استهداف مقر قيادة “اللواء 769” في ثكنة كريات شمونة، وإسقاط مسيرة من نوع “هرمز 900”. واعلن الحزب أمس تنفيذ سلسلة عمليات منها أنه قصف برمايتين متتاليتين مقر قيادة فرقة الجولان 210 في ثكنة نفح بعشرات صواريخ الكاتيوشا. كما قصف آليات إسرائيلية في موقع العباد ودمر احداها ثم قصف كريات شمونة بعشرات صواريخ الكاتيوشا كما مستوطنة المطلة.
المشهد الداخلي
وسط هذه التطورات الميدانية غابت معالم التحركات السياسية الداخلية فيما ينتظر أن يشرع تكتل “اللقاء الديموقراطي” برئاسة النائب تيمور جنبلاط بتحرك سياسي واسع جديد يشمل جميع الافرقاء السياسيين والكتل النيابية. وسيتبلور مضمون هذا التحرك قبيل انطلاق التكتل في جولته علماً أنه يهدف الى محاولة حضّ الجميع على توافق سياسي عريض يؤدي الى انتخاب رئيس للجمهورية.
وفي سياق الدور الذي تضطلع به قطر بين الافرقاء اللبنانيين، وبعد زيارة الزعيم الدرزي وليد جنبلاط ونجله تيمور الاسبوع الماضي للدوحة، وصل أمس الى الدوحة وفد من حزب “القوات اللبنانية” يضم النائبين بيار ابو عاصي وملحم الرياشي والدكتور جوزف جبيلي عضو الهيئة التنفيذية في “القوات” لتمثيل الحزب ورئيسه سمير جعجع في لقاءات عدة سيعقدها مع كبار المسؤولين القطريين تتركز على الأزمة الرئاسية وستستمر الزيارة إلى يوم الخميس المقبل.
وفي الإطار الرئاسي أيضاً توقّع النائب سيمون أبي رميا أمس عودة الموفد الفرنسي جان إيف لودريان الى بيروت قبل آب (أغسطس) المقبل لافتاً الى أنه “غادر مع نفحة إيجابية بعد ما سمعه عن الفصل بين الرئاسة وغزة وقبول بعض المعارضة بالتشاور”. وقال إن لودريان يعول على الحراك الجنبلاطي وكتلة الاعتدال .
اما في المواقف البارزة، فتناول أمس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي كعادته الأزمة الرئاسية وقال: “كم نتمنّى لو أنّ المؤمنين السياسيّين يشعرون بموهبة الروح القدس، وبقيمتها في حياتهم، لفتحوا أذهانهم وعقولهم لقبوله، ولقراءة علامات الأزمنة في حياتهم على ضوئه… فكيف يستطيع أي سياسيّ القيام بوظيفته الخطيرة من دون العودة إلى الروح القدس. لو فعلوا ذلك لكانوا انتخبوا رئيسًا للجمهوريّة، وقبل نهاية خدمة الرئيس العماد ميشال عون وفقًا للدستور ولكانوا اختاروا منذ ذاك الحين رئيسًا يغيّر ويخلق بيئة وطنيّة جديدة نظيفة، وسلوكًا أخلاقيًّا، والتزامًا بالثوابت التاريخيّة. فلنصلِّ، كي يلهم الله السياسيّين استلهام الروح القدس، لكي يصحّحوا مسيرتهم وقراراتهم لخير لبنان واللبنانيّين”.
بدوره حذر متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عودة من أن “بعد استغلال النفوذ لسنوات، والتلطي وراء المراكز من أجل استنفاد خيرات البلد وتخطي قوانينه، واتخاذ القرارات التي تناسب المصالح ولو على حساب المصلحة العامة، ها نحن أمام تعطيل مشبوه لانتخاب رئيس، يساهم في تفكك السلطة وتحلل الدولة. وما يفاقم الوضع تقاعس السلطة عن البحث الجدي عن حل للمشاكل العديدة التي تنغص حياة اللبنانيين وأولها انهيار الاقتصاد وكيفية إعادة أموال المواطنين، والحرب التي يتحمل نتائجها اللبنانيون من دون موافقتهم عليها، وتردي الأخلاق، والفوضى التي تعم قطاع التربية، وضياع الطلاب نتيجة القرارات العشوائية التي تساهم في تدني مستوى التعليم… اللبنانيون، مسؤولين ومواطنين، ارتكبوا ويرتكبون أخطاء كثيرة في حق وطنهم، لكن الوضع لم يعد يحتمل وعلى الجميع تدارك الأمر. أما النواب، فعلى عاتقهم مسؤولية تاريخية في تطبيق الدستور دون مواربة، وانتخاب رئيس في أسرع وقت لكي تعود المؤسسات إلى العمل المنتظم المنتج المبني على الصدق والأمانة وابتغاء الخير العام”.